رساله مختصره فی لبس السواد - الانوار الالهية

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان و نام پديدآور : رساله مختصره فی لبس السواد/ جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم: دار الصدیقه الشهید، 1425ق. = 1383.

مشخصات ظاهری : 28 ص.

شابک : 964-8438-04-8

يادداشت : عربی.

يادداشت : چاپ چهارم و پنجم: 1427ق. = 1385.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : پوشاک -- جنبه های مذهبی -- اسلام

شناسه افزوده : کتابخانه حضرت آیت الله العظمی میرزا جواد تبریزی

رده بندی کنگره : BP230/17/ت23ر5 1383

رده بندی دیویی : 297/4831

شماره کتابشناسی ملی : م 83-9382

رسالة مختصرة في النصوص الصحيحة على إمامة الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)

اشارة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 7

[المدخل]

آية اللّٰه العظمى الحاج الشيخ ميرزا جواد التبريزي (دام ظلّه)، ما هي النصوص على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)؟ بيّنوا لنا بعض الأفكار مع الإشارة إلى قسم من الروايات الصحيحة. نسأل اللّٰه سبحانه و تعالى أن يحفظكم ذخراً للإسلام و المسلمين، و أن يثبتنا على الصراط المستقيم. أفيدونا مأجورين.

الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله الطيّبين الطاهرين.

تثار بين فترة و أخرى أسئلة تتعرّض للمسلّمات العقائديّة الموجودة لدى المسلمين. و بالذات لدى الطائفة المحقة أتباع أهل البيت (عليهم السّلام)، و تختلف دوافع تلك الأسئلة، فإنّ البعض بدافع التعرف و البحث عن الدليل يسأل عن تلك المواضيع، و يحتاج إلى إجابة شافية وافية سوف نضعها بإذن اللّٰه بين يديه. و ربّما كان هدف آخرين من طرح هذه الأسئلة هو التشكيك في تلك المسلّمات و إلقاء الشبهة في قلوب العوام من أتباع هذا المذهب.

و تختلف طرق هؤلاء و شبهاتهم، و ذلك أنّ هدفهم هو إلقاء الشبهة، و تشكيك أبناء الطائفة في عقيدتهم، فلا يهمّ عندهم ما هو نوع السؤال، و لا ينتظرون الإجابة عليه، بل لو أجيبوا بجواب مقنع بالنسبة لهم، فإنّهم يتركونه للبحث عن سؤال آخر و شبهة أُخرى! فالمهمّ عندهم هو التشكيك و السؤال المؤدّي إلى الشبهة؛ فهم في يوم يشككون في بعض الوقائع التاريخية المتصلة بقضية الإمامة، و في آخر يشككون في حياة الإمام المهدي، أو أنّه ما فائدة هذه الغيبة، و ثالثة يشككون في

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 8

النص على الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) بأن يقولوا إنّه لا يوجد نص على الأئمة أو على

الأئمة بعد الحسين (عليه السّلام).

و هؤلاء نحن لا نتحدّث معهم في هذه الرسالة، و لا نوجّه لهم هذه الكلمات، بل لا نرجو هدايتهم بعد أن اختاروا لأنفسهم هذا الطريق، طريق التشكيك لَمْ يَكُنِ اللّٰهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لٰا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً «1»، و إنّما يتوجّه حديثنا إلى أهل الإنصاف الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ «2»، و إلى العامّة من أبناء المذهب الحق الذين يترقبون الدليل الواضح للرد به على مزاعم المشككين و شبهات المنحرفين. لمثل هؤلاء الذين ربّما وردت أسئلة من قبل بعضهم و طلبوا الإجابة عليها فيما يرتبط بهذا الموضوع، أي النص على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، نكتب هذه الرسالة المختصرة، علماً بأنّه لا يسعنا استقصاء الأدلة، و لا بدّ لذلك من الرجوع إلى الكتب المدوّنة في هذا المضمار خصوصاً كتب الحديث و المجاميع الروائية.

منهج الرسالة

و سيكون منهجنا في هذه الرسالة أن نتعرّض إلى ذكر بعض الروايات الصحيحة و الصريحة التي تعيّن أسماء الأئمة (عليهم السّلام)، ممّا يقطع الطريق على من يدعي عدم وجود النص عليهم أو على بعضهم، و سيثبت هذا أنّ المدعي لعدم وجود النص لو سلمت نيته فإنّه ضعيف الاطلاع جدّاً على أخبار أهل البيت (عليهم السّلام) و غير بصير بأحاديثهم. و سنلتزم أن يكون النص الذي نورده صحيحاً من غير شبهة أو مناقشة، و إلّا فالنصوص الأُخرى كثيرة جدّاً. و هذه النصوص تنقسم كما سيأتي إلى ما هو نص على العنوان مثل أبناء الحسين (عليه السّلام)، و ما هو نص على قسم منهم مثل النصوص

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 168.

(2) سورة الزمر: الآية 18.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 9

الواردة الناصة عليهم إلى الإمام الباقر (عليه السّلام)،

و أهميّة هذه أنّ المشككين يدّعون أنّه لا نصّ بعد الحسين (عليه السّلام)، و القسم الثالث ما هو نص عليهم جملة واحدة.

ثم سنتعرّض إلى ذكر النصوص الواردة بشأن إمامة كل إمام بخصوصه، و نحن و إن كنا لا نحتاج إلى ذكرها، بل كان يكفينا و يكفي من يريد الدليلَ روايةٌ صحيحة واحدة تذكرهم جملةً من غير حاجة إلى ذكر سائر الروايات سواء كانت بالعنوان أو لكلّ شخص نورد هذه للتأكيد، و أنّ النص عليهم كان حاصلًا بطرق مختلفة، و هو كافٍ لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ «1». هذا كلّه مع ما سنذكره في الخاتمة من أنّ الظروف التي أحاطت بأئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) و شيعتهم الكرام في أدوار التاريخ كانت من الصعوبة، بحيث كان نقل الحديث الذي ينص على إمامة المعصومين خصوصاً الذين كانوا في فترات متأخّرة أمراً في غاية الخطورة.

النصوص التي تعيّن أسماء الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)

اشارة

يوجد في مصادرنا الحديثية العديد من الروايات التي تنص على تحديد أسماء الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، و لكن بما أنّ بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة، فإننا سنكتفي بذكر رواية صحيحة صريحة في كل باب (أو روايتين)، و فيها لمن أراد الدليل كفاية و غنى. و هذه الروايات تنقسم بحسب المدلول إلى أقسام:

القسم الأوّل ما ورد من الروايات في تحديد أنّ الأئمّة (عليهم السلام) هم من ولد الحسين (عليه السلام)

و هذه الروايات بهذا العنوان تجيب عن عدة أسئلة، فهي من جهة تعالج نقطة هي مركز التشكيك عند المشككين المدعين عدم وجود نص على الأئمّة بعد الإمام

______________________________

(1) سورة ق: الآية 37.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 10

الحسين (عليه السّلام)، بينما هذه الروايات تعتبر نصاً على العنوان، أي أولاد الحسين، و أيضاً فهي تحدد نسب الأئمّة بعده و تحصرهم في هذه الذريّة الطاهرة، فتنفي هذا المنصب عمن ليس من هذا البيت، فكل من ادّعى الإمامة من غيرهم فادّعاؤه باطل، و لو كان هاشمياً قرشياً، بل حتى لو كان من أولاد أمير المؤمنين من غير نسل الحسين (عليه السّلام). و أيضاً فهذه الروايات تدلّ بالدلالة الالتزامية على أنّهم من قريش، بل هي مفسِّرة لذلك العنوان، و لهذا فما ورد من غير طرق الشيعة كثيراً من أنّ الأئمّة من قريش يكون مفسّراً بهذه الروايات، حيث إنّ من كان من أبناء الحسين فهو بالضرورة قرشيّ.

فمن تلك الروايات:

ما رواه الشيخ الكليني (رحمه اللّٰه) عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبد اللّٰه الصادق (عليه السّلام) من كلام يذكر فيه الأئمّة .. إلى أن قال: «فلم يزل اللّٰه يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كل إمام، كلما مضى منهم

إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً و علماً هادياً ..» «1». (صحيحة).

و منها: ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه اللّٰه) عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و الهيثم بن مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب السراد عن علي بن رئاب عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال سمعته يقول: «إنّ أقرب النّاس إلى اللّٰه عز و جل و أعلمهم به و أرأفهم بالنّاس محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة، فادخلوا أين دخلوا و فارقوا من فارقوا، عنى بذلك حسيناً و ولده فإنّ الحق فيهم و هم الأوصياء و منهم الأئمّة، فأينما رأيتموهم فاتّبعوهم و إن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً منهم فاستغيثوا باللّٰه عز و جل و انظروا

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 203.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 11

السنة التي كنتم عليها و اتّبعوها و أحبّوا من كنتم تحبّون و أبغضوا من كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج»! «1». (صحيحة).

و يؤيّدها ما رواه في كمال الدين، عن أبيه عن سعد بن عبد اللّٰه عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبد اللّٰه بن مسكان عن أبان عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال: «دخلت على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فإذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبّل عينيه و يلثم فاه و يقول: أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أبو أئمّة أنت حجة اللّٰه ابن حجته و أبو حجج تسعة من صلبك

تاسعهم قائمهم» «2».

القسم الثاني الروايات التي تنصّ على أسماء الأئمّة بدءاً من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

و هي متعددة نكتفي منها بروايتين:

الصحيحة الأُولى رواها الشيخ الكليني (رحمه اللّٰه) عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس، و علي بن محمد بن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن يونس، عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قوله عز و جل أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «3»، فقال: «نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين (عليهم السّلام)، فقلت: إنّ النّاس يقولون فما باله لم يسمِّ عليّاً و أهل بيته في كتاب اللّٰه عز و جل؟ فقال: قولوا لهم: إنّ رسول اللّٰه نزلت عليه الصلاة و لم يسمّ اللّٰه لهم ثلاثاً و لا أربعاً، حتى كان رسول اللّٰه هو الذي فسّر ذلك، و نزلت الزكاة و لم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً

______________________________

(1) كمال الدين: ص 328.

(2) كمال الدين: ج 1، ص 262.

(3) الكافي: ج 1، ص 286.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 12

درهم، حتى كان رسول اللّٰه هو الذي فسّر لهم ذلك، و نزل الحج فلم يقل لهم طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول اللّٰه هو الذي فسّر لهم ذلك، و نزلت أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» و نزلت في علي و الحسن و الحسين، فقال رسول اللّٰه في علي «من كنت مولاه فعلي مولاه»، فقال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أوصيكم بكتاب اللّٰه و أهل بيتي، فإنّي سألت اللّٰه أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليَّ الحوض فأعطاني ذلك. و قال: لا تعلموهم فهم أعلم منكم. و قال: إنّهم

لن يخرجوكم من باب هدى، و لن يدخلوكم باب ضلالة.

فلو سكت رسول اللّٰه فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان، لكن اللّٰه أنزل في كتابه تصديقاً لنبيّه إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2»، فكان علي و الحسن و الحسين و فاطمة فأدخلهم رسول اللّٰه تحت الكساء في بيت أم سلمة ثمّ قال: اللّهمّ إنّ لكل نبي أهلًا و ثقلًا، و هؤلاء أهلي و ثقلي. فقالت أم سلمة: أ لست من أهلك؟ قال: إنّك إلى خير، و لكن هؤلاء أهلي و ثقلي. فلما قُبض رسول اللّٰه كان علي (عليه السّلام) أولى الناس بالناس، لكثرة ما بلّغ فيه رسول اللّٰه و إقامته للناس و أخذه بيده، فلما مضى عليُّ (عليه السّلام) لم يكن يستطيع عليّ (عليه السّلام) و لم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي و لا العباس بن علي و لا واحداً من ولده .. إذن لقال الحسن و الحسين إن اللّٰه تبارك و تعالى أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك، و بلغ فينا رسول اللّٰه كما بلغ فيك، و أذهب عنّا الرجس كما أذهبه عنك، فلما مضى علي كان الحسن أولى بها لكبره، فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده و لم يكن ليفعل ذلك، و اللّٰه عز و جل يقول وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ «3» فيجعلها في ولده .. إذن لقال الحسين أمر اللّٰه بطاعتي كما أمر بطاعتك و طاعة أبيك، و بلغ فيَّ رسول اللّٰه كما بلغ فيك و في أبيك، و أذهب اللّٰه عني

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 59.

(2) سورة الأحزاب: الآية

33.

(3) سورة الأنفال: الآية 75؛ سورة الأحزاب: الآية 6.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 13

الرجس كما أذهب عنك و عن أبيك. فلما صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه و على أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه، و لم يكونا ليفعلاه، ثم صارت حين أفضت إلى الحسين فجرى تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين، ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي ثمّ قال: الرجس هو الشك، و اللّٰه لا نشك في ربّنا أبداً» «1».

و ينبغي التوجه إلى نقطتين مهمتين توضحهما هذه الرواية:

أولاهما: انّها تجيب عن سؤال ربّما طرحه البعض، و هو أنّه لو كانت الإمامة بتلك الأهمية فلما ذا لم ينص القرآن عليها؟ و لمَ لم يذكر القرآن أسماء الأئمّة حتى يرتفع الشك و التردد بصورة قاطعة، و لا يضل الناس؟

و الرواية تجيب بأنّه كما نزل أصل وجوب الصلاة و الزكاة و الحج في القرآن و لم يبيّن فيه تفاصيل الأحكام، فكذلك الحال في الإمامة حيث نزل وجوب الطاعة للأئمّة و أُولي الأمر، و أوكل تعيين أسمائهم إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قد قام بذلك خير قيام.

و ثانيتهما: أن قضية الإمامة و نصب الإمام هي أمر إلهي لا يرتبط بقضية الوراثة، أو إرادة الإمام السابق في تعيين اللاحق، فإنّه لا يستطيع و لم يكن ليفعل أن يغيّر مجراها عمّا هو عليه من النصب الإلهي. و في هذه القضية كما أنّ أمير المؤمنين قد نصب نصباً إلهياً،

فكذلك زين العابدين علي بن الحسين و الباقر محمد بن علي (عليهم السّلام)، من دون فرق في هذه الجهة ممّا يرد بذلك على دعوى المشكّكين بأنّ النص إنّما هو على الثلاثة الأوائل من الأئمّة.

و يؤيدها ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 286.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 14

إبراهيم بن عمر اليماني و عمر بن أذينة عن أبان عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السّلام)، و أشهدَ على وصيته الحسين (عليه السّلام) و محمّداً و جميع ولده و رؤساء شيعته و أهل بيته، ثمّ دفع إليه الكتاب و السلاح و قال لابنه الحسن (عليه السّلام): «يا بني، أمرني رسول اللّٰه أن أُوصي إليك و أن أدفع إليك كتبه و سلاحه، و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل على ابنه الحسين فقال: و أمرك رسول اللّٰه أن تدفعها إلى ابنك هذا. ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين و قال: و أمرك رسول اللّٰه أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن علي، و اقرأه من رسول اللّٰه و مني السلام» «1».

القسم الثالث ما نص على أسماء الأئمة (عليهم السلام) جميعاً

و مع هذه الروايات التي سوف نذكر بعضها ينقطع عذر كل متعلل لصراحتها و قوّتها، و ما يحف بها، ففي الأُولى نلتقي مع أسماء الأئمة (عليهم السّلام) في سجدة الشكر عقيب كل صلاة، حيث يُشهِد المصلي ربَّه و الملائكة و الخلق بمجمل اعتقاداته التي ينبغي أن يلقاه بها، و منها تولّيه للأئمّة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السّلام) و أنّه يتولّاهم و يتبرّأ من أعدائهم. و

لا يخفى الارتباط بين الصلاة و بين ذكر الأئمّة الهادين و فضلهم على الخلق في تعليمهم معالم الدين. و سنشير إلى هذه الجهة أيضاً في الخاتمة.

فمن هذه الروايات:

الصحيحة التي رواها الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن جندب عن موسى بن جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: تقول في سجدة الشكر «اللّهمّ إني أشهدك و أشهد ملائكتك و أنبياءك و رسلك و جميع خلقك أنّك أنت اللّٰه ربي و الإسلام ديني و محمّداً نبيي و علياً و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 297.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 15

موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الحجّة بن الحسن أئمّتي بهم أتولى و من أعدائهم أتبرأ» «1».

و الصحيحة الأُخرى التي رواها الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) قال: «أقبل أمير المؤمنين (عليه السّلام) و معه الحسن بن علي و هو متكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس، فسلم على أمير المؤمنين، فرد (عليه السلام) فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضي عليهم و أن ليسوا بمأمونين في دنياهم و آخرتهم، و إن تكن الأُخرى علمت أنّك و هم شرع سواء! فقال له أمير المؤمنين (عليه السّلام): سلني عمّا بدا لك. قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين

تذهب روحه؟ و عن الرجل كيف يذكر و ينسى؟ و عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى الحسن، فقال: يا أبا محمد أجبه! قال: فأجابه الحسن. فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلّا اللّٰه و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنّ محمداً رسول اللّٰه و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنّك وصي رسول اللّٰه و القائم بحجته أشار إلى أمير المؤمنين و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنّك وصيه و القائم بحجّته أشار إلى الحسن و أشهد أنّ الحسين بن علي وصي أخيه و القائم بحجّته بعده، و أشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، و أشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين، و أشهد على جعفر بن محمد أنّه القائم بأمر محمد، و أشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمد، و أشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، و أشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى، و أشهد على علي بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي، و أشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمد، و أشهد على

______________________________

(1) الوسائل: ج 7، ص 15.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 16

رجل من ولد الحسن لا يكنّى و لا يسمّى حتى يظهر أمره فيملأها عدلًا كما ملئت جوراً، و السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّٰه و بركاته. ثمّ قام فمضى. فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمد، اتبعه! فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن بن علي (عليه السّلام)، فقال: ما كان

إلّا أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض اللّٰه، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأعلمته، فقال: يا أبا محمد، أ تعرفه؟ قلت: اللّٰه و رسوله و أمير المؤمنين أعلم. قال: هو الخضر» «1».

الروايات التي تنص على كل إمام بشخصه:

اشارة

بعد أن ذكرنا الروايات التي تذكر أسماء الأئمّة الطاهرين، نعود و نذكر الروايات الخاصة التي تنص على كل إمام بشخصه، و هي قد تذكر الإمام باسمه و أُخرى بالقرينة و الصفة، فإنّ بعض الروايات تعتمد على ذكر أمر، ذلك الأمر يلازم كونه إماماً، كما سيأتي في وصية الإمام الباقر لابنه الصادق (عليه السّلام) أن يغسله و يجهزه و يكفنه، فإنّ هذا من النص عليه، لما ثبت عندنا من النصوص و الإجماع على أنّ الإمام لا يتولى تجهيزه إلّا إمام مثله عند حضوره، و قد لا ينتبه لمثل هذه الإشارات إلّا من كان على مستوى من الإحاطة بتعابير الأئمّة، كما نرى أنّ هشام بن الحكم عند ما سمع من علي بن يقطين قول الكاظم أنّ علياً الرضا سيّد ولده و أنّه قد نحلة كنيته، فقد استنتج هشام من ذلك أنّه نص عليه بالإمامة من بعده، و مثل أن يعطيه السلاح و الكتب، و هكذا ما يرافق إمامتهم من الكرامات، مثلما حصل في قضية شهادة الحجر الأسود لعلي بن الحسين بالإمامة في مناقشة محمد بن الحنفية إياه! كما ورد في رواية صحيحة رواها الكليني في الكافي «2»، فإنّه بعد ما احتجّ السجاد عليه لأن سلاح

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 525.

(2) الكافي: ج 1، ص 348.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 17

رسول اللّٰه عنده و أنّ الحسين قد أوصى إليه دعاه للحجر الأسود ليحتكما إليه، فتكلم محمد

فلم يحصل على شي ء، ثم تكلم علي بن الحسين فنطق الحجر بقدرة اللّٰه «أن الوصية و الإمامة بعد الحسين بن علي إلى علي بن الحسين»! فانصرف محمد بعد ذلك و هو مؤمن بإمامة علي بن الحسين (عليه السّلام).

و حيث إنّنا قد ذكرنا في القسم الثاني من الروايات ما ينصّ على إمامة الأئمّة من الإمام أمير المؤمنين إلى الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السّلام)، فسنتعرّض هنا لذكر النصوص في إمامة الأئمّة بدئاً من الإمام الصادق، و سنكتفي بنص واحد بالنسبة لكل إمام، و سنذكر نصوصاً متعددة لخاتم الأوصياء و الأئمّة صاحب الزمان.

جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

فممّا ورد من النص على إمامة جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام)، الرواية الصحيحة التي نقلها الكليني (رحمه اللّٰه) في الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الأعلى عن أبي عبد اللّٰه الصادق (عليه السّلام): «إنّ أبي استودعني ما هناك، فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهوداً. فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد اللّٰه بن عمر، فقال: اكتب: هذا ما أوصى به يعقوب بنيه يٰا بَنِيَّ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلٰا تَمُوتُنَّ إِلّٰا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، و أوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد و أمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلّي فيه الجمعة و أن يعممه بعمامته و أن يربع قبره و يرفعه مقدار أربع أصابع و أن يحل عنه أطماره عند دفنه .. ثمّ قال للشهود: انصرفوا رحمكم اللّٰه. فقلت له: يا أبتِ بعد ما انصرفوا ما كان في هذا بأن تشهد عليه؟! فقال: يا بني، كرهت أن تغلب، و أن يقال: إنّه لم يوص إليه،

فأردت أن تكون لك الحجّة» «1».

و هذا كما تقدم بضميمة ما دلت عليه النصوص و قام عليه الإجماع أنّ الإمام

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 307.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 18

عندنا لا يولّى تجهيزه إلّا إمام مثله إذا كان حاضراً، و أنّ الوصية هي من علائم الإمامة يكون نصاً على إمامة الصادق (عليه السّلام).

موسى بن جعفر (عليه السلام)

و ممّا ورد في النص على إمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام)، الصحيحة التي رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّٰه، قال له منصور بن حازم: بأبي أنت و أُمي إنّ الأنفس يُغدى عليها و يُراح، فإذا كان ذلك فمن؟ فقال أبو عبد اللّٰه: «إذا كان ذلك فهو صاحبكم. و ضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن فيما أعلم و هو يومئذ خماسي، و عبد اللّٰه بن جعفر جالس معنا» «2».

علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

و من النص على إمامة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السّلام)، ما ورد في الصحيح عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: «كنت أنا و هشام بن الحكم و علي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي: يا علي بن يقطين، هذا عليّ سيد ولدي! أما إنّي قد نحلته كنيتي. فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثم قال: و يحك! كيف قلت؟! فقال علي بن يقطين: سمعت و اللّٰه منه كما قلت. فقال هشام: أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده» «1».

فأنت عزيزي القارئ ترى هنا أنّ هشام بن الحكم لما كان متبحراً في العقائد، و عارفاً بإشارات الأئمّة في ما يرتبط بموضوع الإمامة، و الصفات التي لا بدّ من توفرها في الإمام، فإنّه بمجرد أن سمع تلك الكلمات و ضمها إلى الكبريات الموجودة في

______________________________

(2) الكافي: ج 1، ص 309.

(1) الكافي: ج 1، ص 311.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 19

ذهنه المرتبطة بموضوع الإمامة انتقل

فوراً إلى معنى نص الإمام الكاظم على الرضا (عليه السّلام)، و إن كان مثل علي بن يقطين على جلالته ربّما لم يتوجّه إلى ذلك المعنى بنفس السرعة.

محمد بن علي الجواد (عليه السلام)

و من النص على إمامة محمد بن علي الجواد (عليه السّلام) الصحيحة التي نقلها في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا (عليه السّلام)، و ذكر شيئاً فقال: «ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر أجلسته مجلسي و صيرته مكاني. و قال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة» «1».

علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

و من الروايات التي تنص على إمامة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السّلام) ما رواه صحيحاً في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مهران قال: «لما خرج من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأُولى من خرجيته، قلت له عند خروجه: جعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر من بعدك؟ فكرّ إلى بوجهه ضاحكاً: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة، فلما خرج به الثانية إلى المعتصم، صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته، ثم التفت إلى فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر من بعدي إلى ابني علي» «2».

الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)

و قد وردت روايات مصرحة بإمامة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام)، منها ما رواه في الكافي عن علي بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي عن يحيى بن

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 320.

(2) الكافي: ج 1، ص 323.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 20

يسار القنبري، قال: «أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر و أشهدني على ذلك و جماعة من الموالي» «1».

الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان

و أمّا الروايات الواردة في إمامة الإمام الحجة بن الحسن العسكري صاحب الزمان، و في صفاته و علامات ظهوره، و ما يرتبط بخريطة تحرّكه بعد الظهور، و أنصاره، فهي كثيرة جدّاً، حتى لقد أُلّفت كتب و مجلدات خاصة في هذا الأمر، و حيث إنّ بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة كما ذكرنا في البداية، فسوف نذكر عدة مع عناوينها:

في النص عليه: ما رواه الصدوق عن محمد بن علي بن ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن معاوية بن حكيم و محمد بن أيوب بن نوح و محمد بن عثمان العمري قالوا: «عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي و نحن في منزله و كنا أربعين رجلًا فقال: هذا إمامكم من بعدي و خليفتي عليكم أطيعوه و لا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا فخرجنا من عنده فما مضت إلّا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد (عليه السّلام)» «2».

في أن الإيمان بالأئمّة كل لا يتجزأ و أن الاعتراف بهم من دون الإمام الحجة لا يساوي شيئاً و هو كإنكار أمير المؤمنين (عليه السّلام): ما نقله في كفاية الأثر عن

الحسن بن علي عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبد اللّٰه عن موسى بن جعفر البغدادي قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) يقول: «كأنّي بكم و قد اختلفتم بعدي في الخلف مني؛ ألا إن المقر بالأئمّة بعد رسول اللّٰه المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع الأنبياء

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 325.

(2) كمال الدين: ج 2، ص 435.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 21

و الرسل ثم أنكر نبوة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، و المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلّا من عصمه اللّٰه» «1».

و روى الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد اللّٰه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في قول اللّٰه عز و جل يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيٰاتِ رَبِّكَ لٰا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ «2»، فقال (عليه السّلام): «الآيات هم الأئمّة، و الآية المنتظرة القائم فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف و إن آمنت بمن تقدمه من آبائه (عليهم السّلام)» «3».

في أنّه أشبه النّاس برسول اللّٰه، و له اسمه و كنيته: ما رواه الصدوق في كمال الدين عن أبيه و محمد بن الحسن و محمد بن موسى المتوكل، عن سعد بن عبد اللّٰه و عبد اللّٰه بن جعفر الحميري و محمد بن يحيى العطار، جميعاً عن أحمد بن محمد بن عيسى و إبراهيم بن هاشم و أحمد بن أبي عبد اللّٰه البرقي

و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، جميعاً عن أبي علي الحسن بن محبوب السراد عن داود بن الحصين عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السّلام) عن آبائه قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): المهدي من ولدي؛ اسمه اسمي، و كنيته كنيتي، أشبه النّاس بي خلقاً و خُلقاً، تكون له غيبة و حيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها قسطاً و عدلًا كما ملئت ظلماً و جوراً» «4».

في أنّ من الابتلاء للخلق في زمان غيبته أن يشك البعض في ولادته: ما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن سعد بن عبد اللّٰه

______________________________

(1) كمال الدين: ص 291.

(2) سورة الأنعام: الآية 158.

(3) كمال الدين: ج 2، ص 336.

(4) كمال الدين: ج 1، ص 287.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 22

عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن عيسى الكلابي عن خالد بن نجيح عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إن للقائم غيبة قبل أن يقوم. قلت له: و لِمَ؟ قال: يخاف، و أومأ بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة هو المنتظر و هو الذي يشك الناس في ولادته؛ منهم من يقول هو حمل، و منهم من يقول هو غائب، و منهم من يقول ما ولد، و منهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، غير أن اللّٰه تبارك و تعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون» «1».

ما ورد من النص على أنّه قد ولد، و أنّه يحضر موسم الحج فيعاين الخلق، و قد

رآه من جملة من رآه نائبه الخاص (في الغيبة الصغرى) محمد بن عثمان العمري في الموسم متعلقاً بأستار الكعبة. و أهمية مثل هذا النص أنّه يؤكد ليس فقط ولادته بل اتصاله بالخلق، و ذلك أنّ قضية المهدي قضية اتفاقية بين المسلمين جميعاً لما ورد من النصوص المتواترة عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و لكن الخلاف بينهم هو في أنّه هل سيولد في آخر الزمان كما يدعي غير الشيعة؟ أو أنّه ولد و أن أباه هو الحسن بن علي العسكري و أنّه غائب عن الأنظار بعد ما نص عليه أبوه (عليه السّلام) و رآه خلّص شيعته كما تقدّم في النص الدال على إمامته، و أن له غيبتين: غيبة صغرى كان يمارس فيها توجيه العباد عن طريق سفرائه الأربعة الخاصين و غيبة كبرى، و أنّه سيظهر عند ما يأذن اللّٰه له كما هو الحق و به يقول شيعة أهل البيت (عليهم السّلام).

فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري أنّه قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رضى اللّٰه عنه)، فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: «نعم، و آخر عهدي به عند بيت اللّٰه الحرام، و هو يقول: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني. قال محمد بن عثمان (رضي اللّٰه عنه و أرضاه): و رأيته صلوات اللّٰه عليه متعلقاً بأستار الكعبة و هو

______________________________

(1) كمال الدين: ج 1، ص 342.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 23

يقول: اللّهمّ انتقم لي من أعدائك» «1».

الخاتمة

و في الختام ينبغي ذكر ملاحظة مهمّة و هي:

أن الوضع العام الذي عاش فيه الأئمة (عليهم السّلام) خصوصاً بعد شهادة الإمام الحسين كان

وضعاً ضاغطاً و عصيباً، و قد حاول فيه الظالمون بكل جهدهم أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّٰهِ بِأَفْوٰاهِهِمْ فكانوا يتربصون بالأئمّة الدوائر و يبغونهم الغوائل للقضاء عليهم.

و كان هؤلاء الظالمون، في العهدين الأموي و العباسي و إن لم يكونوا يقدمون على قتلهم جهراً و علانية كانوا يحاولون ذلك غيلة، و شاهد ذلك ما نجده من إقدامهم على دس السم للأئمة (عليهم السّلام)، و هذه الظروف و الأوضاع غير خافية على المتتبع لأحوالهم، و العارف بتاريخهم، و يكفي لمعرفة ذلك، النظر إلى كيفية نص الإمام الصادق (عليه السّلام) على إمامة الكاظم في وصيته له، حيث كان العباسيون ينتظرون أن يعيّن بنحو صريح الإمام بعده ليقتلوه، فكان أن أوصى لخمسة، فضيع عليهم هذه الفرصة، ثم ما جرى على مولانا الكاظم (عليه السّلام) من سجنه ثمّ قتله، و أيضاً ما جرى من التضييق و الاضطهاد للإمام الهادي (عليه السّلام) و من بعده ابنه الحسن العسكري (عليه السّلام)، و محاولتهم القبض على خليفته الإمام المهدي و قتله بزعمهم.

و هكذا ما عاشه الشيعة الكرام من ظروف القمع و التقية، بحيث كانوا لا يسلمون على عقائدهم في وقت كان يسلم فيه الكفار في بلاد الإسلام على ما كانوا عليه من ضلالة، و لا يسلم شيعة أهل البيت بما عندهم من الهدى! فكان الكشف في هذه الظروف عن أسماء الأئمة المعصومين، خصوصاً من كان منهم في

______________________________

(1) الفقيه: ج 2، ص 306.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 24

الفترات اللاحقة، و تناقل النصوص المصرّحة بإمامتهم بين الرواة أمراً في غاية الخطورة على الإمام و على شخص الناقل أيضاً.

و لكنّهم مع ذلك قد حفظوا لنا جزاهم اللّٰه خير الجزاء تلك النصوص و تناقلوها

فيما بينهم بالرغم ممّا كان يكتنفها من المشاكل و الضغوط حتى أوصلوها لنا، بحيث تمّت بواسطتها الحجّة على من أنكر، و الاحتجاج بها و الاستناد إليها لمن آمن. و لهذا فقد أصبحت هذه القضية من المسلّمات العقائدية لدى شيعة أهل البيت، و المتواترة إجمالًا، بحيث إنّهم عرفوا حتى عند أعدائهم بتوليهم لهؤلاء الأئمّة الطاهرين، و ميّزوا بأنّهم (الاثنا عشرية) في إشارة إلى اعتقادهم بإمامة الأئمّة الاثني عشر. و صار الأمر عند الشيعة بحيث إنّ من كان لا يؤمن بأحدهم أو جعل غيره مكانه لا يعد من هذه الطائفة المحقة.

بل إنه كما ذكرنا سابقاً ارتبط ذكر أسمائهم (عليهم السّلام) بالصلاة و سجدة الشكر كما في صحيحة بن جندب عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام)، و هذا لعلّه يراد منه أن يكون المؤمن ذاكراً لأئمّته في كل يوم، و حتى لا تنسى هذه الصفوة الطاهرة، أو يدّعي آخرون عدم وجود الدليل أو النص عليهم أو على بعضهم.

نسأل اللّٰه سبحانه و تعالى أن يثبّتنا على ولايتهم في الدنيا، فلا ننجرف في تيارات الفتن و الشكوك التي أخبرنا بها أئمتنا (عليهم السّلام) و بالذات في زمان الغيبة، حيث يرتاب المبطلون و يثبت المؤمنون، و أن ينفعنا بشفاعتهم في الآخرة إنّه على كل شي ء قدير و بالإجابة جدير.

اللّهمّ ما عرّفتنا من الحق فحمّلناه و ما قصرنا عنه فبلّغناه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 25

نفي السهو عن النبي ص

اشارة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 27

[المدخل]

سماحة المرجع الديني آية اللّٰه العظمى الشيخ الميرزا جواد التبريزي (دام ظلّه)، إنّ مسألة جواز السهو على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو نفيه عنه من المسائل العقائدية المهمّة التي كثر البحث و الجدل حولها من قديم الأيام، و الاختلاف فيها امتداد للاختلاف في المسألة الأعم، أعني مسألة عصمة الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام).

و في هذا الزمان كثرت إثارة الشُّبه حول العقائد الإسلامية بأساليب مختلفة، نرجو من سماحتكم التعرّض لهذه المسألة لإزالة الشبهة من أذهان الناس و دفع التوهّمات عن النظريات الإسلامية الصحيحة. و الوقوف أمام التيارات المشبوهة لهو ممّا جرت عليه سيرة علماء الطائفة المحقّة من قديم الزمان، و جزاكم اللّٰه خير الجزاء و جعلكم ذخراً للإسلام و المسلمين.

عصمة الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام)

اشارة

الكلام في العصمة يقع من نواحي: الأولى: العصمة عن ارتكاب الحرام أو ترك الواجب، سواء كان التكليف الإلزامي متوجّهاً إلى عامة المكلفين أو لخصوص النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام).

الثانية: العصمة عن المكروهات.

الثالثة: العصمة عن السهو و الخطأ.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 28

أمّا الناحية الثانية فلا نطيل فيها الكلام، و اللازم حصوله منها في النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام) هو ترك الاستمرار على المكروهات و لو كانت الاستدامة على مكروه واحد، و ذلك من أجل عدم وهنه في النفوس لكونه القدوة الحسنة في كل كمال و المثل الأعلى لكل جميل، و أمّا الناحية الثالثة فسيأتي الكلام حولها مفصلًا فيما بعد، و أمّا الناحية الأولى و كلامنا الآن حولها فهي ثابتة للأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام) باتفاق علماء الإمامية، بل هي من ضروريات المذهب، و الكلام

فيها من جهات:

الجهة الأُولى؛ معنى العصمة:

إن معنى عصمتهم (عليهم السّلام) هو عدم صدور شي ء من الحرام أو ترك الواجب منهم، لعدم انقداح الميل و الإرادة في أنفسهم الزكية إلى ذلك، نظير ما يحصل لجلّ المؤمنين، بل و غيرهم بالنسبة إلى بعض القبائح ككشف العورة أمام الملأ العام.

و ثبوت العصمة لهم بهذا المعنى لا يستلزم سلب القدرة عنهم إزاء هذه الأُمور، بمعنى عدم تمكّنهم تكويناً من ارتكاب ذلك، و إلّا لما كانت عصمتهم فضيلة لهم تميّزهم عن سائر الناس.

و يشهد لذلك:

أوّلًا: إنّ عصمتهم بهذا المعنى ترفع التهمة عنهم و تقطع عذر من فرّ أو يريد الفرار عن طاعتهم.

ثانياً: الآيات المباركة كقوله تعالى لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ «1» و غيرها مما سيأتي.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 124.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 29

الجهة الثانية؛ إشكال و جواب:

الإشكال: انّه لو كانت العصمة بهذا المعنى تفضّلًا من اللّٰه سبحانه و تعالى على الأنبياء و الرسل و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين، أو كان تفضّله سبحانه و تعالى دخيلًا في حصولها لهم، لما كان إعطاؤها لهم موجباً لعلوّ مرتبتهم و امتيازهم عن سائر البشر، إذ لو أُعطيت لغيرهم لكانوا مثلهم أيضاً في هذه المزية.

و لو لم تكن تفضلًا من اللّٰه سبحانه، فلما ذا اختصّت بالأنبياء و الرسل و الأئمة (عليهم السّلام)؟

الجواب: إن المرتبة العالية من الروح الإنسانية و إن كانت هذه المرتبة أمراً من الأُمور التشكيكة «1» أيضاً قد أُعطيت لهم من قبل اللّٰه سبحانه، بحيث يمتاز خلقهم و أصل نشأتهم عن خلق سائر الناس، و ذلك بعد علم اللّٰه السابق على خلقهم بأنّهم أهل لهذه المرتبة العليا، حيث كان اصطفاؤه لهم لعلمه سابقاً بأنّه لو لم يعطهم ذلك لكانوا ممتازين أيضاً عن سائر الناس مطلقاً،

أو بالإضافة إلى أهل زمانهم في الانقياد و الطاعة و البعد عن المعصية، على اختلاف درجاتهم، لهذا خصهم بهذا التفضل كما هو مقتضى الحكمة الإلهية كرامةً و لطفاً لعباده المصطفين الأخيار، و يفصح عن ذلك الاصطفاء جملة من الآيات و الروايات، كقوله سبحانه و تعالى

______________________________

(1) المراد من الأمر التشكيكي أو الأمر المشكّك هو الكلي المتفاوتة أفراده في صدق مفهومه عليها، كالبياض مثلًا، فإنّه مفهوم كلي ينطبق على بياض الثلج و بياض القرطاس و لكن بياض الثلج أشدّ من بياض القرطاس مع أنّ كليهما بياض، و يقابله الكلي المتواطئ فإنّه المتوافقة أفراده فيه كالإنسان بالنسبة إلى أفراده فإنّهم متساوون في الإنسانية و ليس هناك فرد أقوى أو أشدّ في الإنسانية من غيره، نعم ربّما يختلفون في صفات أُخرى كالطول و اللون و القوة .. و غير ذلك.

فالمرتبة العالية من الإنسانية ذات مراتب و درجات متفاوتة، فلهذا كانت أمراً مشكّكاً، فربّما ينال بعضهم الدرجة العليا منها و آخر ينال الوسطى و هكذا ..

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 30

1- إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى الْعٰالَمِينَ «1».

2- قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ وَ سَلٰامٌ عَلىٰ عِبٰادِهِ الَّذِينَ اصْطَفىٰ «2».

3- وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنٰا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيٰارِ. وَ اذْكُرْ إِسْمٰاعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيٰارِ «3».

4- وَ لَقَدِ اخْتَرْنٰاهُمْ عَلىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعٰالَمِينَ «4».

إلى غير ذلك مما يقطع على المتأمّل المنصف الطريق إلى إنكار عصمة الأنبياء و الرسل و الأئمة (عليهم السّلام) و لا يترك له سبيلًا إلى ذلك.

الجهة الثالثة؛ رأى أهل السنة في العصمة:

ذهب المخالفون إلى عدم اعتبار العصمة في الأنبياء (عليهم السّلام) اعتماداً على ما استظهروه من بعض الآيات

الشريفة، و جملة من الروايات المنقولة بطرقهم، و من تلك الآيات:

1 قوله تعالى حكاية عن آدم وَ عَصىٰ آدَمُ رَبَّهُ «5».

2 و قوله حكاية عن يونس النبي (عليه السّلام) وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ «6».

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية 33.

(2) سورة النمل: الآية 59.

(3) سورة ص: الآيتان 47 48.

(4) سورة الدخان: الآية 33.

(5) سورة طه: الآية 121.

(6) سورة الأنبياء: الآية 87.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 31

3 و قوله في قضية يوسف (عليه السّلام) مع امرأة العزيز وَ هَمَّ بِهٰا لَوْ لٰا أَنْ رَأىٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ «1».

4 أمره سبحانه و تعالى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بالاستغفار، و غير ذلك.

الجواب عنه:

و رأيهم هذا باطل، و ما استظهروه من الدلالة لا ينهض على ما ذكروه، و الجواب عن ذلك بنحو إجمالي يتوزع بحسب الآيات، فأمّا ما كان من أمر الاستغفار فنقول:

إن استغفار المؤمن لربّه يقع في مقامين:

الأول: مثل ما يحصل للمؤمن إذا طلب منه فعل شي ء يعلم بأن اللّٰه سبحانه قد حرّمه و لا يرضى بفعله و القيام به، فيقول المؤمن لمن طلب منه: أستغفر اللّٰه، أو أعوذ باللّٰه.

الثاني: أن يرتكب الفعل المطلوب منه ثمّ يندم على ما صدر منه فيقول تائباً: أستغفر اللّٰه.

و الاستغفار في المقام الأوّل يدلّ على علو مرتبة المطلوب منه و نزاهته، و منه قول يوسف (عليه السّلام) مَعٰاذَ اللّٰهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوٰايَ «2».

مضافاً إلى أنّ ما ورد من توجيه الأمر بالاستغفار إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو من قبيل (إياك أعني و اسمعي يا جارة) كما سيأتي التعرّض إلى ذلك، فلم يكن هو المراد

بذلك الطلب.

و أما ما ورد في قصة يوسف (عليه السّلام) وَ هَمَّ بِهٰا لَوْ لٰا أَنْ رَأىٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ، فيتوقف

______________________________

(1) سورة يوسف: الآية 24.

(2) سورة يوسف: الآية 23.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 32

الجواب على معرفة المراد من برهان ربّه الذي رآه، فنقول: هو يقينه (عليه السّلام) و إيمانه بربّه الذي أحسن مثواه، و هو متّصف به قبل الابتلاء بالواقعة، و لهذا قال لها مَعٰاذَ اللّٰهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوٰايَ، فليس المراد من هذه الجملة أنّه مال إلى الفعل و انقدح في نفسه ارتكابه ثمّ زال ميله إليه. و هذا نظير ما في قوله سبحانه و تعالى حكاية عن أم موسى إِنْ كٰادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لٰا أَنْ رَبَطْنٰا عَلىٰ قَلْبِهٰا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «1»، حيث إنّ الربط على قلبها كان سابقاً على ذلك فكان مانعاً عن الإبداء و الميل إليه، و نظير قوله سبحانه أيضاً وَ لَوْ لٰا أَنْ ثَبَّتْنٰاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا «2».

و أمّا حكاية النبي يونس (عليه السّلام) فنقول: إنّ الذي أعطيت له مرتبة العصمة لا يليق به أن يباشر عملًا يحبه من غير أن ينتظر فيه أمر ربه، و عند ما نطبّق ذلك على واقعة النبي يونس (عليه السّلام) نلاحظ أنّ اللّٰه سبحانه لم يأمره بالبقاء مع القوم في الوقت الموعود، و لكن خروجه لم يكن مناسباً منه، و يعبر عن ذلك بترك الأولى، و ابتلاؤه بعد الخروج و استغاثته و نداؤه في الظلمات كان تداركاً لما صدر منه، فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين، فلم يكن ذلك الابتلاء و تلك الاستغاثة بسبب صدور المعصية منه.

و أما التعبير عن ذهابه بقوله سبحانه فَظَنَّ أَنْ لَنْ

نَقْدِرَ عَلَيْهِ فهو من قبيل بيان لسان الحال و أن فعله فعل من يظن ذلك.

و أمّا قضية النهي الموجه لآدم (عليه السّلام) عن القرب من الشجرة و قوله سبحانه فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطٰانُ «3» فيمكن أن يجاب عنه بأحد وجهين:

الوجه الأوّل: إن آدم (عليه السّلام) حين توجّه النهي إليه كان مع امرأته يعيشان وحدهما في الجنة، فلم يكن نبياً و لم يكن مرسلًا لقومه بعد.

______________________________

(1) سورة القصص: الآية 10.

(2) سورة الإسراء: الآية 74.

(3) سورة البقرة: الآية 36.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 33

كما روي عن الإمام الرضا (عليه السّلام) في المجلس الحواري الذي عقده المأمون لاجتماع الإمام (عليه السّلام) بأصحاب الفكر من جميع الديانات، فأسكتهم الإمام (عليه السّلام) جميعاً، و إليك مقطع الشاهد من الرواية:

«.. فلم يقم أحد إلّا و قد ألزم حجّته كأنّه قد أُلقم حجراً، فقام إليه علي بن محمد بن الجهم، فقال له: يا بن رسول اللّٰه، أ تقول بعصمة الأنبياء؟

قال: بلى.

قال: فما تعمل في قوله اللّٰه عز و جل وَ عَصىٰ آدَمُ رَبَّهُ ..؟

فقال مولانا الرضا (عليه السّلام): و يحك يا علي! اتق اللّٰه و لا تنسب إلى أنبياء اللّٰه الفواحش، و لا تتأول كتاب اللّٰه برأيك، فإن اللّٰه عز و جل يقول وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «1»؛ أما قوله عز و جل في آدم (عليه السّلام) وَ عَصىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوىٰ، فإن اللّٰه عز و جل خلق آدم حجة في أرضه و خليفته في بلاده، لم يخلقه للجنة، و كانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر اللّٰه عز و جل، فلما أُهبط إلى الأرض و جعل حجة و

خليفة عصم بقوله عز و جل إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى الْعٰالَمِينَ ..» «2».

و لعل قائلًا يقول: إن هذا الالتزام مخالف للدليل العقلي الدال على عصمة الأنبياء (عليهم السّلام) جميعهم من أول أمرهم.

فنقول له: إن ملاك عصمة الأنبياء هو أن لا يقع الناس في الشك من أمرهم، إذ لو كان النّبي يفعل المعاصي في مبدأ أمره بمرأى و مسمع من قومه لما كان لأمره و نهيه تأثير في نفوسهم، و لحصل لهم الشك في دعوته، فتبطل الحكمة من نبوته، و هذا المحذور غير جار على آدم (عليه السّلام) في الجنة؛ لعدم الموضوع حينئذ.

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية 7.

(2) البحار: ج 11، ص 72، نقلًا عن الأمالي للصدوق.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 34

فالذي نريد أن نقوله في هذا الوجه هو: أنّ آدم (عليه السّلام) لما هبط إلى الأرض كان معصوماً و لم تصدر منه مخالفة للّٰه سبحانه و هو على ظهرها أبداً.

الوجه الثاني: إن النهي الموجه لآدم (عليه السّلام) في قوله تبارك و تعالى وَ لٰا تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ «1» نهي إرشادي «2» لا تكليف فيه، فلا يراد منه إلّا أولوية اجتناب القرب من الشجرة، و يترتّب على عدم الاجتناب الخروج من الجنّة، و ليس مفاد النهي على هذا التفسير الحرمة المولوية الشرعية المستلزمة للجزاء الأُخروي لكي يكون الإقدام على الفعل ذنباً يخلّ بالعصمة.

و أمّا التعبير ب (عصى) فالمراد من العصيان مخالفة الأمر المنطبق على الأمر الإرشادي، و لهذا يقولون: أمرت فلاناً بكذا و كذا من الخير فعصى و خالف، و الحال أن الأمر دلالة على الخير و إرشاد إليه، و لم يكن ما

أمره به واجباً تكليفياً على المأمور بحيث يستحق العقوبة على تركه.

نفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم)

اشارة

وردت عدة من الروايات دلت على وقوع النوم من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن صلاة الفجر في السفر و أنّه قضاها هو و أصحابه بعد ما طلعت عليهم الشمس و فاتهم وقت الأداء. كما أنّ هناك روايات أُخرى رويت من الطرفين الخاصة و العامة دلت على حصول السهو من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و قد تمسك بها أبناء العامة لإثبات ذلك، ما هو رأيكم الشريف في هذه المسألة؟

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 35.

(2) النهي في خطابات الشارع ربّما يكون نهياً مولوياً فيحمل حكماً بالحرمة أو بالكراهة، و يعبّر عن الثاني بالنهي التنزيهي أيضاً، و هذا النحو من النهي هو المقصود غالباً من النواهي الشرعية. و ربّما يكون النهي إرشادياً لا يحمل حكماً فيراد منه الإرشاد إلى عدم وجود المصلحة في الفعل المنهي عنه، و ربّما يدرك العقل ذلك بدون وجود النهي، فلهذا يقال عنه: إرشاد إلى حكم العقل.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 35

في هذه الروايات إشكال و إن نقل بعضها بسند معتبر، و الذي تفيده بعض القرائن و الخصوصيات أنّها وردت عن الأئمّة على نحو التقية، و بهذه الروايات و أمثالها يعرف مقدار الابتلاء الذي ابتلي به أئمتنا (عليهم السّلام)، و الظروف الصعبة التي مرت عليهم (عليهم السّلام).

و يقع البحث في مقامين:

المقام الأول: في سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

المقام الثاني: في نوم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الصلاة.

أما المقام الأول:

اشارة

فالبحث فيه من جهات:

الجهة الأولى؛ في ذكر بعض الروايات الدالة على السهو:

1 الشيخ الطوسي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي جميلة، عن زيد الشحام قال: «سألته عن رجل صلى العصر ست ركعات، أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنّه صلى خمساً أو ستاً فليعد إلى أن قال: و إن هو استيقن أنّه صلى ركعتين أو ثلاثاً ثم انصرف فتكلم فلا يعلم أنّه لم يتم الصلاة فإنّما عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها، فإن نبي اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) صلّى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف، فقال له ذو الشمالين: يا رسول اللّٰه، أحدث في الصلاة شي ء؟ فقال: أيّها الناس، أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا: نعم، لم تصل إلّا ركعتين. فأقام فأتم ما بقي من صلاته» «1».

فنسبت الرواية النسيان إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «ثم نسي حتى انصرف»، ثم بعد حصول الكلام و انتهاء الحوار القصير بين النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و من تكلم معه من أصحابه أتم

______________________________

(1) الوسائل: ج 5، الباب 3 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 17.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 36

صلاته من حيث نساها. و الرواية ضعيفة بأبي جميلة المفضل بن صالح «1».

2 بإسناده الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج، قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: صلّى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ثمّ سلّم في ركعتين، فسأله من خلفه: يا رسول اللّٰه، حدث في الصلاة شي ء؟ فقال: و ما ذلك؟ قال: إنما صليت ركعتين، فقال: أ كذلك يا ذا اليدين

«2»؟ و كان يدعى ذو الشمالين، فقال: نعم. فبنى على صلاته فأتمّ الصلاة أربعاً، إلى أن قال: و سجد سجدتين لمكان الكلام» «3». و هذه الرواية صحيحة من ناحية السند.

الجهة الثانية؛ رأي الصدوق في سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله):
اشارة

و فيه نقاط:

النقطة الأولى؛ تفصيله بين السهو في الأحكام و السهو في غيرها:

للشيخ الصدوق (قدّس سرّه) و شيخه محمد بن الحسن بن الوليد (رحمه اللّٰه) كلام حول سهو

______________________________

(1) قال عنه ابن الغضائري: المفضل بن صالح أبو جميلة الأسدي النحاس، مولاهم، ضعيف كذاب يضع الحديث. حدثنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا علي بن محمد بن الزبير قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال قال: سمعت معاوية بن حكيم يقول: سمعت أبا جميلة يقول: أنا وضعت رسالة معاوية إلى محمد بن أبي بكر. (مجمع الرجال: ج 6، ص 122). و قال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: روى عنه جماعة غمز فيهم و ضعفوا، منهم: عمرو بن شمر، و المفضل بن صالح. (راجع معجم رجال الحديث: ج 18، ص 287).

(2) كان يسمّى ذا اليدين أو ذا الشمالين لأنّ يده كانت كبيرة جدّاً و خارجة عن المتعارف.

(3) هكذا في الوسائل: ج 5، الباب 3 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 16، و باقي الرواية كما في التهذيب ج 2، ص 345، الحديث 1433. هو بعد كلمة أربعاً: «و قال: إن اللّٰه عزّ و جلّ هو الذي أنساه رحمة للأُمة، أ لا ترى لو أنّ رجلًا صنع هذا لعيّر و قيل ما تقبل صلاتك، فمن دخل عليه اليوم ذلك قال: قد سن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و صارت أُسوة، و سجد سجدتين ..». و إنّما نقلناه لما سيأتي من الإشارة إلى الرواية لاحقاً ممّا قد يوهم ورود الإشكال على ما في كلمات الأُستاذ بدون الاطلاع على باقي الرواية.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 37

النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فإن الصدوق بعد أن نقل روايات نوم النبي

(صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الصلاة في كتابه (من لا يحضره الفقيه) قال: إنّ الروايات الكثيرة و المعتبرة قد دلّت على سهو النّبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لا مناص من الالتزام بذلك لما فيها من الصحيح و الموثق، فإذا بنينا على ردها و طرحها فيجب أن نطرح سائر الأخبار أيضاً، و هذا ما يوجب إبطال الدين و الشريعة، إلّا أنّه كشيخه المذكور ذهب إلى التفصيل بين السهو في الأحكام و السهو في غيرها، فقال به في غير الأحكام استناداً إلى مثل هذه الروايات، و رده في الأحكام لورود الإشكال على القول بسهوه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيها و هو لزوم نقض الغرض.

الوجه في التفصيل: بيان الإشكال: أنّه لو قيل بسهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الأحكام لأمكن أن ينزل الوحي على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بأمر ثم يشتبه عليه و يبلغه للناس بخلاف ما أنزل إليه، و يلزم من ذلك نقض غرض المولى سبحانه و تعالى من إرسال الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لهداية البشر.

و بعبارة أُخرى: إنّ إيقاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو الإمام (عليه السّلام) في السهو خلاف الحكمة من جعل النبوة و الإمامة.

و أما إذا قيل بسهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في غير الأحكام فلا يرد هذا الإشكال، أي لا يكون السهو فيها نقضاً للغرض و لا مخالفاً للحكمة من النبوّة و الإمامة.

فالسهو إذن ممكن في غير الأحكام؛ لوجود مصلحة تقتضي أن يوقعه اللّٰه سبحانه و تعالى في السهو.

النقطة الثانية؛ في بيان المصلحة المدعاة:

و المصلحة المشار إليها

هي: أنّ الحكمة الإلهية اقتضت أن يستولي النوم على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فلم ينهض من نومه إلّا بعد طلوع الشمس و ذهاب وقت صلاة الفجر، فصلاها قضاء مع أصحابه. و وجه الحكمة أمران هما

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 38

الأول: أن يعرف الناس أن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بشر مثلهم، و أنّه ينام كما ينام الناس و يجلس كما يجلسون، و لا يرد في ذهنهم احتمال أنه الرب، تعالى اللّٰه عن ذلك فإنّه الذي لا تأخذه سنة و لا نوم.

الثاني: أن لا يعيب الناس بعضهم على بعض، فإن المؤمنين تحصل عندهم نفرة من الرجل الذي ينام عن الصلاة في وقتها حتى تفوته و يقضيها فيما بعد، و يعيبونه على ذلك و يعيّرونه به، لهذا اقتضت الحكمة الإلهية أن يستولي النوم على الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في هذه الواقعة، و هو مع أصحابه، فصلى الصبح قضاءً حتى لا تحدث سنة سيئة بين الناس، و لا ينفر المسلمون بعضهم من البعض الآخر بهذا السبب، لأن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نفسه قد أُصيب بهذه الحالة.

النقطة الثالثة؛ تفصيله بين سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و سهو سائر الناس:

و قال الصدوق أيضاً: إن السهو في النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من اللّٰه سبحانه، و أما النسيان في سائر الناس فإنّما هو من الشيطان، و استدلّ على قوله الأخير هذا بقوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطٰانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمٰا سُلْطٰانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ «1».

النقطة الرابعة؛ كلامه في ذي الشمالين:

أشار الصدوق (رحمه اللّٰه) إلى إشكال أورده الخاصة على خبر ذي الشمالين و هو: أن الراوي عن ذي الشمالين هو أبو هريرة، و ذو الشمالين قتل في وقعة بدر الواقعة في السنة الثانية للهجرة، مع أنّ أبا هريرة لم يسلم إلّا في السنة السابعة للهجرة، فلا يمكن أن ينقل عنه في زمان كفره، مضافاً إلى أنّ الرجل مجهول، فالحديث غير صحيح.

______________________________

(1) سورة النحل: الآيتان 99 100.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 39

و أجاب العامة: بأنّ ذا اليدين اسم لشخصين أحدهما الذي قتل في السنة الثانية للهجرة، و أمّا الذي يروي عنه أبو هريرة فهو رجل آخر و قد عاش إلى ما بعد حياة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و بقي إلى زمان معاوية، حتى قيل إنه قتل في صفين.

و قال الصدوق في ذلك: قال البعض و يقصد به جماعة من الطرفين: إن هذه الأخبار مردودة لكون الرجل المذكور مجهولًا و غير معروف.

فأجاب عن ذلك في كتابه (من لا يحضره الفقيه): إن من يقول بهذا الكلام كذاب، فإنّ الرجل معروف و قد روى عنه المؤالف و المخالف ..

ثم قال (رحمه اللّٰه): إن من ينكر سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هم الغلاة و المفوضة الذين قالوا: إن اللّٰه سبحانه

قد فوض الأمر إلى نبيه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام).

و من كلام الصدوق هذا يعلم مقدار ما استولى عليه من الغضب، ممّا يدل على أن المسألة كانت مثار جدل كبير في ذلك الوقت حتى إنّه أثير بما كان يصدر من كلام حولها.

و نقل عن شيخه في المقام: إن محمد بن الحسن بن الوليد يقول: إن القول بنفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مطلقاً أول درجة من درجات الغلو «1».

______________________________

(1) أرى من تمام الفائدة أن ننقل نص كلام الشيخ الصدوق كما جاء في كتابه: (من لا يحضره الفقيه: ج 1، الباب 49، في أحكام السهو في الصلاة، في ذيل الحديث 48)، فإنّه روى حديث سعيد الأعرج بهذه الصورة: «قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: إن اللّٰه تبارك و تعالى أنام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ فصلى الركعتين اللتين قبل الفجر ثمّ صلى الفجر، و أسهاه في صلاته فسلم في ركعتين ثمّ وصف ما قاله ذو الشمالين، و إنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأُمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فيقال: قد أصاب ذلك رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

قال مصنف هذا الكتاب: إنّ الغلاة و المفوضة لعنهم اللّٰه ينكرون سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و يقولون: لو جاز أن يسهو (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ، لأنّ الصلاة عليه فريضة كما أنّ التبليغ عليه فريضة. و هذا لا

يلزمنا و ذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيها ما يقع على غيره، و هو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، و ليس كل من سواه بنبي كهو، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوة و التبليغ من شرائطها، و لا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة؛ لأنّها عبادة مخصوصة و الصلاة عبادة مشتركة، و بها تثبت له العبودية و بإثبات النوم له عن خدمة ربّه عزّ و جلّ من غير إرادة له و قصد منه إليه نفي الربوبية عنه، لأن الذي لا تأخذه سنة و لا نوم هو اللّٰه الحي القيوم، و ليس سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كسهونا لأن سهوه من اللّٰه عزّ و جلّ، و إنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يتّخذ رباً معبوداً دونه و ليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، و سهونا من الشيطان و ليس للشيطان على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة صلوات اللّٰه عليهم سلطان، إنّما سلطانه على الذين يتولّونه و الذين هم به مشركون و على من تبعه من الغاوين. و يقول الدافعون لسهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنه لم يكن في الصحابة من يقال له ذو اليدين و إنّه لا أصل للرجل و لا للخبر. و كذبوا، لأنّ الرجل معروف و هو أبو محمد عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين، و قد نقل عنه المخالف و المؤالف، و قد أخرجت عنه إخباراً في كتاب وصف قتال القاسطين بصفين.

و كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد

(رحمه اللّٰه) يقول: أوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و لو جاز أن تُرد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن نرد جميع الأخبار، و في ردها إبطال الدين و الشريعة، و أنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الرد على منكريه إن شاء اللّٰه تعالى»، انتهى كلامه رفع مقامه.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 40

و ما نقله عن ابن الوليد كلام خطير جدّاً حتى إن الشيخ المفيد قد علق عليه بقوله: إن ابن الوليد مقصر في ذلك، كما أن قول الصدوق: إن القول بنفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قول الغلاة و المفوضة هو بنفسه غلو «1».

______________________________

(1) عبارة الشيخ المفيد كما نقلها صاحب البحار: ج 17، «و قال الشيخ المفيد نوّر اللّٰه ضريحه فيما وصل إلينا من شرحه على عقائد الصدوق (رضى اللّٰه عنه): فأمّا نص أبي جعفر (رحمه اللّٰه) بالغلو على من نسب مشايخ القميين و علمائهم إلى التقصير، فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس إذن، و في جملة المشار إليهم بالشيخوخة و العلم من كان مقصراً، و إنّما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحقّقين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قم أو غيرها من البلاد، و سائر الناس. و قد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد (رحمه اللّٰه) لم نجد لها دافعاً في التقصير، و هي ما حكي عنه أنه قال: أوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام)، فإنّ صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر، مع أنّه من علماء القميين و مشيختهم».

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 41

كما علق (رحمه اللّٰه) على كلمة الصدوق في النقطة الثالثة بقوله: رحم اللّٰه الصدوق، فإن مؤدى كلامه هو أنّ جميع البشر أتباع الشيطان، و إنّا كلّنا نصلي و نصوم، فهل إذا سهونا نكون أتباعاً للشيطان؟! «1».

الجهة الثالثة؛ مناقشة الصدوق في رأيه:

اعتمد الشيخ الصدوق في هذا الرأي على شيخه المذكور، و الملاحظ أنّ الشيخ الصدوق متأثر بأستاذه هذا كثيراً، و هو لشدة اعتماده عليه يقول في غير هذا المورد: إن كل من وثقه محمد بن الحسن بن الوليد فهو ثقة عندي، و كل من ضعفه فهو ضعيف.

و ما صدر عن هذين العظيمين غير صحيح، و الدليل على ذلك أُمور ستأتي تباعاً إن شاء اللّٰه تعالى، و الجواب عما ذكره في كلامه ينحل إلى النقاط المذكورة سابقاً، أمّا الجهة الأولى فنقول فيها:

إن الروايات التي استند إليها الصدوق ليست واقعة موقع القبول، و الذي يرشد إلى ذلك أُمور:

الأمر الأول: أنّ في هذه الروايات نفسها قرينة على عدم اعتبارها، و القرينة هي: أنّها بينت أنّ الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد أتمّ صلاته من حيث قطعها بعد صدور الكلام العمدي منه، مع أنّ الكلام العمدي مبطل للصلاة بلا ريب.

و أجاب بعضهم عن ذلك: بأن الكلام الصادر منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سهوي أيضاً؛ إذ إنّه كان

______________________________

(1) راجع عبارته في البحار: ج 17، ص 128، في ضمن رسالة ردّ بها على الشيخ الصدوق.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 42

على يقين من نفسه بأنّه لم يكن

في حال الصلاة، فوقوع الكلام في أثنائها لم يكن عن قصد فهو سهوي، و الكلام السهوي لا يحتاج إلّا إلى سجدتي السهو.

و هذا الجواب غير صحيح، و على فرض صحته فإنّه لا يتأتى بالنسبة إلى الركعة الزائدة كما ورد في بعض الروايات من أنه صلى خمساً «1»، فإنّ زيادة الركعة في الصلاة مبطلة لها و لو سهواً.

و وجه عدم الصحة هو: معارضته لما في بعض الروايات؛ فإنّه لما سئل الإمام (عليه السّلام) فيها عمّن تكلم في الصلاة أجاب بلزوم الإعادة عليه.

و قد سئل الإمام (عليه السّلام) في هذه الروايات عن سر عدم إعادة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لصلاته، فأجاب بأن الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يبرح مكانه. و لا يخفى أنّ في هذا ردا للأخبار الّتي فيها أنّ من قام من مكانه و لو بلغ الصين ثمّ رجع يتم صلاته، و سيأتي التعرض إليها و بيان أنّها محمولة على التقية، فانتظر.

كما أنّ الروايات التي ذكرت أن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يستقبل صلاته لأنّه لم يبرح مكانه محمولة على التقية أيضاً كما حملها على ذلك الشيخ الطوسي، حيث إنّه لا يرى سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مطلقاً لا في الأحكام و لا في غيرها، و بيانه على ذلك هو: أنّ الناس حينما يرون وقوع السهو من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا يرون لقوله اعتباراً، و إذا حدثهم بحديث عن جبرئيل (عليه السّلام) احتملوا وقوع الاشتباه منه في ذلك و عدم نزول الوحي

______________________________

(1) محمد بن الحسن بإسناده عن سعد، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن

علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (عليه السّلام) قال: «صلى بنا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم: يا رسول اللّٰه، هل زيد في الصلاة شي ء؟ قال: و ما ذاك؟ قال: صليت بنا خمس ركعات. قال: فاستقبل القبلة و كبر و هو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة و لا ركوع ثمّ سجد، و كان يقول هما المرغمتان. قال الشيخ: هذا شاذ لا يعمل عليه لأنّ من زاد في الصلاة يجب عليه الاستئناف ..». (الوسائل: ج 5، الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 9).

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 43

عليه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيبطل أصل النبوة و ينهد أساس الوحي و يندك بنيان الدين، و ينفتح الباب لمن لا يؤمن بنبوة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لإبعاد الناس عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و يرى عوام الناس أن لأُولئك العذر في قولهم: إنّه شاعر أو مجنون ..!

و لكن الملاحظ أنّ محاولة أُولئك باءت بالفشل، و رأى الناس خلاف ما نسبوه إليه و أقرّت عقولهم بصدق النبوة و تمامية الحجّة في قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ «1».

و على هذا الأساس ذهب الشيخ الطوسي و السيد المرتضى و الشيخ المفيد إلى ضعف كلام الصدوق، و هؤلاء الأجلاء داخلون بحسب كلام الصدوق المتقدم في جملة الغلاة و المفوضة، و كذلك كبار القميين من أمثال

محمد بن عيسى، و أحمد بن محمد بن خالد و غيرهما ..

الأمر الثاني: أنّ الأخبار التي تضمنت سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مبتلاة بالمعارض، فإن في موثقة زرارة ما ينفي أن الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سجد سجدة سهو في حياته قط:

فقد روى الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّٰه بن بكير، عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام): هل سجد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سجدتي السهو قط؟ قال: لا، و لا يسجدهما فقيه» «2».

و الرواية موثقة بعبد اللّٰه بن بكير، و كلنا يعلم مقام زرارة من الإمام (عليه السّلام) فإنّه ممّن يلقي إليه بسره، و قد سأل الإمام (عليه السّلام) عن سجود النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سجدتي السهو و هو الأمر الذي يقول به العامة، فأجاب (عليه السّلام) بالنفي، و أضاف إلى ذلك قوله «لا يسجدهما فقيه»،

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 23.

(2) الوسائل: ج 5، الباب 3 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 13.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 44

و المراد من الفقيه هنا هو الإمام (عليه السّلام) فإنّه الفقيه المطلق.

و عند حصول التعارض بين طائفتين من الروايات تجري قواعد باب التعارض، و المقرر في مذهبنا في حالة التعارض بين روايتين إحداهما توافق مذهب العامّة و الأُخرى تخالفه هو الأخذ بالرواية المخالفة لقول العامة و طرح الرواية الموافقة لهم، و لا يلزم من طرح تلك الروايات لموافقتها للعامة الخروج عن الدين و لا أي إشكال آخر.

و قال الشيخ بعد أن نقل هذه الرواية:

«الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر» «1».

فإن قال قائل للشيخ: لماذا نقلت روايات السهو و أنت تنفيه عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟

يقال له: إنّ تلك الروايات تضمّنت حكم الكلام السهوي في الصلاة، الذي لا يصدر من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لا الإمام (عليه السّلام)، فيستفاد منها عدم بطلان صلاة من تكلم كلاماً سهوياً و أن عليه إتمام صلاته.

و نحن نقول للشيخ: إنّ هذه الروايات محمولة على التقية؛ لأن فيها: «من قام من مقامه»، بل في بعضها «لو ذهب إلى الصين ثم تذكّر أنّه لم يكمل صلاته وجب عليه الإتمام». و هذا مسلك العامة، فتحمل هذه الروايات على التقية و لا تدل على وقوع السهو من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

مضافاً إلى أنّ الكلام العمدي مبطل للصلاة كما أشرنا إليه سابقاً.

نعم هناك رواية فيها: «فَلِم رسول اللّٰه لم يستقبل صلاته و إنّما أتم ما بقي؟ فقال (عليه السّلام): لأنّه لم يبرح من مكانه و لو برح لأتم ما نقص» «2».

______________________________

(1) عبارة الشيخ في التهذيب: ج 2، ص 351، «قال محمد بن الحسن: الذي أفتي به ما تضمّنه هذا الخبر. فأما الأخبار التي قدمناها من أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سها فسجد فإنّها موافقة للعامة، و إنما ذكرناها لأنّ ما تضمّنته من الأحكام معمول بها على ما بيّناه».

(2) الوسائل: ج 5، الباب 3 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 7 و 10.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 45

و أما الروايات التي أشرنا إليها فمنها:

1 صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل صلّى بالكوفة

ركعتين ثمّ ذكر و هو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين، قال: يصلي ركعتين» «2».

و المراد من الركعتين اللتين يأتي بهما هما الأخيرتان اللتان تتم بهما الصلاة؛ و القضية المروية عن الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كانت في صلاة الظهر أو صلاة العشاء كما قال بعض نقلًا عن العامة «3».

2 موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «و الرجل يذكر بعد ما قام و تكلم و مضى في حوائجه أنه إنّما صلى ركعتين في الظهر و العصر و العتمة و المغرب، قال: يبني على صلاته فيتمها و لو بلغ الصين و لا يعيد الصلاة» «1».

فالصحيح هو ما رواه الشيخ بالسند الموثق من أن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يسجد سجدتي السهو قط و لا يسجدهما فقيه.

و على هذا الأساس فجميع هذه الروايات محمولة على التقية كما ذهب إليه الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)، و لذلك كان الإمام الصادق (عليه السّلام) يقول: «إنّي لا أقدر أن أخالف ابن أبي ليلى»! فالأئمة (عليهم السّلام) كانوا في حال تقيّة فلم يقدروا على المخالفة، فنقلوا الرواية عن الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تقية، و لكن أصحاب البصيرة يعرفون ذلك فيميزون بين الروايات الواردة عنهم (عليهم السّلام) بنحو التقية و بين غيرها، فالرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) لا يسهون و لا يشتبهون.

______________________________

(2) الوسائل: ج 5، الباب 3 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 19.

(3) قال صاحب البحار: ج 17، ص 114: ففي أكثر أخبارنا أنّها كانت صلاة الظهر، و في أكثر أخبارهم أنّها كانت صلاة العصر.

(1) الوسائل:

ج 5، الباب 3 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 20.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 46

الأمر الثالث: ذكر علماؤنا (قدست أسرارهم) كما فصله المجلسي في البحار «1»: أنّ روايات اعتراض ذي الشمالين على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بقوله: «أحدث في الصلاة شي ء»؟ مضطربة المتون، و قد نقلت بعدة صور، فنقل أن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) صلّى خمس ركعات، و في مورد آخر أنّه صلّى ركعتين، و في ثالث ثلاث ركعات، و نقل العامة أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد نفى ذلك حينما سئل: «أنسيت أم قصرت الصلاة»؟ فقال: «إن كل ذلك لم يكن». أي أنّه صلّى صلاة تامة صحيحة، فقال له: بل غيرت في الصلاة، و على بعض الروايات الأُولى و الثانية أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سأل بعد ذلك القوم فصدقوا ذا الشمالين، و بعد هذا الحوار قام الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أتى بباقي الصلاة، ركعة أو ركعتين، و لهذا رأى علماؤهم أن لا محيص من القول بعدم بطلان الصلاة بالكلام العمدي، كما أنّه لهذه الجهة قال أئمتنا (عليهم السّلام): حتى لو ذهب المصلي إلى الصين ثمّ رجع إلى مكانه يتم ما نقص من صلاته، و ليست جميع الأخبار بهذا النحو، و على كل حال فهذا الاضطراب الحاصل في الخبر يسقطه عن الاعتبار.

الأمر الرابع: إن ذا اليدين شخص مجهول الحال، و مقدار ما يعرف عنه من حياته أنّه رجل استشهد في غزوة بدر، فلا يركن إلى الرواية.

قالوا: إنّ هناك رجلًا آخر اسمه ذو اليدين أيضاً و هو راوي الحديث.

قلنا:

إن ذا اليدين المقتول في بدر يعرف بذي الشمالين و هو صاحب الواقعة في الحديث، و قد أشار الإمام (عليه السّلام) في صحيحة الأعرج المتقدمة إلى أن ذا اليدين يدعى ذا الشمالين، فذو اليدين الأوّل هو الذي يدعى ذا الشمالين و هو الذي قُتل في بدر و هو الذي سأله الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هذا يعني أن ذا اليدين الأوّل المذكور في الحديث لا ربط له بذي اليدين الثاني، فإنّ الثاني لا يسمى بذي الشمالين، فالإمام (عليه السّلام)

______________________________

(1) بحار الأنوار: ج 17، ص 114.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 47

بيّن بطلان هذه القضية بهذا البيان؛ أي إنّ أبا هريرة راوي الحديث لم يلتق بذي اليدين المروي عنه حتى ينقل عنه، فإنّه أسلم في السنة السابعة من الهجرة، و مات ذو الشمالين في السنة الثانية كما قدّمنا، مضافاً إلى كون ذي اليدين مجهول الحال «1».

قالوا: لا عيب في ذلك، فإن أبا هريرة كان كافراً حين وقوع الحدث ثمّ أسلم، فروى الواقعة أبو هريرة عنه بواسطة أحد الصحابة بأن ذا الشمالين قال كذا و كذا ..

و لكن هذا الجواب غير منسجم مع ما في متن الرواية المنقولة عن أبي هريرة، فإنّ فيها: «عن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين سماها أبو هريرة و لكن نسيت فصلّى بنا ركعتين ثمّ سلم ..» «2».

و أمّا دعوى الصدوق (رحمه اللّٰه) بأن ذا اليدين رجل معروف و قد روى عنه المؤالف و المخالف .. إلى آخر كلامه، فقد أجيب عنها: بأنّه لم يرو عنه أحد من أصحابنا أبداً، و

لم يذكر في كتبنا الرجالية أصلًا، و لم يصنّف عندهم في الرواة، و أنّ هذه الرواية التي تعرضت لذكره إنما رويت من طرقنا عن الأئمة (عليهم السّلام) بنحو التقية. بل قيل و العهدة على الناقل فإنّي لم أفحص عنه في كتب العامة: إن هذا الرجل غير موجود حتى في تراجم رجال العامة «3»، و لم توجد رواية كان هو الراوي لها، فكيف يقول الصدوق

______________________________

(1) ربما يقال: بأنّ جهالة ذي الشمالين غير مضرة في قبول الحديث؛ لأنّه لم يكن راوياً للحديث و إنما نقل عنه ما قاله للرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

فيقال: إن ضرر الجهالة هنا ليس من جهة كونه راوياً أو غير رأو، بل من حيث إنّه الرجل الوحيد الذي ردَّ على الرسول و في المسجد كبار الصحابة و الهاشميين، ممّا يوحي إلى أنّه الملتفت في ذلك الجمع لا غيره مع احتمال أنّه أحد الأعراب.

(2) البخاري: الحديث رقم 460، كتاب الصلاة.

(3) أمّا الروايات فقد بحثتُ في كتبهم التسعة في الحديث المعتبرة عندهم بواسطة الكمبيوتر فلم أر رواية عنه بهذا العنوان غير هذه الرواية التي نقل فيها أبو هريرة كلامه مع الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و أما كتبهم الرجالية فقد وقفت على ذكره في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة: ج 1، ص 422؛ و ج 3، ص 33، أمّا ما في الأوّل فهو: «الخرباق السلمي ثبت ذكره في صحيح مسلم من حديث عمران بن حسين أنّ رسول اللّٰه سلم عن ثلاث ركعات ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يقال له الخرباق، و روى العقيلي في الضعفاء و الطبراني من طريق سعيد بن بشير فذكر حديث السهو، قال ابن

حبان: هو غير ذي اليدين، و قيل هو هو».

و أمّا ما في الجزء الثالث فهو: «6041، عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو الخزرجي .. كذا نسبه ابن الكلبي، و أبو عمر إلى نضلة بن عمرو فقال: ابن غسان بن سليمان بن مالك بن أفصى، قال ابن إسحاق: كان يعمل بيديه جميعاً فقيل له ذو اليدين و شهد بدراً و استشهد بها، و قال أبو عمر: قتل بأحد و زعم أنّه ذو اليدين و ليس بذي الشمالين المقتول ببدر، و جزم ابن حبان بأنّه ذو اليدين و غيره بأنّه ذو الشمالين». و يمكن أن يوجد ذكره في غير هذا الكتاب إلّا أنّني اكتفيت بذلك.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 48

عنه: روى عنه المؤالف و المخالف؟! و بهذا يندفع ما ذكره في النقطة الرابعة من كلامه.

و أمّا ما ذكره في النقطة الثانية من كلامه أعني المصلحة المزعومة، أي أن نوم الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إنّما هو من أجل أن يعلم الناس بأنّه كان ينام و أن الذي لا تأخذه سنة و لا نوم هو اللّٰه عز و جل فيرد عليه: أن اللّٰه سبحانه أمر نبيه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن يقوم في الليل من نومه فقال قُمِ اللَّيْلَ إِلّٰا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنّٰا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. إِنَّ نٰاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا «1»، فالناس يعلمون بذلك سابقاً و لاحقاً فلا حاجة لتعليمهم بهذه الطريقة «2».

و أمّا قوله بأنّ الحكمة اقتضت ذلك، فرواية سعيد الأعرج برواية الكليني

______________________________

(1) سورة المزمل: الآيات 2 6.

(2) كما أنّ هناك آيات صرّحت بأنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بشر رسول، قال تعالى قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ .. (سورة الكهف: الآية 110)، و قال تعالى: .. قُلْ سُبْحٰانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلّٰا بَشَراً رَسُولًا. (سورة الإسراء: الآية 93).

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 49

و الشيخ لا يوجد فيها كلمة النوم، بل ذكر فيها السهو و أنّه من أجل أن لا يعيب بعضهم على بعض، و من المطمئن به أنّ هذه الزيادة إنما هي من كلام الصدوق و أنّه هو الذي ذكرها في الفقيه، فحقّ السهو عليه لا على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

الجهة الرابعة؛ ذكر بعض أدلة العامة على سهو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله):

استدل بعض العامة على وقوع السهو من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): بأنّ اللّٰه سبحانه أمر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعدم القعود مع الظالمين إذا نسي ثمّ تذكر بقوله تبارك و تعالى وَ إِمّٰا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطٰانُ فَلٰا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ «1»، بعد قوله تعالى وَ إِذٰا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّٰى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ «2».

و للجواب عن هذه الشبهة نذكر أوّلًا هذا التنبيه:

إنّ كلمة النسيان الواردة في القرآن و في الاستعمالات البلاغية تأتي بمعاني، منها:

1 ذهاب الفكرة من ذهن الإنسان بعد إدراكها.

2 الغفلة عن أصل الأمر.

3 النسيان العملي، بمعنى الترك، أي ترك الشي ء عملًا فكأنّما هو ناس له. و يستعمل هذا المعنى في القرآن و في غيره من الاستعمالات العربية كثيراً، قال اللّٰه تعالى في حق أهل النار الْيَوْمَ نَنْسٰاكُمْ «3»، أي نترككم، إذ لا

يعقل في حق اللّٰه سبحانه و تعالى النسيان بمعنى الغياب عنه.

و المراد من النسيان في الآية هو المعنى الثالث، إذ النسيان الحاصل من

______________________________

(1) سورة الأنعام: الآية 68.

(2) ينقل هذا القول عن الجبائي، راجع البحار: ج 17، ص 98.

(3) سورة الجاثية: الآية 34.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 50

الشيطان هو الترك لا الغفلة و لا إذهاب الفكرة. و بعد اتضاح هذا نقول في الجواب عن الاستدلال: إنّ النسيان في الآية المباركة لم يصدر من الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فلم يكن الغرض من خطابه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بذلك هو توجيه التكليف إليه، بل المراد من الخطاب هو جعل التكليف لسائر المؤمنين؛ و ذلك لأن الخطابات القرآنية كما ذكر أهل البلاغة و أصحاب التفسير نزلت على نحو «إياك أعني و اسمعي يا جارة» «1»، نظير ما إذا أراد الأب أن ينهى أولاده عن فعل شي ء قبيح فيوجه الخطاب إلى ولده الأكبر و هو يعلم أنّه لا يفعله فيرتدع الباقون، و هذا الأُسلوب في الخطاب من روائع الكلام و لطف الحديث، فإنّ توجيه النهي لأقرب الناس من المتكلم مع ثقته به و اطمئنانه بعدم قيامه بالفعل المنهي عنه موجب لردع الآخرين و زجرهم بنحو أقوى من اختصاص الخطاب بغيره و توجيهه إلى الآخر المقصود بالنهي، و المسوغ لهذا اللون من الخطاب مع علم المتكلم بعدم عصيان المخاطب هو وجود ملاك النهي فيه، أعني القدرة على المخالفة و العصيان، و إلّا كان الخطاب لغواً. و كذلك الأمر في الخطابات القرآنية و منها الآية الكريمة المذكورة، فإنّ المصحح لها مع علمه تبارك و تعالى بعصمة النبي (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) و نزاهته هو وجود ملاك النهي فيه، و هو قدرته على المخالفة و المعصية، إذ العصمة لا تسلب المعصوم قدرته على المخالفة كما قدمنا الكلام فيها؛ فاللّٰه سبحانه و تعالى يوجّه الخطاب إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعدم الجلوس في المكان الذي يساء فيه إلى القرآن و الدين حتى يعلم الناس بعدم جواز الجلوس في مثل ذلك المكان و أنّ هذا الحكم موجّه للجميع من دون أن يراد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بقوله تعالى وَ إِمّٰا يُنْسِيَنَّكَ «2».

______________________________

(1) مروي عن ابن عباس.

(2) و هناك آيات كثيرة بهذا النحو منها:

- وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوٰاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جٰاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مٰا لَكَ مِنَ اللّٰهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لٰا نَصِيرٍ. (سورة البقرة: الآية 120).

- وَ لٰا تَجْعَلْ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فَتُلْقىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً. (سورة الإسراء: الآية 39).

- يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّٰهَ وَ لٰا تُطِعِ الْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ. (سورة الأحزاب: الآية 1).

- لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ. (سورة الزمر: الآية 65).

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 51

و عليه، فلا دلالة في هذه الآية على تحقق النسيان من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

المقام الثاني: في نوم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) عن الصلاة:

استثنى بعض أصحابنا نوم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قالوا بإمكان النوم عليه عن الصلاة لمصلحة ما، لأن النوم غير السهو، و أمّا ما هي المصلحة فلا يعلمها إلّا اللّٰه، و أمّا نحن فقاصرون عن معرفة ذلك، فيمكن أن تكون المصلحة هي أن يعلم الناس بحكم القضاء و أن يجوز الإتيان بالنافلة قبل الفريضة مع فوتهما كما في صحيحة

زرارة «1».

و لكن هذا المعنى من النوم الذي احتملوه لا يجتمع مع ما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان؛ لأن فيها كما رواه حتى العامة قول الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند ما طلعت

______________________________

(1) و هي التي رواها في الوسائل: ج 3، ص 207، الباب 61 من أبواب المواقيت، الحديث 6، و هي: و روى الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (عليه السّلام): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه فقبلوا ذلك مني، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السّلام) فحدثني أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا. فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس، فقال: يا بلال، ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللّٰه، أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم. فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة. و قال: يا بلال، أذّن. فأذّن، فصلّى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ركعتي الفجر و أمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلى بهم الصبح، ثمّ قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإن اللّٰه عز و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِذِكْرِي قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه فقال: نقضت حديثك الأوّل. فقدمت على أبي جعفر (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة، إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان

جميعاً و أنّ ذلك كان قضاء من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 52

الشمس عليهم: «نمتم بوادي الشيطان». و الرواية هي:

محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «سمعته يقول: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس، ثمّ استيقظ فعاد ناديه ساعة و ركع ركعتين ثمّ صلّى الصبح و قال: يا بلال، ما لك؟ فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللّٰه. قال: و كره المقام و قال: نمتم بوادي الشيطان» «1».

فإن معنى هذا هو أنّ النوم الذي حصل للرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مثل أي نوم يحصل لسائر الناس، و أنّه من الشيطان، و هو ممتنع على الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لأنّه نوم يقتضي حصول الغفلة عند الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و قد ورد في الروايات ذكر النوم الحاصل من الشيطان، فإن فيها: يأتي الملك «2» و يوقظ النائم إلى صلاة الصبح، فإذا لم يقم و نام يأتي الملك ثانية، و إذا لم يقم و نام مرة أُخرى يأتي الشيطان إليه فيلهيه عن القيام و يحسن له المنام حتى تطلع عليه الشمس و يفوته أداء الصلاة في وقتها. و قال الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها: «نمتم بوادي الشيطان». و هذا لا يجتمع مع ما ذكره اللّٰه تعالى في كتابه المنزل إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطٰانٌ عَلَى

الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمٰا سُلْطٰانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ «3». فنحن نعلم بأنّ الشيطان لا يمكنه أن يؤثّر

______________________________

(1) الوسائل: ج 3، ص 206، الباب 61، الحديث 10.

(2) جاء في البحار: ج 87، «المحاسن، عن أبيه، عن صفوان، عن خضر أبي هاشم، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ لليل شيطاناً يقال له الزهاء، فإذا استيقظ العبد و أراد القيام إلى الصلاة قال له: ليست ساعتك، ثمّ يستيقظ مرّة أُخرى، فيقول: لم يأن لك. فما يزال كذلك يزيله و يحبسه حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر بال في أذنه، ثمّ انصاع يمصع بذنبه فخراً و يصيح ..».

(3) سورة النحل: الآيتان 99 100.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 53

على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حتى في وقت النوم، و لهذا كان نوم النبي حجة شرعية، بل بعض ما يراه في نومه وحي منزل «1»، كما في قضية إبراهيم (عليه السّلام) عند ما قال لابنه إسماعيل (عليه السّلام) يٰا بُنَيَّ إِنِّي أَرىٰ فِي الْمَنٰامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مٰا ذٰا تَرىٰ، فأجابه ابنه و هو يعلم بأن ما رآه أبوه (عليه السّلام) إنّما هو رؤيا منام يٰا أَبَتِ افْعَلْ مٰا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰابِرِينَ «2». و هكذا موارد من رؤيا النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام)، كرؤيا الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) القردة الذين ينزون على منبره، و المراد بهم ملوك بني أُمية الذين سيأتون من بعده بسنين «3»، و كرؤيا سيد الشهداء (عليه السّلام) جده (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) عند وداعه الأخير من المدينة أو ليلة

______________________________

(1) و قد ورد في تفسير قوله تعالى وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلّٰا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا .. (سورة الشورى: الآية 51)، أنّ المراد من (وحياً) الرؤيا في المنام.

و في البحار: ج 11، ص 41 عن الكافي أيضاً: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار قال: كتب الحسن بن العباس المعروف إلى الرضا (عليه السّلام): جعلت فداك، أخبرني ما الفرق بين الرسول و النّبي و الإمام؟ قال: فكتب أو قال: الفرق بين الرسول و النّبي و الإمام أنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه و يسمع كلامه و ينزل عليه الوحي و ربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (عليه السّلام)، و النّبي ربّما يسمع الكلام و ربّما رأى الشخص و لم يسمع، و الإمام هو الذي يسمع الكلام و لا يرى الشخص.

(2) سورة الصافات: الآية 102.

(3) ورد في البحار: ج 28، ص 77، عن الكافي: العدة، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسين، عن محمد الوليد و محمد بن أحمد، عن يونس بن يعقوب، عن علي بن عيسى القماط، عن عمه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «رأى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده و يضلون الناس عن الصراط القهقرى، فأصبح كئيباً حزيناً. قال: فهبط جبرئيل (عليه السّلام) فقال: يا رسول اللّٰه، ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى. فقال: و الذي بعثك

بالحق نبياً إن هذا شي ء ما اطلعت عليه، فعرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنٰاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جٰاءَهُمْ مٰا كٰانُوا يُوعَدُونَ مٰا أَغْنىٰ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يُمَتَّعُونَ و أنزل عليه إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ جعل اللّٰه عزّ و جلّ ليلة القدر لنبيه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية.

و جاء في البحار: ج 9، ص 119 عند الكلام حول قوله تعالى وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنٰاكَ إِلّٰا فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ .. (سورة الإسراء: الآية 60): «.. و فيه أقوال ثالثها: إن ذلك رؤيا رآها النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في منامه أن قروداً تصعد منبره و تنزل، فساءه ذلك و اغتم به، و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) ..».

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 54

عاشوراء، و أمثال هذه ..

فالغفلة و إلقاء الشيطان في قلب النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) غير ممكن حتى في حال النوم، هذا هو اعتقادنا، و هذه الرواية منافية له؛ لأن في ذيلها «نمتم بوادي الشيطان». و بما أنّ هذا الخبر مما روته العامة فهو غير مسموع عندنا، بل نقول: إن نوم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الصلاة حتى و لو لم يحصل منه أدنى ضرر فهو غير مقبول عندنا؛ لأن عامة الناس لا يفهمون أنّ هذا النوم رحماني لا شيطاني فيقل اعتقادهم فيه (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم)، و تؤدي نتيجة ذلك عكس المطلوب لما يثيره هذا الأمر من حالة التنفير منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

فاعتقادنا هو أن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) و سائر الأنبياء (عليهم السّلام) معصومون عن السهو و الاشتباه و نوم الغفلة، فإن وقوعها منهم يستلزم نقض الغرض و خلاف الحكمة، و به ينفتح الباب إمام أصحاب الحجج الواهية الذين يصطادون في الماء العكر و سيقولون: إنّ هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبي يسهو في أكله و شربه، و في يقظته و نومه و .. فكيف لا يسهو في التبليغ و ما ينزل عليه من وحي اللّٰه و آياته؟! و هكذا .. و هذا خلاف الحكمة من جعل النبوة و الإمامة.

منشأ وضع هذه الروايات: و هنا شي ء يخطر في الذهن توجيهاً لوضع هذه الروايات الضعيفة الباطلة حتى على مذهبهم، و هو أنّهم يريدون أن يُدخلوا في أفكار الناس و أذهانهم أن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يمكن عليه السهو و الاشتباه، تمهيداً لرفع ما حصل عند وفاة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من إساءة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 55

أدب إليه في محضره الشريف، و ذلك حينما طلب من أصحابه الجالسين الدواة و الكتف ليكتب لهم كتاباً لا يضلّون بعده أبداً، فقال قائلهم: «إن الرجل ليهجر»! فلم يعقب الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) على ذلك بشي ء غير أنّه أمرهم بالانصراف عنه و القيام من مجلسه. و لو كتب الكتاب الذي أراد أن يكتبه لما كان لكتابته اعتبار عندهم، و لقالوا: إنّما كتبه

اشتباهاً أو سهواً أو أنّه لم يكن في حال الاختيار و ما شاكل ذلك من الأعذار، و حتى يرفعوا قبح هذا الجواب الذي أجابوا به الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من ذهن الناس جاؤوا بهذه الأحاديث لتدلّ على إمكان حصول الاشتباه و الغفلة في حقّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و أن قول القائل كان في موضعه! جواب على سؤال: قام البرهان القطعي على أنّ ما يراد من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو أن يحصّل اليقين للناس، خصوصاً و أن نبينا (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم تكن معجزته كمعجزة النبي موسى و عيسى (عليهما السّلام)، و إنّما كانت معجزته البيان وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «1»، فيجب في نبي مثل هذا أن لا يكون هناك أي منفذ للدخول منه إليه من أجل إيقاعه في الوسوسة و الاشتباه، و لهذا أكد اللّٰه سبحانه و تعالى ذلك بقوله وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ. إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ «2».

جواب على سؤال حول عصمة الأنبياء: عندنا أدلة قاطعة على عصمة الأنبياء، و من قرأ الأُصول حق قراءتها يعرف تمامية ما نقول، فقد ذكر في مبحث المشتق بحث حول هذه الآية

______________________________

(1) سورة النحل: الآية 125.

(2) سورة النجم: الآيتان 3 4.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 56

لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ «1» و أنّها حجّة قاطعة على ذلك و هي ناظرة إلى هذا المورد.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 124. توضيح الفكرة: أنّ النبي إبراهيم (عليه السّلام) حينما ابتلاه اللّٰه بالكلمات فأتمّهن جعله اللّٰه إماماً وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قٰالَ إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً،

فسأل اللّٰه عزّ و جلّ قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ، فمنصب الإمامة المعبّر عنه في الآية بالعهد المضاف إلى اللّٰه سبحانه منصب لا يستحقه الظالم و لا يعطى له، و العاصي ظالم فلا يعطى إيّاه. و بهذا ينتج أنّ كل من أُعطي هذا المنصب فليس بعاص، و بمناسبة الحكم للموضوع يستفاد أنّ من صدر منه الظلم و لو آناً ما في فترة من فترات حياته لا يكون إماماً، فالإمام هو الذي لم يصدر منه ذنب أصلًا، و هذا هو معنى العصمة.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 57

رسالة مختصرة في لبس السواد

اشارة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 59

[المدخل]

الحمد للّٰه رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه نبيّنا محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين، و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

و بعد فهذه الأوراق حصيلة محاضرة سماحة المرجع الديني آية اللّٰه المعظم الشيخ الميرزا جواد التبريزي دام ظله الوارف على رؤوس المسلمين، في ضمن محاضراته الفقهية التي يلقيها على ثلة من طلاب العلوم الإسلامية، و قد بيّن فيها حكم لبس السواد في الصلاة، و في سائر الأوقات، الأمر الذي يقوم به أهل الحداد و الحزن.

و نظراً إلى أنّ المسألة من المسائل الحساسة و لا سيما في هذا العصر، حيث يلبس السواد في أيام عاشوراء و وفيات الأئمة (عليهم السّلام) جمع غفير من المؤمنين الموالين لأهل البيت (عليهم السّلام) فيصابون من قبل أعدائهم بوابل من التهم و الافتراءات مما قد يؤثر على بعض النفوس الضعيفة، أكّد سماحته أهمية هذا اللبس في هذه الأيام، و أنّها شعيرة من الشعائر التي ينبغي المواظبة عليها و الاهتمام بها، لتكون معلماً من معالم الولاء لأهل البيت (عليهم السّلام)، فإن شيعتهم يفرحون لفرحهم و يحزنون لحزنهم.

ثمّ إن في لبس هذا الشعار إظهاراً لمظلومية أهل البيت (عليهم السّلام) و استنكاراً على ما أصابهم من أنواع البلاء و المحن، يكون منبهاً للآخرين فيدفعهم لقراءة سيرتهم و سيرة حكّام زمانهم فيعرفون الفرق الكبير بين السيرتين، بين الحق و الباطل، بين الإسلام

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 60

المتجسد قولًا و عملًا فيهم (عليهم السّلام)، و بين الكفر المتجسد في غيرهم. و نظراً لأهمية مثل هذا الموضوع اقترح عليّ أن أفرغها في قالب عربي فوفقنا

اللّٰه لذلك.

نسأل اللّٰه سبحانه و تعالى أن يوفقنا لما فيه الخير و الصلاح و أن يمدّ في عمر شيخنا التبريزي و يبقيه عماداً من أعمدة العلم و حصناً للمذهب الحق.

[كلام صاحب العروة]

قال صاحب العروة (قدّس سرّه): «فصل فيما يكره من اللباس حال الصلاة، أُمور: أحدها الثوب الأسود حتى للنساء، عدا الخف و العمامة و الكساء، و منه العباء، و المشبع منه أشد كراهة».

و قبل الدخول في صلب البحث ينبغي التعرض لمقدمة تشتمل على أُمور:

الأمر الأول:

قد قرر في علم الأُصول أن الأمر إذا تعلق بالطبيعي، ثمّ تعلق نهي تنزيهي ببعض أفراد ذلك الطبيعي فلا يراد من هذا النهي المعنى المصطلح، أعني الكراهة المصطلحة، بمعنى ما يثاب على تركه و لا يعاقب على فعله، بل هو إرشاد إلى وجود منقصة في هذا الفرد بخصوصه، و يعبّر عنه في لسان العلماء بالإرشاد إلى كونه أقل الأفراد ثواباً.

و لا فرق في الأمر المتعلق بالطبيعي بين كونه إلزامياً أو استحبابياً.

إذا اتّضح هذا فليس الكراهة في محل البحث هي الكراهة المصطلحة، فإنّ الكراهية بمعنى رجحان الترك غير معقولة في العبادات، بل هي مستحيلة فيها لعدم اجتماع المبغوضية و المقربية في شي ء واحد، و ذلك لأن العبادة تتقوم بأمرين:

الأول: أن يوجد في نفس العمل مصلحة، و يعبّر عن ذلك بقابلية العمل للتقرب.

الثاني: أن يؤتى بالعمل متقرباً به إلى اللّٰه.

فإذا اجتمع هذان الأمران في الفعل كان الفعل عباديا صحيحاً واقعاً، و المكروه

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 61

بالمعنى المصطلح لا يصلح للتقرب به، لعدم المصلحة فيه. و عليه فإذا قيل مثلًا: إن الصلاة في اللباس الأسود مكروهة، فليس صلاة المصلي فيه باطلة، بل هي صحيحة و مجزية، فالنهي عن لباسه في الصلاة إرشاد إلى أنّها فيه أقل ثواباً و أدنى ملاكاً من الصلاة في غيره.

الأمر الثاني:

إن ما ذكره صاحب العروة من الموارد التي يكره لبسها في الصلاة ليس على إطلاقه، إذ لا يوجد ملاك الكراهة في بعضها، بل لا دليل معتبراً على أكثرها، و الموجود إنّما هو دليل ضعيف سنداً، و قابل للمناقشة دلالة.

و عليه ففتوى صاحب العروة و سائر من وافقه على ذلك مبتنٍ على أحد أمرين في فهم روايات أخبار (من

بلغ).

توضيح ذلك: إن هناك عدة روايات «1» و فيها الصحاح دلّت على أنّ من بلغه ثواب على عمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ج 1، ص 59، باب 18 استحباب الإتيان بكل عمل مشروع روي له ثواب عنهم (عليهم السّلام).

محمد بن علي بن بابويه في (كتاب ثواب الأعمال) عن أبيه عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من بلغه شي ء من الثواب على شي ء من الخير فعمل (فعمله) به كان له أجر ذلك و إن كان (و إن لم يكن على ما بلغه خ ل) رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يقله.

أحمد بن أبي عبد الهّٰغ البرقي في (المحاسن) عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من بلغه عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) شي ء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يقله.

و عن أبيه عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من بلغه عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) شي ء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان له ذلك الثواب و إن كان النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يقله.

و عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره عن عبد اللّٰه بن القاسم الجعفري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم): من وعده اللّٰه على عمل ثوابا فهو منجزه له و من أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار.

و روى الصدوق في (التوحيد) محمد بن الحسن عن الصفار عن محمد بن الحسين و أحمد بن أبي عبد اللّٰه عن علي بن محمد مثله.

محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام ابن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من سمع شيئاً من الثواب على شي ء فصنعه كان له و إن لم يكن على ما بلغه.

و رواه ابن طاوس في (كتاب الإقبال) نقلًا من كتاب هشام بن سالم الذي هو من جملة الأُصول عن الصادق (عليه السّلام) مثله.

و عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمران الزعفراني عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: من بلغه ثواب من اللّٰه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أُوتيه و إن لم يكن الحديث كما بلغه.

أحمد بن فهد في (عدّة الداعي) قال: روى الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمّة (عليهم السّلام) أنّ من بلغه شي ء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه و إن لم يكن الأمر كما نقل إليه.

علي بن موسى بن جعفر بن طاوس في (كتاب الإقبال) عن الصادق (عليه السّلام) قال: من بلغه شي ء من الخير فعمل به كان له و إن لم يكن الأمر كما بلغه.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 62

و أتى به رجاء ذلك الثواب فإنّه يعطى إيّاه و إن لم يقله الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو المعصوم

(عليه السّلام)، لاشتباه الراوي، أو لاعتماده في النقل على آخر، و يعبّر عن هذه الأخبار ب (أخبار من بلغ) و عن القاعدة ب (التسامح في أدلّة السنن).

و اختلف في المراد من هذه الروايات على وجوه منها: الأول: إن ما يشترط تحققه في حجية الأخبار الدالة على حكم إلزامي (الوجوب و الحرمة) أو المستلزمة لحكم إلزامي ك (النجاسة و الملكية و الزوجية)، غير مأخوذ في الأحكام غير الإلزامية، أعني الاستحباب و الكراهة.

و بعبارة أُخرى: إن الخبر في غير الأحكام الإلزامية معتبر و إن كان ضعيف السند، ما لم يحصل العلم بكذبه، لعدم اشتراط شي ء في اعتبار حجيته.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 63

الثاني: إن أصل قيام الخبر المحتمل أنّه قول الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو الإمام (عليه السّلام) هو بنفسه من العناوين المرجّحة، فإذا كان ذلك الخبر يتضمّن ثواباً على عمل، فذلك العمل يكون مستحباً.

و النتيجة: أنّه إذا قام الخبر الضعيف على وجوب العمل الفلاني فإنّه لا يثبت وجوبه، نعم يثبت بذلك استحبابه، بمقتضى ما تقدم.

فالفتوى بالكراهة (مع كون الخبر ضعيفاً) متوقفة على الالتزام بأحد هذين التفسيرين.

هذا، و لكنّنا في البحث عن قاعدة (التسامح في أدلّة السنن) في علم الأُصول قد قلنا بعدم صحة كلا هذين المعنيين، و إنما المستفاد من الأخبار أنّ المكلف عند ما يصله مطلوبية عمل ما إلى اللّٰه سبحانه و تعالى، فإن كان عن طريق صحيح فيأتي به جزماً، و إن كان الخبر ضعيفاً فيأتي به رجاءً و انقياداً، و هذا الانقياد من العبد موجب لاستحقاق الثواب و التقرب إلى اللّٰه سبحانه، و مقدار ذلك الثواب لم يعرف إلّا عن طريق التعبد الشرعي، و لا

دلالة عليه من جهة العقل أصلًا، و أخبار (من بلغ) هي التي بيّنت مقدار ذلك الثواب و هو نفس ما بلغه، أي المذكور في الخبر.

فمن تيقن بمطلوبية العمل يأتي به انقياداً للمولى بنحو الجزم و يعطى الثواب و إن لم يكن الواصل إليه مطابقاً للواقع.

و من لم يحصل له ذلك اليقين لكون الخبر ضعيفاً يأتي بالعمل رجاءً و انقياداً، لعدم علمه بصدوره من الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو المعصوم (عليه السّلام)، و له ذلك الثواب أيضاً.

هذا هو المستفاد من أخبار (من بلغ) و حاصله: أنّه من بلغه ثواب على عمل و أتى به رجاء الحصول على ذلك الثواب يعطى الثواب المذكور و إن كان الخبر ضعيفاً و غير جامع لشرائط حجية الخبر.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 64

و أمّا ما ذُكر من التفسيرين السابقين فلا دلالة للأخبار عليهما.

الأمر الثالث:

لو تنزلنا و قلنا بدلالة الأخبار على أحد هذين المعنيين، و استفدنا الحكم بالاستحباب أو الكراهة عن طريق أخبار (من بلغ) في الأعمال التي يرد فيها الثواب، فإن هنا إشكالًا آخر يمنع جريان الأخبار في المقام، و ذلك لأنّ أخبار (من بلغ) إنما تدلّ على الكراهة في موارد النهي التكليفي، و ليس النهي في ما نحن فيه كذلك، بل هو إرشاد إلى كون الفرد المنهي عنه أقل الأفراد ثواباً، فمن أراد أن يعمل على طبق الخبر يمتنع من الصلاة في الأسود، و ليس ترك الصلاة في الثوب الأسود موجباً لإعطائه الثواب، و إن كانت الصلاة في غيره أكثر ثواباً، و ذلك لأنّ أخبار (من بلغ) إنّما تكون في مورد الإتيان بالعمل استناداً إلى الخبر الضعيف الحامل للثواب المعين، و ترك

العمل فيما نحن فيه و لو كان عملًا إلّا أنّه لم يرد فيه ثواب.

و الحاصل: إنّا و إن التزمنا باستفادة أحد الأمرين المتقدمين من أخبار (من بلغ) لا نعتبرها دليلًا على الكراهة فيما نحن فيه، لعدم وصول ثواب على ترك العمل، و إنما النهي للإرشاد إلى أقلية ثواب هذا الفرد من الصلاة.

ثم إنّه قال بعضهم: بأنّ عمل المشهور جابر لضعف هذا الخبر و إن كان ضعيف السند.

و لكنه ليس بصحيح، بل لو عمل على طبقه الكل لما انجبر ضعفه، و ذلك لاحتمال استنادهم إلى أخبار (من بلغ)، فهذا صاحب المدارك قد ناقش سند الروايات كلّها بضمنها الموثقة، و ضعفها جميعاً، و مع ذلك اثبت الحكم غير الإلزامي.

[بحث روائي]

اشارة

إذا اتّضح ذلك فنقول: في المسألة طائفتان من الروايات:

الطائفة الأُولى: ما دلّ على كراهة اللباس الأسود في الصلاة.

الطائفة الثانية: ما دلّ على كراهة لبس الأسود مطلقاً حتى في غير حال الصلاة.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 65

أما الطائفة الأُولى فثلاث روايات

و هي:

الرواية الأولى: قال الكليني: و روي: لا تصلِّ في ثوب أسود، فأمّا الخف أو الكساء أو العمامة فلا بأس «1».

الرواية الثانية: محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محسن بن أحمد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له أُصلّي في القلنسوة السوداء؟ فقال: لا تصلِّ فيها فإنّها لباس أهل النار «2».

الرواية الثالثة: محمد بن علي بن الحسين في (العلل) عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن رجل عن أبيه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أُصلّي في القلنسوة السوداء قال: لا تصلِّ فيها فإنّها لباس أهل النار «3».

و أسناد هذه الطائفة من الروايات كلّها ضعيفة فلا تصح للاستدلال.

و أمّا الطائفة الثانية التي استفيد منها كراهة لباس السواد مطلقاً

فهي روايات:

الأُولى: محمد بن علي بن الحسين قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيما علم أصحابه: لا تلبس السواد فإنّه لباس فرعون «4».

و هي مرسلة، و ذهب بعض المتأخّرين إلى اعتبار روايات الصدوق التي نسب فيها القول إلى الإمام (عليه السّلام) نفسه كهذه الرواية دليلًا على اعتبارها و إلّا لما نسبها كذلك،

______________________________

(1) الوسائل: الباب 20 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 2.

(2) المصدر السابق: الحديث 1.

(3) المصدر السابق: الحديث 3.

(4) المصدر السابق: الباب 19، الحديث 5.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 66

بل لعبّر عنها ب (روي) و ما شابهه.

و لا أساس لهذا القول من الصحّة، و يدلّ على ذلك أنّ هذه الرواية التي نسبها في الفقيه إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد ذكرها مسندة في كتابيه (العلل و الخصال)، فقد رواها عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن

محمد بن عيسى عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام).

فعدم ذكر الشيخ الصدوق للسند في كتاب الفقيه إنما هو للاختصار، إذ طلب منه أن يكتب مؤلفاً مختصراً فكتب (من لا يحضره الفقيه)، و عليه فليس مراده من قوله: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أو قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) هو الاعتبار، بل كان ذلك من أجل الاختصار.

الثانية: محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد رفعه .. عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف، و العمامة، و الكساء «1».

الثالثة: و عنهم، عن أحمد بن أبي عبد اللّٰه، عن بعض أصحابه رفعه قال: كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يكره السواد إلّا في ثلاث: الخف، و العمامة، و الكساء «2».

و هناك روايات كثيرة دلّت على كراهة لبس السواد مطلقاً.

نعم هنا رواية معتبرة للسكوني لها مفاد آخر و هي:

عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه السّلام) قال: إنّه أوحى اللّٰه إلى نبي من أنبيائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس أعدائي و لا تطعموا مطاعم أعدائي و لا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 19، الحديث 1.

(2) المصدر السابق: الحديث 2.

(3) المصدر السابق: الحديث 8.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 67

و نحن نلتزم بمضمون هذه الروايات فنقول: إنّ اللباس إذا اختص به أعداء الدين فلا يجوز لبسه، مثل القبعة التي يختص بلبسها اليهود.

و لكن لباس السواد لم يثبت اختصاص لبسه بأعداء الدين، نعم يمكن ثبوت الاختصاص بخصوص (اللبادة

السوداء) فإن لبسها من مختصات علماء اليهود و النصارى، و إذا ثبت ذلك فيها فلبسها حرام.

بقي أمر تعرض له صاحب الحدائق (قدّس سرّه) فإنّه بعد أن نقل هذه الروايات قال: «لا يبعد استثناء لبس الأسود في مأتم الحسين (عليه السّلام) من هذه الأخبار، لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان ..» «1».

و لم يبيّن الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك، و الوجه في عدم الشمول هو: إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمة (عليهم السّلام) و بالخصوص في أيام محرم الحرام و شهر صفر إظهاراً لمودتهم و حبهم لأهل البيت (عليهم السّلام) فيحزنون لحزنهم، و إنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت (عليهم السّلام)، و قد روي عنهم (عليهم السّلام): «رحم اللّٰه من أحيا أمرنا»، فإذا ارتدى عامة الناس من الرجال و الشباب و الأطفال الثياب السود كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل: ماذا حدث؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً و كانت ألوان ثياب الناس مختلفة، و أمّا اليوم فقد لبسوا كلهم السواد؟! فعند ما يوضح له بأن اليوم يوم حزن و مصيبة على ريحانة الرسول الحسين بن علي (عليه السّلام)، كان هذا الأمر في حد نفسه إحياءً لأمره (عليه السّلام)، و لهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرم و صفر، و ذلك لأن حقيقة الإسلام و الإيمان قد أُحييت بواقعة كربلاء، و هذا دليل لا بدّ من المحافظة عليه لتراه الأجيال القادمة مثلًا أمامهم فيحصل لهم اليقين به، فإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) نفسه قد أثبت أحقية التشيع، و أبطل سائر ما عداه.

______________________________

(1) الحدائق الناظرة: ج 7، ص 118.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص:

68

إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) يعلم بأنّه سوف يستشهد، و مع ذلك حمل روحه على كفيه و خرج طالباً الشهادة، و ما ذلك إلّا من أجل إحياء الدين و شريعة سيد المرسلين (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و قد أخبر (عليه السّلام) باستشهاده عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي (عليه السّلام) قال: قال: و الذي نفس حسين بيده لا ينتهي ملك بني أمية ملكهم حتى يقتلوني و هم قاتلي، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعاً أبداً، و لم يأخذوا عطاء في سبيل اللّٰه جميعاً أبداً، إنّ أوّل قتيل في هذه الأمة أنا و أهل بيتي، و الذي نفس حسين بيده لا تقوم الساعة و على الأرض هاشمي يطرق.

و عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي و من قِبَله من بني هاشم، أمّا بعد فإن من لحق بي استشهد، و من لم يلحق بي لم يدرك الفتح. و السلام.

كما أخبر باستشهاده النبي محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من يوم ولادته، و إليك هذه الأخبار:

1 أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لمّا ولدت فاطمة الحسين جاء جبرئيل إلى رسول اللّٰه فقال له: إن أُمّتك تقتل الحسين من بعدك. ثم قال: أ لا أريك من تربتها؟ فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء فأراها إيّاه، ثمّ قال: هذه التربة التي يقتل عليها «1».

2 أبي عن سعد عن ابن عيسى

عن الأهوازي عن النضر عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إنّ جبريل أتى رسول اللّٰه و الحسين يلعب بين يدي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فأخبره أنّ أُمته ستقتله، قال: فجزع رسول

______________________________

(1) بحار الأنوار.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 69

اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فقال: أ لا أريك التربة التي يقتل فيها؟ قال: فخسف ما بين مجلس رسول اللّٰه إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان، فأخذ منها، و دحيت في أسرع من طرف العين، فخرج و هو يقول: طوبى لك من تربة و طوبى لمن يقتل حولك.

قال: و كذلك صنع صاحب سليمان، تكلم باسم اللّٰه الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان و بين العرش من سهولة الأرض و حزونتها حتى التقت القطعتان، فاجتر العرش، قال سليمان: يخيّل إلىّ أنّه خرج من تحت سريري، قال: و دحيت في أسرع من طرفة العين «1».

3 أبي عن سعد عن علي بن إسماعيل و ابن أبي الخطاب و ابن هشام، جميعاً عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الهّٰب (عليه السّلام) قال: نعي جبرئيل (عليه السّلام) الحسين (عليه السّلام) إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في بيت أُمّ سلمة، فدخل عليه الحسين و جبرئيل عنده فقال: إن هذا تقتله أُمتك. فقال رسول اللّٰه: أرني من التربة التي يسفك فيها دمه. فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة فإذا هي تربة حمراء، فلم تزل عند أُم سلمة حتى ماتت (رحمها اللّٰه) «2».

فعلى الجميع أن يتوسل بالإمام الحسين (عليه السّلام) و أن

يطلب منه المدد، فإنّ التوسل بالإمام الحسين (عليه السّلام) يرفع الشبهات عن وجه الحقيقة، و يكون الدليل بذلك حياً، و التوسل بأهل البيت (عليهم السّلام) و البكاء عليهم ما هو إلّا محافظة على هذا الدليل؛ فالإمام الحسين (عليه السّلام) دليل محكم على أحقية الشيعة و مذهبهم، فتوسلوا بهذا العظيم، و ابكوا عليه، و أقيموا شعار الحزن في أيام مصيبته، فإنّ الملائكة بكت و تبكي عليه، و إنّ اللّٰه سبحانه و تعالى يريد إبقاء هذا الدليل، و يتمّ ذلك بإقامة مجالس العزاء، و الاشتراك فيها،

______________________________

(1) بحار الأنوار.

(2) بحار الأنوار.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 70

و البكاء، و لبس السواد في أيام استشهاده و في وفيات الأئمة (عليهم السّلام) و بالخصوص في شهري محرم و صفر، فأحيوا هذا الأمر و حافظوا عليه، فإنّ الأرض و السماء بكت على الحسين (عليه السّلام)، و إنّ الملائكة تبكي عليه إلى يوم القيامة.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 72

اعتقاداتنا

اشارة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 73

مصدر الأُصول الاعتقادية

إنّ مقولة (العقائد قضية عقلية، يجب أن يصل المكلّف إليها مباشرة فيعرف برهانها و يذعن له، لا أن يأخذها تقليداً)، هل تشمل جميع العقائد، أم أُصولها و أسسها دون تفصيلاتها؟ و ما ذا عن التفصيلات المختلف فيها، و ما هو المرجع في تحديد الصحيح و الأصح منها، أ هو القواعد و العلوم التي تعالج فيها الأحكام الشرعية فنرجع فيها إلى المتخصّص، أم أنّ لنا كعوام التعامل المباشر معها؟

باسمه تعالى الأُصول الاعتقادية على قسمين: أولهما: ما يجب البناء و عقد القلب عليه إجمالًا و التسليم و الانقياد له، كأحوال ما بعد الموت من مسألة القبر و الحساب و الكتاب و الصراط و الميزان و الجنّة و النار و غيرها، فإنّه لا يجب على المكلّف تحصيل معرفة خصوصيات تلك الأُمور، بل الواجب عليه البناء و عقد القلب على ما هو عليه الواقع من جهة أخبار النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو الوصي (عليه السّلام) بها.

و القسم الثاني: يجب معرفته عقلًا أو شرعاً، كمعرفة اللّٰه سبحانه و تعالى، و معرفة أنبيائه و أوليائه و أنّهم أئمة معصومون، و أحكام الشرع عندهم و تأويل القرآن و تفسيره لديهم، و أمّا سائر الخصوصيات الواردة فيكفي التصديق بها، و لا يجوز إنكار و نفي ما ورد في علمهم و سائر شؤونهم (عليهم السّلام) حتّى إذا لم يجد عليها رواية صحيحة فضلًا عن وجود الرواية الصحيحة.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 74

و الحاصل: أنّه يجب على القاصر عقلًا أن يرجع في كلّ علم إلى أهل الخبرة بذلك العلم، و علم العقائد لا بدّ من الرجوع فيه

للعلماء الفقهاء المتبحّرين في علم الكلام المتضلّعين في فهم الكتاب و أحاديث أهل البيت (عليهم السّلام) الماهرين في تشخيص الصحيح من الخطأ خصوصاً مراجع الطائفة و علماؤها، و اللّٰه العالم.

حول مسائل أُصول الدين

ما هو المائز بين كون المسألة من أُصول الدين أو فروعه؟

باسمه تعالى أُصول الدين مسائل اعتقادية يكون المطلوب فيها تعقلها، و أما الفروع فهي مسائل يكون المطلوب فيها العمل بها، سواء كان فعلًا أو تركاً، و لو كان العمل من البناءات القلبية، و اللّٰه العالم.

التقليد في أُصول الدين

هل الرجوع لعلم الفقيه في الأُصول يعتبر تقليداً؟

باسمه تعالى ليس معنى عدم التقليد هو الأخذ بكلّ ما وصل إليه نظركم، بل لا بدّ من الاعتقاد و اليقين من مدرك صحيح و لو كان مدركاً إجمالياً، كما لو علم بأنّ الفقهاء المتبحّرين كلّهم متفقون على ان الأمر الفلاني من العقائديات و أنّه لو لم يكن حقّا لما كانوا متفقين على ذلك، فهذا يحقّق دليلًا إجمالياً على صحّة الاعتقاد بذلك المعتقد، و اللّٰه العالم.

هل الاعتقاد بالإمامة من الأُصول أو الفروع؟

ما هي عقيدتنا في الإيمان بالإمامة؟ هل هي من الأصول أو من الفروع؟

باسمه تعالى هي من أُصول المذهب، و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 75

طريقة اكتساب العقائد

ما هو الطريق لأخذ العقائد الشرعية؟

باسمه تعالى اللازم على المكلّف في أُصول الدّين و المذهب تحصيل العلم و اليقين بالأدلّة المذكورة في الكتب المعتبرة الكلامية و لو بالتعلّم و الدراسة عند أهلها، و أمّا سائر العقائد الدينية فلا يجب تحصيل المعرفة بها تفصيلًا، بل يكفي الاعتقاد بما هو عليه في الواقع المعبّر عنه بالاعتقاد الإجمالي كخصوصيات القيامة و أمثالها، هذا بالنسبة إلى من لا يحصل له العلم و اليقين إلّا بالدراسة، و أمّا إذا حصل اليقين بالأدلّة الإجمالية فيكفي كقول الأعرابي: «البعرة تدلّ على البعير و أثر الأقدام يدلّ على المسير، أسماء ذات أبراج و أرض ذات فجاج لا يدلان على اللطيف الخبير»؟ و أمثاله، و هكذا الأدلّة الإجمالية التي يستدلّ بها على النبوة و الإمامة.

و لا يخفى أنّ ما ذكرنا من مراجعة الكتب الكلامية ما نريد به مؤلّفات العلماء المتبحّرين في الأُمور الدينية من الاعتقادات و غيرها، لا قول من يدّعي العلم و ليس له حظ من مسائل الدّين أُصولًا و فروعاً، و يعتمد في آرائه و أفكاره على مجرّد عقله الفاتر، و يترك ظواهر الكتاب و السنّة و يطرح الروايات المأثورة عن الأئمة الأطهار (عليهم السّلام) الذين هم عدل للكتاب في قول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّٰه و عترتي، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»، و اللّٰه العالم.

البحث في الأحكام الشرعية

هل يمكن القول بأنّه هناك مجال للبحث في أحكام الشريعة الإسلامية، باعتبار أنّ هناك ثابتاً و متغيراً، وفقاً لظروف كلّ عصر و زمن، على حسب اختلاف المجتمعات، أو أنّ الحكم الشرعي واحد لا يتغيّر؟

باسمه تعالى إن تعدّد حكم الواقعة الواحدة بحسب اختلاف المجتهدين في

الأعصار فيها

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 76

أمر غير ممكن و غير واقع، لأنّه مخالف لمذهب العدليّة الملتزمين ببطلان التصويب في الوقائع التي وردت فيها الخطابات، أو استفيد حكمها من مدارك أخرى، فإنّ مقتضى الإطلاقات ثبوت الحكم، و استمراره بحسب الأزمنة في ظرف فعليّة الموضوع، في أيّ ظرف كان، و لو كان استقبالًا.

و يدلّ على ذلك الروايات أيضاً، كصحيحة زرارة المروية في الكافي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحلال و الحرام فقال: «حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، و حرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة»، لا يكون غيره، و لا يجي ء غيره، و قال: قال علي (عليه السّلام): «ما أحد ابتدع بدعة إلّا ترك بها سنّة».

و أمّا فتاوى المجتهدين في موارد الخلاف، فلا تصيب من فتاواهم في واقعة واحدة إلّا فتوى واحدة من ذلك، نعم فتوى كلّ واحد من المجتهدين مع اجتماع شرائط التقليد فيه عذر بالنسبة للعامي في موارد الخطأ، ثمّ انّ الحكم المجعول في الشريعة له مقامان: الأول مقام الجعل، و الثاني مقام الفعليّة، و على ذلك فيمكن أن ينطبق عنوان الموضوع على شي ء في زمان فيكون فعليّاً، و لا ينطبق على ذلك الشي ء في زمان آخر فلا يكون ذلك الحكم فعليّاً، و هذا من ارتفاع فعليّة الحكم لا من تغيّر المجعول في الشريعة، كما إذا كان شي ء آلة قمار في زمان، و سقط عن آلية القمار في زمان آخر بعد ذلك الزمان، فاللعب به بلا رهان باعتبار عدم انطباق عنوان آلة القمار عليه في زمان اللعب لا يكون محرّماً، و هذا ليس من تغيّر حكم حرمة آلة القمار، كما هو واضح، و كوجوب الجهاد

الابتدائي، فإنّه بناءً على اشتراط الجهاد الابتدائي بحضور الإمام (عليه السّلام) فلا يكون وجوب الجهاد فعليّاً في زمان الغيبة؛ لعدم حضوره (عليه السّلام) لا لأنّه مع عدم حضوره تغيّر حكم الجهاد في الشريعة، و أمثال ذلك كثيرة.

نعم، في الشريعة يمكن أن تكون لشخص أو أشخاص أحكام مختصّة بهم، و هذه الأحكام تنتهي برحيلهم، كالأحكام المختصّة بالنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هذه قضايا خارجية لا صلة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 77

لها بالأحكام العامة الشرعية التي يُعبّر عنها بالقضايا الحقيقية، و اللّٰه العالم.

أسماء اللّٰه عزّ و جلّ توقيفية

هل أسماء اللّٰه عزّ و جلّ توقيفية أو لا؟ فيجوز إطلاق اسم من الأسماء عليه سبحانه مع مراعاة جميع الجهات، ككونها لا تدلّ على افتقاره إلى شي ء، و كونها لا تدلّ على أنّه متحيّز، و غيرها مما لا يليق بساحة قدسه.

باسمه تعالى الأحوط الاقتصار على الأسماء الواردة في الكتاب المجيد و الأخبار و الأدعية، و اللّٰه العالم.

القضاء و القدر

ما هو رأي الطائفة المحقّة بمن يرى انحصار القضاء و القدر بالواقع الكوني دون الواقع الاجتماعي، إذ يقول في ردّه على الشيخ المفيد: إنّ مسألة القضاء و القدر لا تتصل بالأوامر و النواهي الصادرة من اللّٰه في التكاليف المتعلّقة بأفعال عبادة، بل هي متّصلة بمسألة الواقع الكوني، و الإنساني فيما أوجده اللّٰه و فعله و قدّره و طبيعته بالدرجة التي يمكن للإنسان أن يحصل فيها على تصوّر تفصيلي واضح للأسباب الكامنة وراء ذلك كلّه في معنى الخلق و سببه و غايته.

و قال في موضع آخر موضحاً بما نصه: ليس هناك قضاء و لا قدر، الإنسان هو الذي يصنع قضاءه و قدره، و لكن هناك حتمية تاريخية، و هناك حتميات سياسية و هناك حتميات اقتصادية، إنّك عند ما تحدّث الإنسان عن حتمياته فمعنى ذلك أنّك تعزله عن كلّ ما حوله، و لكن عند ما يحدّث اللّٰه عن القضاء و القدر فإنّه يقول لك: إنّك تصنع قضاءك و قدرك .. إلى أن يقول: نحن لا نقول بأنّ الأمر الواقع هو القضاء و القدر، أم الأمر الواقع هو شي ء صنعه الآخرون و استطاعت أن تحرّكه ظروف موضوعيّة معيّنة!

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 78

باسمه تعالى إنّ القضاء و القدر على قسمين:

1 ما كان معلّقاً على اختيار العبد، كالخسارة

و الربح مثلًا، فهذا راجع لمشيئة الإنسان، و علم اللّٰه بوقوعه عن اختيار العبد ليس سبباً لإجبار العبد على ممارسة ذلك العمل.

2 ما كان غير معلّق على مشيئة العبد، فهذا قضاء حتمي، كالغنى و الفقر و الآجال، و أمثالها مما ليس بيد العبد، و هذا هو ظاهر القرآن الكريم في نحو قوله تعالى قُلْ لَنْ يُصِيبَنٰا إِلّٰا مٰا كَتَبَ اللّٰهُ لَنٰا «1» و قوله تعالى إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «2»، و المقصود بليلة القدر كما في الروايات ليلة التقدير، أي تقدير الأرزاق و الآجال و نحوها، و اللّٰه الهادي للحقّ.

إنّ تقدير اللّٰه بعد اختيار العبد كسب الحرام، و قضاءه بعد تقدير العبد سلوكه.

و إن شئت قلت: قضاؤه و تقديره مسبوق بعلمه سبحانه، و ما تعلق به علمه هو فعل العبد باختياره و إرادته، فلا منافاة بين قضاء اللّٰه و اختيار العبد، كما لا ينافي اختيار العبد قضاء اللّٰه، بل هما متطابقان، و اللّٰه العالم.

المراد بالقديم

ذكرت الأدعية «إنّ الفيض و المنّ قديم و أقدم»، ماذا يراد من القديم هنا؟

باسمه تعالى إنّ القديم أمر إضافي بمعناه اللغوي، و لا يُنافي الحدوث، و فيض اللّٰه ليس من صفات اللّٰه الذاتية، و اللّٰه العالم.

هل أسماء اللّٰه تعالى تقع على ذاته

هل أسماء اللّٰه تعالى تقع على ذاته؟

______________________________

(1) سورة التوبة: الآية 51.

(2) سورة القدر: الآية 1.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 79

باسمه تعالى الأسماء التي وصف اللّٰه تعالى بها نفسه و وردت بها الروايات غير ذاته، و إنما هي علامات، و اللّٰه العالم.

هل اللّٰه تعالى فاعل بالذات؟

هل اللّٰه تعالى فاعل بالذات؟

باسمه تعالى قد تبين أن اللّٰه تعالى منشئ هذا الكون و إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، و قد جرت عادته تعالى على كون أفعاله عن طريق الوسائط من غير حاجة له إليها، و اللّٰه العالم.

المقدار الواجب من معرفة اللّٰه (عزّ و جلّ)

ما هو القدر الذي يجب على المكلّف تعلمه من معرفة الحق تبارك و تعالى، و إذا كان يتوقف على مقدمات فهل يجب عليه تعلمها أو لا؟

باسمه تعالى الواجب على المكلف من المعرفة ما يقنع نفسه به، هذا في الواجب العيني، و أمّا الواجب الكفائي بأن يكون أشخاص يتمكنون من إثبات العقائد الحقّة بالأدلة في مقام المخاصمات فيجب على جماعة من المؤمنين القيام بذلك و لو توقف ذلك على تحصيل العلم سنوات، و اللّٰه العالم.

الولاية التكوينية

ما هي عقيدة الشيعة في الولاية التكوينية؟

باسمه تعالى إنّ المراد بالولاية التكوينية أنّ نفس الولي بما له من الكمال متصرّف في أُمور التكوين بإذن اللّٰه تعالى، لا على نحو الاستقلال، و هذا هو ظاهر الآية المباركة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 80

وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتىٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ «1»، و قوله أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ «2»، حيث نسب الفعل المباشر إلى نفسه.

كما أنّ المراد من الإذن في الآية الإذن التكويني، بمعنى القدرة المفاضة من قبل اللّٰه تعالى، لا الإذن التشريعي.

و أمّا الآيات النافية كقوله تعالى قُلْ لٰا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لٰا ضَرًّا إِلّٰا مٰا شٰاءَ اللّٰهُ «3» فالمقصود بها نفي الاستقلال في التصرّف لا نفي الولاية المعطاة من قبل اللّٰه تعالى.

هذا مضافاً إلى أنّ الأولياء لا يتصرّفون في التكوينيات استجابة لكلّ اقتراح يُطرح عليهم، و إنّما في خصوص الموارد التي شاءت حكمة اللّٰه التصرّف فيها لحفظ مصالح التشريع و التكوين.

و بالجملة: فالولاية التكوينية بالمعنى الذي ذكرناه من العقائد الواضحة التي لا مجال للتشكيك فيها عند المتدبّر في الآيات و المتتبّع لحالات الأنبياء و الأئمة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين في

الأحاديث و الأخبار، و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل.

هل يجوز الاعتقاد بالتفويض التكويني للأئمة (عليهم السّلام) و على فرضه فهل تكون (الولاية التكوينية) عبارة عن قدرة مودعة في المعصوم أو أنّه (أي المعصوم (عليه السّلام)) يسأل فيُعطى من قبل اللّٰه عز و جل؟

باسمه تعالى الاعتقاد بالتفويض باطل، فإنّ اللّٰه بالغ أمره، و الأئمة (عليهم السّلام) وسائط و شفعاء للناس بينهم و بين اللّٰه سبحانه و تعالى في مقام استدعاء الحاجات من اللّٰه تعالى، قال

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية 49.

(2) سورة النمل: الآية 40.

(3) سورة الأعراف: الآية 188.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 81

تعالى وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «1» و لا نعرف وسيلة أشرف من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام)، و لهم الولاية التكوينية كما ثبتت لسائر الأنبياء، و هم أفضل من سائر الأنبياء، و الحكمة اقتضت ذلك حيث انّهم ربّما يتصرّفون تصرّفاً تكوينياً لدفع كيد من يريد الإساءة للدين و للمسلمين، و إنّما يمتازون عن سائر الأنبياء من حيث انّ الأنبياء يثبتون نبوّتهم بالمعجزة و خرق العادة، بخلاف الأئمة (عليهم السّلام) فإنّ إمامتهم ثبتت بتعيين رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هم باب ابتلي به الناس بعد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كما ورد في الزيارة الجامعة، و لذا قلّت تصرّفاتهم التكوينية و لم يتصرّفوا باقتراح من الناس، بل كانوا يفعلون في موارد قليلة لاقتضاء الحكمة و الضرورة لإبطال قول مدّعي النبوّة أو الإمامة، و نحو ذلك، كما أوضحناه في بعض الاستفتاءات، و اللّٰه العالم.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، در يك

جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، ه ق

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية؛ ص: 81

هل يجوز أن نقول: إنّ اللّٰه عزّ و جلّ قد فوّض إلى الأئمة (عليهم السّلام) بعض شؤونه؟ و على فرض صحّة ذلك القول، فما هو الفرق بين التفويض الباطل و التفويض الصحيح؟

باسمه تعالى قد ذكرنا أنّ مذهب التفويض باطل، قال اللّٰه تعالى وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «2»، و اللّٰه العالم.

ما هو حدّ الغلو، و هل تصحّ عقيدة المؤمن إذا اعتقد أن للأئمة (عليهم السّلام) مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل؟ و عموماً إذا اعتقد بالمضامين التي جاءت في الزيارة الجامعة الكبيرة، و هل يشمل اللعن في قوله تعالى يَدُ اللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ القائلين أنّ اللّٰه فوّض إلى الأئمة (عليهم السّلام) الأحكام الشرعية و شؤون الخلق و الرزق، مع إقرارهم و إذعانهم بأنّ كلّ ذلك من اللّٰه

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 35.

(2) سورة المائدة: الآية 35.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 82

سبحانه؟ و عموماً ماذا تعني الولاية التكوينية للأئمة (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى الغلاة هم الذين غلوا في النبي و الأئمة أو بعضهم (عليهم السّلام) بأن أخرجوهم عمّا نعتقد في حقّهم من كونهم وسائط و وسائل بين اللّٰه و بين خلقه، و كونهم وسيلة لوصول النعم من اللّٰه إليهم، حيث إنه ببركتهم حلّت النعم على العباد، و رفع عنهم الشرور، قال اللّٰه سبحانه وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، كأن التزموا بكونهم شركاء للّٰه تعالى في العبودية و الخلق و الرزق، أو أنّ اللّٰه تعالى حلّ فيهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو

إلهام من اللّٰه تعالى، أو القول في الأئمة (عليهم السّلام) أنّهم كانوا أنبياء، و القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع التكاليف، و غير ذلك من الأباطيل و عليه فالاعتقاد بأنّ للأئمة مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل ما عدا نبيّنا محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو الاعتقاد بالمضامين التي جاءت في الزيارة الجامعة الكبيرة بنوعها صحيح، يوافق عقيدة المؤمن.

و أمّا آية يَدُ اللّٰهِ مَغْلُولَةٌ .. فهي ناظرة إلى اليهود و لا تشمل مثل هؤلاء بمدلولها.

و أمّا الولاية التكوينية، فهي التصرّف التكويني بالمخلوقات سواء كانت إنساناً أو غيره، و يدلّ عليها آيات، منها قوله تعالى وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ مُوسىٰ أَنْ أَلْقِ عَصٰاكَ فَإِذٰا هِيَ تَلْقَفُ مٰا يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ. فَغُلِبُوا هُنٰالِكَ وَ انْقَلَبُوا صٰاغِرِينَ «1» و منها قوله تعالى إِذْ قٰالَ اللّٰهُ يٰا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلىٰ وٰالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النّٰاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْرٰاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي .. «2»، حيث أسند اللّٰه الفعل إلى الأنبياء. و غيرها من الآيات.

و بما أنّه لا يحتمل أن يكون ذلك ثابتاً للأنبياء دون نبيّنا (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فذلك ثابت لنبيّنا

______________________________

(1) سورة الأعراف، الآيات 117 119.

(2) سورة المائدة، الآية 110.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 83

محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و قد ثبت أنّ عليّاً (عليه السّلام) نفس

النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بنصّ القرآن، و لا فرق بين الأئمة (عليهم السّلام). إذن ما ثبت للأنبياء ثبت للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ما ثبت له (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ثبت للأئمة (عليهم السّلام) إلّا منصب النبوّة.

نعم، الفرق بين الأنبياء و الأئمة أنّ الأنبياء كانوا يفعلون ذلك لإثبات نبوّتهم بالمعجزة، و أمّا الأئمّة (عليهم السّلام) فكانوا لا يفعلون ذلك إلّا في موارد نادرة كما ورد في الأخبار، و قد كان الناس مكلّفين بمعرفتهم امتحاناً من اللّٰه للأُمّة بعد وفاة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، حتّى يتميّز من يأخذ بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و من لا يأخذ، و لذا ورد في الزيارة الجامعة أنّهم الباب المبتلى به الناس، فكيف يظنّ شخص يلتزم بإمامتهم و أنّهم عدل للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلّا في منصب النبوّة، أنه لا يلزم الاعتقاد بالولاية التكوينية لهم (عليهم السّلام)، مع أنّ الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون الولاية التكوينية بأيديهم حتّى يتمكّنوا من إبطال دعوى من يدّعي النبوّة بعد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بالسحر و نحو ذلك، مما يوجب إضلال الناس، و اللّٰه العالم.

كيف توجّهون ما ورد في حقّهم من الروايات في التفويض؟

باسمه تعالى إنّ تفويض التشريع إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر ثابت في الشريعة في الجملة، و سنن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الدّين أمر معروف، كتشريعه غسل الجمعة، و ليس التفويض مربوطاً بأمر التكوين، و الثابت في التكوينيّات شفاعة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و

سلّم) و وساطته، فإنّ اللّٰه سبحانه يقول وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ. نعم، للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) معجزة، يتصرّف في التكوين بإذن اللّٰه في موارد خاصّة، و هذا أمر غير التفويض، و اللّٰه العالم.

ما هو أهمّ إشكال على إثبات الولاية التكوينية للمعصوم؟ و هل يمكن التصالح بين المنكرين و المثبتين؟

باسمه تعالى الجواب عن هذا السؤال مذكور في كتاب صراط النجاة، الجزء الثالث، رقم السؤال 1225، صفحة 419.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 84

معنى الفعل و القوة المنسوبين إلى الصفات و الذوات

جاء في العقائد و علم الكلام: أن اللّٰه علمه بالفعل لا بالقوة، و الإنسان علمه بالقوة لا بالفعل، و كذا الوجود.

و السؤال هو: ما معنى الفعل و القوة التي تنسب الصفات و الذوات؟

باسمه تعالى إحاطة اللّٰه بالأشياء كلها إحاطة فعلية لا تتوقف على مقدمات، يقول اللّٰه سبحانه لٰا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لٰا فِي الْأَرْضِ و أما الإنسان فعلمه تحصيلي يتوقف على مقدمات حسية أو حدسية، ففي النتيجة يكون الإنسان عالماً بالقوة سواء كانت قوة قريبة أو بعيدة، و التفصيل يحتاج إلى إطالة لا يسعها المقام، و اللّٰه العالم.

هل يجوز أن يقول الموالي: إن الإمام المعصوم رزقني الأمر الفلاني، أو إنه يعلم الغيب من دون أن يقول: بإذن اللّٰه، علماً بأنه، أي القائل، يعتقد أن كل ذلك بتفويض من اللّٰه عز و جل؟

باسمه تعالى إذا لم يكن اعتقاده بأن اللّٰه هو الرازق و إن الإمام (عليه السّلام) واسطة في طلب الرزق الواسع أو المناسب من اللّٰه تعالى، بأن اعتقد أن الإمام هو الرازق لا الواسطة في الفيض، فالاعتقاد المزبور باطل؛ فإنه يدخل في التفويض الباطل، و أما علم الغيب فإنهم يعلمون بقدر ما

علمهم اللّٰه، قال اللّٰه تعالى عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلٰا يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلّٰا مَنِ ارْتَضىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً، و اللّٰه العالم.

القيم الدينية و الأخلاقية نسبية أم مطلقة؟

ما هو رأي الشارع المقدّس على المستوي الكلّي فيمن يرى أنّ القيم السماوية ليست مطلقة بل إنّ هناك حدوداً للقيم تنطلق من واقعية الإنسان في حاجاته الطبيعية في الأرض، و بعد أن يتحدّث عن استثناءات تشريعية كما في مسألة جواز

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 85

الكذب في بعض الموارد، و حرمة الصدق في بعض آخر يقول: على هذا الأساس فإن القيمة حتى في الأديان نسبية، القيمة الأخلاقية، و لهذا يقول الأصوليون: ما من عام إلا و قد خصّ؟

باسمه تعالى إنّ تقييد الأحكام الشرعية، كحرمة الكذب مثلًا بعدم الإضرار و نحوه ثبوتاً، أمر لا ربط له بقول الأُصوليين: «ما من عامّ إلّا و قد خصّ» لأنّ نظر الأصوليين في هذه المقالة لعالم الإثبات و الدلالة لا لمقام الثبوت، فالحكم الشرعي في مقام الثبوت إمّا مطلق من أوّل الأمر و إمّا ضيّق من أوّل الأمر، و لا يعقل فيه التخصيص و الاستثناء ثبوتاً.

و أمّا القيم الدينية و الأخلاقية فبعضها نسبي كقبح الكذب و حسن الصدق، و بعضها مطلق كقبح الظلم و حسن العدل، و اللّٰه الهادي للحقّ.

هل اللّٰه تعالى هو علة هذا الكون؟

هل اللّٰه تعالى هو علة هذا الكون؟

باسمه تعالى اللّٰه تعالى هو المنشئ للكون، و قد يكون الداعي منه هو خلق النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) كما يدل عليه ما ورد في الحديث من قوله تعالى مخاطباً نبيه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «لولاك لما خلقت الأفلاك»، و اللّٰه العالم.

العلّة الغائية

هل يصح وصف المعصومين (عليهم السّلام) بأنّهم علّة فاعلية و مادية و صورية و غائية للخلق، و ما حكم من اعتقد بذلك؟

باسمه تعالى إنّ خلق الدنيا و من فيها و كذا خلق الآخرة و من فيها و ما فيها كلّه من فعل اللّٰه عزّ و جلّ و مشيئته، و بما أنّ اللّٰه سبحانه و تعالى حكيم لا يخلق شيئاً عبثاً، فالغرض من خلق الدنيا و ما فيها هو أن يعرف الناس ربّهم، و يصلوا إلى كمالاتهم، بإطاعة اللّٰه سبحانه و تعالى،

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 86

و التقرّب إليه، و هذا يقتضي اللطف من اللّٰه بإرسال الرسل، و إنزال الكتب، و نصب الأوصياء و الأئمة (عليهم السّلام) ليأخذ الناس منهم سبيل الاهتداء، و بما أنّ الحكمة هي ما ذكر في الخلق حيث يفصح عنه قوله تعالى وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلّٰا لِيَعْبُدُونِ، و بضميمة قوله سبحانه خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً يعلم أنّ الغاية من خلق الإنس و الجنّ هي خلق الذين يعرفون اللّٰه سبحانه و يعبدونه، و يهتدون بالهدي، و السابقون على ذلك في علم اللّٰه سبحانه الذين يتخذون الحياة الدنيا وسيلة لكسب رضا ربّهم، و التفاني في رضاه، هم الأنبياء و الأوصياء و الأئمة (عليهم السّلام)، و السابقون في

هذه المرتبة هم نبيّنا محمّد و الأئمة الأطهار (عليهم السّلام) من بعده. و بذلك يصحّ القول أنّهم علّة غائية لخلق العباد، لا بمعنى أنّ الخالق يحتاج إلى الغاية، بل لأنّ إفاضة فيض الوجود بسبب ما سبق في علمه من أنّهم السابقون الكاملون في الغرض و الغاية من الفيض، و اللّٰه العالم.

الصراط و الميزان حقائق أم رموز؟

ما هو رأي الشارع الكريم فيمن يرى أنّ الصراط أمر رمزي فيقول: إنّ الكلمة لا تعبّر عن شي ء مادّي، فلم يرد في القرآن الحديث عن الصراط إلا بالطريق أو الخطّ الذي يعبّر عن المنهج الذي يسلكه الإنسان إلى غاياته الخيّرة أو الشريرة في الحياة، و بذلك يكون الحديث عن الدقّة في تصوير الصراط في الآخرة كناية عن الدقّة في التمييز بين خطّ الاستقامة و خطّ الانحراف؟ علماً بأنّ حديث المعصوم (عليهم السّلام) كثير في مجال تشخيص عينيّة الصراط و تجسّمه؟

باسمه تعالى الواجب على المسلم الاعتقاد بالصراط و الميزان و غيرها من أُمور الآخرة، على ما هي عليه في الواقع إجمالًا، و أنّها حقّ لا ريب فيه، و أمّا القول بأنّ الصراط أمر رمزيّ فهو قول بغير علم، بل ظاهر بعض النصوص كون الصراط أمراً عينياً، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 87

هل للّٰه تعالى علمان؟

هل للّٰه تعالى علمان، علم قديم و علم حادث؟

باسمه تعالى ليس علمه تعالى إلا قديماً كقدرته و لا يتوقف العلم بالحوادث على فعليتها و وجودها، فان التقديرية في الحوادث لا تعني تقديرية العلم بها. نعم، قد تكون مشيئته تعالى تقديرية و هي التي يعبر عنها بعالم المحو و الإثبات، قال تعالى يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ، و اللّٰه العالم.

إذا كان للّٰه علم حادث فما هو؟

إذا كان للّٰه علم حادث فما هو؟

باسمه تعالى قد بينا جوابه فيما سبق، و اللّٰه العالم.

إحياء الأموات بإذن اللّٰه (عزّ و جلّ)

ما رأي سماحتكم في الرواية الواردة في الكافي كتاب الحجّة باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهم السّلام) و التي فيها إحياء الإمام الكاظم عليه و على آبائه السلام لبقرة ميتة؟ و كيف يستقيم ذلك مع العقيدة الإسلامية، حيث إنّ اللّٰه هو المحيي المميت؟

باسمه تعالى إحياؤه يكون بإذن اللّٰه تعالى على فرض ثبوت الرواية، كإحياء النبي عيسى الموتى على نبيّنا و آله و عليه السلام، و اللّٰه العالم.

معنى وحدانية العدد

ورد في دعاء الإمام زين العابدين (عليهم السّلام) متضرعاً للّٰه تعالى: «لك يا إلهي وحدانية العدد، و ملكة القدرة الصمد». ما المقصود بوحدانية العدد؟ و هل يتفق ذلك مع

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 88

عقيدتنا في اللّٰه تعالى؟

باسمه تعالى المراد من وحدانية العدد: الذي لا ثاني له، حيث إنّ لكل نوع من أنواع الموجودات وحدة العدد يتكرر فإن اللّٰه علم بذاته لا ماهية له؛ لأن الماهية تتكرر بتكرر الموجود، و اللّٰه العالم.

مفهوم التوكل

الرجاء ذكر معنى التوكل؟

باسمه تعالى التوكل هو إيكال الأمر إلى اللّٰه تعالى بعد تهيئة المقدمات المتمكن منها بحسب العادة، و إلّا فلا يكون توكلًا، و اللّٰه العالم.

ماهيات الخلق

هل ماهيات الخلق مجعولة (حادثة) أو غير مجعولة (قديمة)؟

باسمه تعالى إن كان المراد من جعل الماهيات إعطاء الوجود لها فالمعطي للوجود هو اللّٰه سبحانه و تعالى، كما هو المعطي الوجود للإنسان و سائر المخلوقات، و إن كان المراد منها المفاهيم التي تنتزع من الوجود كما ينتزع من الإنسان (حيوان ناطق) فهذا مما انتزعه الناس و لو طائفة منهم، و التسمية لهذه الماهية باسم هل هي من اللّٰه سبحانه أو من الخلق أو بعضها من اللّٰه و بعضها من الناس ليس أمراً مرتبطاً بالدين، فالذي يجب الاعتقاد به أن الخالق لسائر المخلوقات هو اللّٰه سبحانه سواء كان الخلق بالواسطة أو بلا واسطة. ثم لا يخفى ان الصورة المثالية ليس من المفاهيم بل هي نحو من الوجود فيكون المعطي لها هو اللّٰه سبحانه، و الاعتقاد بأن الإنسان بعد الموت إلى يوم الحشر يكون له صورة مثالية أو يكون له بقاء بنحو آخر لم يكلف الناس الاعتقاد به بل يوكل علمه إلى اللّٰه سبحانه هو العالم بما خلق، كما هو الحال بالإضافة إلى خلق الأرواح قبل الأبدان، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 89

إذا كانت الماهيات مجعولة (حادثة)، فأين كانت حين ألقى اللّٰه تعالى التكليف عليها؟

باسمه تعالى قد تقدم أمر الماهيات المعروفة و بيّن في محله أن دار التكليف بعد الخلق و تحقق شرائطه، و أما خلق الأرواح فهو سابق على خلق الأبدان، و التكليف في عالم الذر كان للأرواح سواء بالصور المثالية أو بغيرها، و

هذا أمر آخر لا يرتبط بالاعتقادات الواجبة و لا يجب معرفتها على الناس، و يكفي الاعتقاد الإجمالي بعالم الذر على ما هو عليه في الواقع، و اللّٰه العالم.

مفهوم (اللّهمّ لا تمكر بي ..)

ما معنى هذه الفقرة المختارة من أحد الأدعية المستحب قراءتها «اللّهمّ لا تمكر بي و لا تخدعني و لا تستدرجني ..»، ما معنى المكر و ما معنى الخديعة و ما معنى الاستدراج؟ و هل العياذ باللّٰه اللّٰه سبحانه يخدع؟! باسمه تعالى معنى مكر اللّٰه سبحانه و خدعته هو جزاؤه الإنسان الماكر و الخادع على مكره و خديعته، كما ورد في الخبر أن اللّٰه عزّ و جلّ لا يسخر و لا يستهزئ و لا يمكر و لا يخادع، و لكنّه عزّ و جلّ يجازيهم جزاء السخريّة و جزاء الاستهزاء و جزاء المكر و الخديعة؛ فمعنى لا تمكر بي و لا تخدعني هو: لا تجزني بمكري و لا بخديعتي.

و الاستدراج هو الاستدناء إلى الهلاك، و في الخبر عن أبي عبد اللّٰه (عليهم السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لٰا يَعْلَمُونَ، قال هو العبد يذنب الذنب فتجدّد له النعمة معه تلهيه تلك النعمة عن الاستغفار من ذلك الذنب، فمعنى (و لا تستدرجني) هو: لا تجعلني ممّن يذنب الذنب و يجدد اللّٰه له النعمة فتلهيه تلك النعمة عن الاستغفار.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 90

المراد من وَ لٰا يَشْفَعُونَ إِلّٰا لِمَنِ ارْتَضىٰ

ذكر البعض: إنّ قوله تعالى وَ لٰا يَشْفَعُونَ إِلّٰا لِمَنِ ارْتَضىٰ «1» معناه: أنّ الإنسان إذا كان مرضياً مستحقّاً للمغفرة، فإنّ اللّٰه يكرّم نبيّه تكريماً صورياً بقبول شفاعته فيه، و إذا لم يكن مرضيّاً فلا شفاعة له، فالشفاعة منصب صوري، و ما ذكره بعض العرفاء من أنّنا لا نملك قابلية الخطاب مع اللّٰه تعالى فنتوسّل بالأئمة في ذلك باطل، بل الحقّ أنّه ليس بيننا و بين اللّٰه حجاب.

ما رأيكم في هذه المقالة؟ و هل هي موافقة لعقيدة

الشيعة؟

باسمه تعالى المراد من الشفاعة في الآية المباركة وَ لٰا يَشْفَعُونَ إِلّٰا لِمَنِ ارْتَضىٰ معناها الظاهر، و هو أن يطلب من صاحب الحقّ الإغماض عن تقصير المقصّر و عدم أخذه به لكرامة الشفيع و وجاهته عند اللّٰه، فإغماضه عن تقصير المقصّر و عدم أخذه به لكرامة الشفيع و وجاهته عنده أمر حسن عند العقل و العقلاء، و ليست الشفاعة بهذا المعنى أمراً صورياً.

و حيث إنّ ظاهر الآية المباركة ما ذكرنا، فيؤخذ به و لا تُرفع اليد عنه إلّا بقرينة عقلية أو نقلية، و العقل لا يرى مانعاً من شمول الرحمة الإلهية للعصاة بواسطة شفاعة الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام) تكريماً لهم لمقامهم عند اللّٰه تعالى و بذل أعمارهم الشريفة في نشر الدّين و إبلاغ أحكامه و إعلاء كلمته، و لا مانع عقلًا من قبول الشفاعة بل مطلق العفو على نحو التفضّل لا على نحو الاستحقاق.

كما أنّ المراد بمن ارتضى في الآية هو ارتضاء دينه، فلا يعمّ العفو المشرك لقوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ «2» و ليس المراد بالارتضاء استحقاق دخول الجنّة

______________________________

(1) سورة الأنبياء: الآية 28.

(2) سورة النساء: الآية 48.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 91

كما ذُكر في السؤال.

و أمّا النقل، فالروايات الواردة في شفاعة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) كثيرة، بل هي متواترة فلا مجال للنقاش فيها، و هذه هي عقيدة الشيعة المستفادة من الآيات و الأخبار الشريفة، و خلافها خروج عن عقيدة الشيعة.

مَا اللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبٰادِ

عقيدتنا في اللّٰه أنه غير ظالم بل عادل، و بصريح الآية المباركة وَ مَا اللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبٰادِ، إذن: ما ذنب ابن الزنا

لكي لا يجوز أن يصبح إمام جمعة أو جماعة؟

باسمه تعالى عدم إعطاء منصب الإمامة لا يكون ظلماً، بل للمصلحة الدينية، فإنها منصب شرعي، فالأنسب أن لا يتصدى لها من عليه مهانة عند الناس، و اللّٰه العالم.

مفهوم (المؤمن ينظر بنور اللّٰه)

ما معنى الحديث القائل: «المؤمن ينظر بنور اللّٰه»؟ و كيف ينظر بنور اللّٰه؟

باسمه تعالى المقصود به أن اللّٰه يفتح أمامه أبواب الرحمة و يسدده في سيره كما هو مضمون قوله تعالى وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّٰهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ، و اللّٰه العالم.

(لولاك لما خلقت الأفلاك ..)

جاء في الحديث: «لولاك يا محمد ما خلقت الأفلاك، و لو لا عليّ ما خلقتك، و لو لا فاطمة ما خلقتكما»، كيف نوجّه هذا الحديث؟

باسمه تعالى المراد مما ذكرتم أنه لو كان في علم اللّٰه سبحانه عدم وجود هذه السلسلة من الذوات المقدسة الطاهرة المطهرة (عليهم السّلام) لما خلق اللّٰه العالم على ما في الخبر، و كان الأمر كما كان قبل العالم، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 92

مفهوم الحديث (من أخّر الصلاة بدون عذر)

بالنسبة لتأخير الصلاة عن وقتها هناك حديث للرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقول: «من أخّر الصلاة عن وقتها بدون عذر فقد حبط عمله» فما معنى هذا الحديث؟ هل معناه: انه لا خير في كل عمل خيرٍ فعلهُ في ذلك اليوم؟

باسمه تعالى معنى هذا الحديث أن من أخّر الصلاة عمداً عن وقتها حتّى أصبحت قضاءً، فإن ذلك غير جائز و لا يتدارك وزره بعمل خير آخر، و اللّٰه العالم.

مفهوم قٰالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي

ما هو رأي علماء المذهب بالمقولة التالية المتعلّقة بالحديث عن آية قٰالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي «1»؟ و ما هو حكم من يقول بها؟ و هذه العبارة هي: «و لكنّنا قد لا نجد مثل هذه الأُمور ضارّة بمستوي العصمة، لأنّنا لا نفهم المبدأ بالطريقة الغيبية التي تمنع الإنسان مثل هذه الأخطاء في تقدير الأُمور، بل كلّ ما هنالك أنّه لا يعصي اللّٰه في ما يعتقد أنّه معصية، أمّا أنّه لا يتصرّف تصرّفاً خاطئاً يعتقد أنّه صحيح مشروع، فهذا ما لم نجد دليلًا عليه، بل ربّما نلاحظ في هذا المجال أنّ أسلوب القرآن في الحديث عن حياة الأنبياء، و نقاط ضعفهم يؤكّد القول بأنّ الرسالية لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري من حيث الخطأ في تقدير الأُمور».

باسمه تعالى إنّ الخطأ في تقدير الأُمور مع الاعتقاد بالصحّة ليس موجباً للمعصية حتّى يكون مورداً لطلب الغفران، مع أنّ الآية المباركة صرّحت بطلب الغفران، مما يدلّ على أنّ موردها أمر لا ربط له بالخطإ في تقدير الأُمور، بل المراد بالآية المباركة هو صدور بعض الأُمور التي لا تتناسب مع مقام النبي، كفرار يونس (عليه السّلام) من قومه، و إن لم تكن مخالفة لنهي

______________________________

(1) سورة الأعراف:

الآية 151.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 93

صادر من اللّٰه تعالى، فيكون صدورها موجباً لطلب الغفران من اللّٰه تعالى من باب أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين. و أمّا ما ذكر في السؤال فهو فاسد، لأنّنا لو جوّزنا على النبيّ الخطأ في تقدير الأُمور لم يحصل الوثوق بأوامره و نواهيه لجواز خطئه في إصدار الأمر عن اللّٰه تعالى مع عدم صدوره واقعاً، و لا يسع المقام للتفصيل بأكثر من المذكور، و اللّٰه العالم.

مفهوم آية أُولي الأمر

ما هو رأيكم الشريف في من يقول معلّقاً على آية أُولي الأمر (النساء: 95) في معرض تعقيبه على رأي (علماء الإمامية) الذين قالوا: «إنّ المراد بهم الأئمة الاثنا عشر المعصومون»، قال: إنّ الأمر بالطاعة لا يفرض دائماً عصمة الشخص المطاع، بل ربّما يكون وارداً في مجال تأكيد حجية قوله، كما في الكثير من وسائل الإثبات التي أمرنا اللّٰه و رسوله بالعمل بها و السير عليها، في الوقت الذي لا نستطيع تأكيد أنّها تثبت الحقيقة بشكل مطلق، و كما في الكثير من الأحاديث التي دلّت على الرجوع إلى الفقهاء الذين قد يخطئون و قد يصيبون في فهمهم للحكم الشرعي، و ذلك انطلاقاً من ملاحظة التوازن بين النتائج الإيجابية التي تترتّب على الاتّباع لهم، و بين النتائج السلبية. و في ضوء هذا فإنّنا لا نستطيع اعتبار الأمر بالطاعة دليلًا على تعيين المراد من أُولي الأمر بالمعصومين، بعيداً عن الأحاديث الواردة في هذا المجال ..

ثمّ قال: إنّ من الممكن السير مع الأحاديث التي تنصّ على أنّ المراد من أُولي الأمر الأئمة المعصومون مع الالتزام بسعة المفهوم، و ذلك على أساس الأسلوب الذي جرت عليه أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) في الإشارة إلى

التطبيق بعنوان التفسير، للتأكيد على حركة القرآن المستقبلية في القضايا الفكرية و العملية الممتدة بامتداد الحياة .. إلخ.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 94

باسمه تعالى إنّ الأمر الوارد في اتباع الفقهاء و العلماء و الأخذ بحديث الثقات من الرواة أمر إرشادي لحجّية قولهم كما قرّر في علم الأُصول، فلا بدّ من تقييده عقلًا بصورة عدم العلم بمخالفته للواقع، فإنّ جُعل شي ء طريقاً للواقع إنّما هو في فرض احتمال مطابقته للواقع.

و أمّا الأمر المذكور في الآية فهو أمر مولوي نفسي، و حيث إنّه لا يعقل إطلاق الأمر و شموله لصورة أمر النبي و أُولي الأمر (عليهم السّلام) بما فيه مخالفة لأمر اللّٰه تعالى، فلا محالة يكون مقتضى الإطلاق في الأمر بإطاعة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أُولي الأمر هو عصمة الشخص المطاع مطلقاً، فيكون المراد بأُولى الأمر الأئمة المعصومين (عليهم السّلام). و يؤكّده قرن الأمر بطاعتهم بالأمر بطاعة اللّٰه و رسوله، و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل.

مفهوم الآية عَبَسَ وَ تَوَلّٰى

ما هو رأيكم الشريف بمقولة من يرى أنّ آية عَبَسَ وَ تَوَلّٰى نزلت بمناسبة عبوس الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و إعراضه عند مجي ء عبد اللّٰه بن أم مكتوم؟

باسمه تعالى المروي عن الأئمة (عليهم السّلام) نزول الآية المذكورة في رجل كان في مجلس النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الآية المباركة عتاب و لوم لذلك الرجل الحاضر في مجلس النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و مما يؤكّد ذلك اشتمال السورة على مضامين لا تتناسب مع حديث القرآن الكريم عن شخصيّة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فمثلًا قوله تعالى أَمّٰا مَنِ

اسْتَغْنىٰ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّٰى وَ مٰا عَلَيْكَ أَلّٰا يَزَّكّٰى ظاهر في أنّ المقصود بهذه الآيات شخص من دأبه التصدّي للأغنياء و إعراضه عن الفقراء و عدم الاهتمام بتزكيتهم، و هذا مخالف صريح لقوله تعالى عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيٰاتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كٰانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلٰالٍ مُبِينٍ «1»، و كذلك قوله تعالى وَ أَمّٰا مَنْ جٰاءَكَ يَسْعىٰ وَ هُوَ يَخْشىٰ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّٰى

______________________________

(1) سورة الجمعة: الآية 2.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 95

ظاهر في أنّ الشخص المعهود من طبعه الصدود و الإعراض عن المؤمنين و هو مخالف صريح لقوله تعالى حديثاً عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، بل لازم صدور الصدود من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن المؤمنين هو المعصية لأنّه مأمور باستقبالهم و التواضع لهم في قوله تعالى وَ اخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

مفهوم الآية وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا

إذا نظرت إلى امرأة بشوق و ميل نفسي، فهل هذا جائز لي أو لا؟ إذا كان الجواب أنّه لا يجوز لي ذلك، فكيف لنا أن نجوزه للنبي المعصوم (عليه السّلام)، كما حاول بعضهم تفسير ما ورد في حق النبي يوسف (عليه السّلام) بذلك في الآية المباركة وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا؟ هل المقصود من الشوق و الميل النفسي الوارد في النص المتقدم هو النظر بشهوة و ريبة أم ماذا؟

باسمه تعالى معتقد الإمامية أنّ العصمة هي أن يكون لدى النبيّ أو الإمام حد

من العلم بعواقب المعصية و أثرها السيئ بحيث يمتنع عن فعلها و لا يرغب فيها و لا يميل إليها أصلًا مع قدرته على ارتكابها؛ فمثلًا الإنسان العادي إذا أدرك إضرار شرب البول فإنّه كما يمتنع عنه باختياره فكذلك يعرض عنه إعراضاً تاماً بحيث لا يميل و لا يرغب فيه، لعلمه بخبثه و قذارته مع قدرته على شربه، و كذلك العصمة، فإنّ المعصوم كما أنّه لا يقدم على المعصية فإنّه لا تنقدح في نفسه الشريفة رغبة فيها و لا ميل إليها؛ لعلمه بخبثها و قذارتها. و أمّا المقصود بقوله تعالى وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا لَوْ لٰا أَنْ رَأىٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ فهو أنّ الإغراء الّذي حصل ليوسف (عليه السّلام) مقتضٍ للميل و الهم و الرغبة، إلا أنّ يوسف (عليهم السّلام) لمّا كان متحلياً بنور العصمة و مطّلعاً على برهان ربّه من أول أمره، لم يقدم على المعصية و لم يقع في نفسه همّ و لا ميل إليها؛ لأنّ أصل الهم كان معلقاً على عدم رؤية برهان ربّه الذي هو نور العصمة، و اللّٰه الهادي للصواب.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 96

العرش و مفهوم آية الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ

ما هو الرد على هذه الشبهة في تفسير آية الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ؟ هناك من يقول استوى بمعنى استولى و هيمن، فهل ذلك يعني خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ، أي: استولى أو هيمن على العرش بعد أن خلق السماوات و الأرض، أي أن العرش موجود من قبل؟

باسمه تعالى العرش كناية عن مركز الإرادة و المشيئة الإلهية، و المشيئة من صفات الفعل المتعلق بمخلوقات السماوات و الأرض، فلا وجود لها قبل خلق السماوات و الأرض،

و اللّٰه العالم.

حديث الخيط الأصفر و حديث النورانية

هل حديث الخيط الأصفر و حديث النورانية المرويان في البحار صحيحان؟

باسمه تعالى على فرض صحتهما لهما تأويلات لا يسع المقام للتعرض لها، و ليس الاعتقاد بهما من الأمور الواجبة، و اللّٰه العالم.

الحديث القدسي

ما هو الحديث القدسي؟ هل هو كلام اللّٰه سبحانه و تعالى، أو كلام الرسول محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ و هل يجب الالتزام به و الأخذ بأوامره و نواهيه؟

باسمه تعالى ليس الحديث القدسي من القرآن؟ و لم يثبت له سند أنه من كلام اللّٰه أو من كلام النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ و لكن عمدة ما ورد فيه مطابق لحكمة العقل من المواعظ و الأخلاقيات، و اللّٰه العالم.

زيارة الناحية

ما رأيكم الشريف في زيارة الناحية المقدسة سنداً؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 97

باسمه تعالى هي من الزيارات المشهورة المعروفة لدى الشيعة، و اللّٰه العالم.

سند حديث الكساء

هل ثبت لديكم صحّة سند حديث الكساء؟

باسمه تعالى حديث الكساء مشهور، و الثواب المنقول يعطى للقارئ و المتوسل بقراءته، و من ورد في حقهم الحديث إلى اللّٰه سبحانه و تعالى عند الحاجات، و اللّٰه العالم.

دعاء التوسل

هل دعاء التوسل وارد عن أهل البيت (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى دعاء التوسل لا يحتاج إلى السند؛ فإن مضامينه التوسل بالأئمة (عليهم السّلام) الذي يدخل في قوله سبحانه و تعالى وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، و لا نعرف وسيلة غيرهم و غير من يتعلّق بهم، و مع ذلك فالمحكي عن المجلسي (رحمه اللّٰه) أنّه مرويّ عن الأئمة (عليهم السّلام)، مضافاً إلى ذلك أنه دعاء مجرّب لا ينبغي التردّد فيه، و اللّٰه العالم.

خطبة البيان و خطبة التطنجية

هل خطبة البيان و الخطبة التطنجية صحيحتان؟

باسمه تعالى الخطبتان غير ثابتتين بطريق معتبر و إن كانتا تشتملان على أمور و مطالب و مضامين وردت في بعض الروايات، و اللّٰه العالم.

أسئلة في الأدعية و مفاهيمها

يرجى بيان معنى العبارة الآتية التي وردت في دعاء رجب: «.. أسألك بما نطق فيهم من مشيّتك فجعلتهم معادن لكلماتك و أركاناً لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك و بينها إلّا أنّهم

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 98

عبادك و خلقك».

باسمه تعالى الضمير في (بينها) في قوله (لا فرق بينك و بينها) يعود إلى آياتك، المراد منها الأئمة (عليهم السّلام)، و منه يتّضح عود الضمير في قوله (إلّا أنّهم عبادك) فالمراد بهم الأئمة (عليهم السّلام)، و أمّا قوله: «أسألك بما نطق فيهم من مشيّتك» فهو إشارة إلى كلمته سبحانه و تعالى التي عبّر عنها في كتابه العزيز بقوله إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، و يدخل في ذلك ما ذكره سبحانه و تعالى في آية التطهير، و فيها دلالة واضحة على أنّ ما امتاز به الأئمة (عليهم السّلام) عن سائر الناس ليس أمراً كسبياً، بل هو أمر مما تعلّقت به مشيئة اللّٰه تعالى، كما هو ظاهر آية التطهير أيضاً. نعم، تعلّق المشيئة مسبوق بعلمه سبحانه بأنّهم يمتازون عن سائر الناس أيضاً في إطاعتهم للّٰه سبحانه و تعالى حتّى لو لم يعطهم ما تعلّقت به مشيئته كما ورد في دعاء الندبة، و اللّٰه العالم.

دعاء أيام رجب

قال الإمام الحجة في دعاء أيام رجب: «و أركاناً لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك و بينها إلّا أنهم عبادك و خلقك». ما هذه العلامات؟ ما معنى لا فرق بينك و بينها؟

باسمه تعالى كل شي ء من فضلهم و عظمتهم

مطوي في كلمة (عبادك) كما أن عظمة اللّٰه سبحانه و تعالى و جلاله مطوية في هذه الكلمة قال اللّٰه تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ فعطاؤهم (عليهم السّلام) من عطائه تعالى أي بإذنه إذناً تكوينياً لا تشريعياً، كما هو الحال في قصة عيسى (عليه السّلام) وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي، و قال تعالى هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ، و اللّٰه العالم.

عند الاستماع إلى الأدعية كدعاء كميل مثلًا، فهل الاستماع كقراءة الدعاء؟

باسمه تعالى الاستماع للدعاء عمل حسن و قراءته أفضل و أكمل، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 99

كيف توجهون قول الإمام (عليه السّلام) في الدعاء: «اللّهمّ إنّي أسألك من عزّتك بأعزّها و كلّ عزّتك عزيزة، اللّهمّ إنّي أسألك من رحمتك بأوسعها و كل رحمتك واسعة» و غيرها، ممّا يشعر ظاهراً بوجود تفاوت في الصفات المقدسة؟

باسمه تعالى الاختلاف في صفات الذات كالعلم و القدرة و نحوهما إنّما هو بالاعتبار، و إلّا فهي في الحقيقة متحدة، و أمّا صفات الأفعال كالخلق و الرزق و الرحمة فهي مختلفة لاختلاف متعلقاتها، كما أنّها تتفاوت بلحاظ سعة المتعلق و ضيقه أو قابليته، و اللّٰه العالم.

ما هو رأيكم الشريف بدعاء الفرج المبارك الذي فيه العبارة القائلة: «يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفياني فإنكما كافيان ..»؟

باسمه تعالى لا بأس بذلك لأنّه من باب التوسل بأهل البيت (عليهم السّلام) و هم الوسيلة إلى اللّٰه تعالى، و اللّٰه العالم.

تعودنا من خلال التزامنا بمحبة أهل البيت (عليهم السّلام) على إقامة الشعائر الدينية من احتفالات المواليد أو إقامة مجالس التعزية على أرواحهم الطاهرة، و الملاحظ أن الخطباء

يبدؤون قراءتهم دائماً بقولهم: «يا ليتنا كنا معكم فنفوز و اللّٰه فوزاً عظيماً ..». و كما هو معروف فإن ليت أداة تمنٍّ، و السؤال: هل حاجز البعد الزماني بيننا و بين الإمام الحسين (عليه السّلام) عذر كافٍ لعدم النصرة؟ أم أننا ما زلنا مكلفين شرعياً بالنصرة؟ و كيف يمكننا أداء هذا التكليف و نحن في هذا العصر؟

باسمه تعالى الكل مكلف بالنصرة و في كل زمان، إلّا أن النصرة في زمانه (عليه السّلام) كانت بنحو يختلف عن النصرة له (عليه السّلام) في زماننا هذا، فإن نصرة الإمام الحسين (عليه السّلام) في زماننا هذا عبارة عن ذكر جهاده و تبليغ ظلامته بكل وسيلة من وسائل التبليغ، فإن الدين أعز من كل شي ء، فقد بذل الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام) أنفسهم الطاهرة الزكية في سبيل بقائه. نعم المرتبة الخاصة للشهداء مع الحسين (عليه السّلام) لا نصل إليها، و لذلك نتمنى أن نكون معهم لنصل إلى بعض ثواب

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 100

أعمالهم. وفقنا اللّٰه و إياكم لهذه النصرة إنه سميع مجيب.

الدليل على نبوة آدم (عليه السلام)

تفضل علينا بذكر الأدلة من القرآن أو السنة التي تدل على نبوة آدم (عليهم السّلام)، فقد بدأ التشكيك في ذلك هنا من بعضهم مستنداً إلى قوله تعالى كٰانَ النّٰاسُ أُمَّةً وٰاحِدَةً فَبَعَثَ اللّٰهُ النَّبِيِّينَ، و يقول بأن هذه الآية تنفي نبوة آدم (عليه السّلام)، و أما الروايات الدالة على نبوته فقد رماها بالضعف بقوله إنها إسرائيليات.

باسمه تعالى الأدلة على نبوته كثيرة، و مما يدلّ عليها صريحاً معتبرة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لما مات آدم (عليه السّلام) فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة اللّٰه لجبرائيل (عليه

السّلام): تقدم يا رسول اللّٰه فصلِّ على نبي اللّٰه. فقال جبرائيل (عليه السّلام) إن اللّٰه أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم على أبرار ولده و أنت من أبرّهم، فتقدم فكبر عليه خمساً. الحديث ..»، و اللّٰه العالم.

قال اللّٰه تعالى يٰا بَنِي آدَمَ لٰا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطٰانُ كَمٰا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فإذا كان آدم (عليه السّلام) من المخلصين، فكيف استطاع الشيطان أن يؤثر عليه مع أنّه قد نفي تأثيره على المخلصين بقوله إِلّٰا عِبٰادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ؟! فإذا قيل إنّ الشيطان لم يؤثر عليه، فكيف تؤول هذه الآية؟

باسمه تعالى إنّ آدم (عليه السّلام) على ما في الرواية بعد هبوطه إلى الأرض ندم و بكى قرابة مائة سنة، و توسل إلى اللّٰه سبحانه و تعالى بحرمة الأئمة المعصومين، و بما أنّ اللّٰه سبحانه و تعالى كان عالماً أنّه إذا نزل إلى الأرض سيكون نادماً خاضعاً مقبلًا على ربه و بذلك يمتاز عن سائر الناس أعطاه العصمة كسائر الأنبياء على ما قرّرناه في أجوبة بعض الاستفتاءات، مضافاً إلى ذلك أنّ نهيه سبحانه و تعالى لم يكن تكليفاً بل إرشاداً إلى أن لا يظلم نفسه بإخراجه من الجنة، حيث إن قربه من الشجرة يوجب إخراجه من الجنّة إلى الدنيا و الدنيا، دار التكليف و الامتحان للإنسان، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 101

خلق آدم (عليه السلام)

ما المراد بالحديث المروي: «إن اللّٰه خلق آدم (عليه السّلام) على صورته»؟

باسمه تعالى أي خلقه على طبق مشيئته، أي على الصورة التي اختارها و اجتباها. و الرواية ضعيفة بعبد اللّٰه بن بحر حيث إنّه لم يوثق في الرجال. و على الجملة الإضافة كإضافة الروح إلى نفسه وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، و اللّٰه

العالم.

كيف نفهم دعوة الأنبياء إلى الدنيا؟

جاء في كتاب الآداب المعنوية للصلاة الفقرة التالية: «إن الذين يظنون أن لدعوة النبي الخاتم و الرسول الهاشمي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) جهتين دنيوية و أخروية، و يحسبون هذا فخراً لصاحب الشريعة و كمالًا لنبوّته، هؤلاء ليس عندهم معرفة بالدين، و هم عن مقصد النبوة و دعوتها غافلون .. إن الدعوة للدنيا خارجة عن مقصد الأنبياء العظام بالكلية، و يكفي في الدعوة إلى الدنيا حس الشهوة و الغضب و الشيطان الباطن و الظاهر، و لا يحتاج إلى بعث الرسل. إن إدارة الشهوة و الغضب لا تحتاج إلى القرآن و النبي، و إنما بُعث الأنبياء لينهوا الناس عن التوجه إلى الدنيا، و هم عند ما يقيدون إطلاق الشهوة و الغضب و يدعون لكبح جماحها إنما يحددون موارد المنافع، فيظن الغافل أنهم يدعون إلى الدنيا. الأنبياء يصدون عن طريق إطلاق الشهوات و يحددون قنواتها لا انهم يدعون إليها. إن روح الدعوة إلى التجارة المشروعة هي تقييد عن مطلق الكسب، و روح الدعوة إلى أكل المباحات هي نهي و صد عن أكل كل ما تشتهيه النفس، و روح الدعوة إلى النكاح (الشرعي) هي تقييد و حد أيضاً، نعم إنهم ليسوا معارضين و مانعين لهذه الأُمور على نحو الإطلاق، فإن هذه المعارضة مخالفة للنظام الأتم».

هناك من العلماء من يرى أن الإسلام دين و دنيا، و أن النظرة الأولى تنتهي إلى

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 102

الرهبنة و انتظار الموت و توقف عجلة الحياة و تخلف المسلمين عن ركب الحضارة، خصوصاً و أن في الأحكام الشرعية و المفاهيم الإسلامية ما يدعو للجمع بينهما، فما هو رأي سماحتكم؟

باسمه تعالى إن الدنيا خُلقت داراً

للامتحان و الابتلاء، و أما بعث الأنبياء و إرسال الرسل فلبيان التكاليف و الوظائف لامتحان العبد، يقول اللّٰه سبحانه و تعالى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيٰاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. و من المعلوم أن امتحان العباد بالنسبة إلى متطلبات نفس الإنسان، أي شهوته و غضبه و ما هو لوازم الحياة من الطعام و الشراب، يكون في رعاية التقييدات و التحديدات الواردة من اللّٰه سبحانه و تعالى بواسطة الأنبياء، بخلاف الأفعال التي لا تكون راجعة إلى متطلبات النفس و مقتضيات جهالتها كالعبادات، فالامتحان فيها في نفس العمل بتلك العبادات بخلاف المأكولات و المشروبات و متطلبات النفس، فإن امتحان العباد في رعاية التقييدات الواردة فيها. و بهذه الجهة يمكن أن يكون من أهداف بعث الأنبياء تدارك أمر العباد في عقبى الدار، و من يقول إن الدين الإسلامي راجع إلى إصلاح الدنيا و الآخرة نظره أيضاً أن في بعض هذه التقييدات أو أكثرها مصالح راجعة إلى دنيا العباد، كالنهي عن الزنا و السرقة و الأمر بالعدل إذا حكمتم و الأمر بموجب التكسب للإنفاق على العيال و نحو ذلك. و في ظني أن التعبيرات الواردة في المقام ترجع إلى ما ذكرناه، و اللّٰه العالم.

النّبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) طلب التخفيف في الصلاة عن الأمة

ما رأيكم في الرواية التي يذكرها (القمّي) في تفسيره، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و التي تذكر أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في انحداره ليلة المعراج مرّ على الكليم (عليه السّلام) فسأله عمّا فرض اللّٰه تعالى على أُمّته، فأجابه خمسون صلاة، فقال: إنّ أُمّتك لا تقدر عليها، فارجع إلى ربّك .. فرجع إلى

رسالة في لبس

السواد - الأنوار الإلهية، ص: 103

ربّه حتّى بلغ سدرة المنتهي .. إلى آخر الرواية، هل هي معتبرة من جهة الدلالة أو لا؟

باسمه تعالى الرواية بحسب السند لا بأس بها، فقد رواها الصدوق في (الفقيه) أيضاً، و قد ورد في بعض الروايات أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) طلب من ربّه تخفيف الصلاة عن الأُمّة، فخفّفها اللّٰه سبحانه إلى عشر ركعات، ثمّ أضاف إليها النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سبع ركعات. و طلبه هذا الأمر من ربّه إنما هو لإشفاقه على الأُمّة، و إجابة ربّه إليه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إنما هو كرامة له، كما ورد في بعض النصوص أنّ اللّٰه عز و جل فرض عشر ركعات، و فوّض أمر الزيادة على العشر ركعات إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

ملك الموت و مفهوم الاستئذان من النبي و الإمام (عليهم السلام)

هناك بعض الروايات الواردة تدلّ على أنّ ملك الموت (عليه السّلام) يستأذن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قبض روحيهما، فهل ذلك صحيح؟ و كيف يستقيم ذلك مع عقيدتنا في أنّ الملائكة لا يعصون اللّٰه في أمر و أنّهم يفعلون ما يؤمرون يَخٰافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ «1».

باسمه تعالى لا منافاة في ذلك؛ فإنّهم لو أمروا بالقبض بعد الاستئذان من صاحب الروح، يعصون اللّٰه في هذا الأمر و لا يقبضون قبل الاستئذان، و اللّٰه العالم.

قرب الرسل في المعراج

ورد في الدعاء: «فسويت السماء منزلًا رضيته لجلالك و وقارك و عزّتك و سلطانك ثم سكنتهما ليس فيهما غيرك». دعاء ليلة السبت ضياء الصالحين.

و ورد في قصة المعراج ما مضمونه لا تتركني يا أخي جبرائيل، قال لو اقتربت لاحترقت.

______________________________

(1) سورة النحل: الآية 50.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 104

هل تواجد اللّٰه في السماء غير تواجده في الأرض، و كيف كان قرب الرسل في المعراج أقرب إلى اللّٰه منه في الأرض، حتى إن جبرائيل لو اقترب احترق؟ كيف نوجّه ظاهر هذا الحديث؟

باسمه تعالى هذه مقامات خاصة للأنبياء و الملائكة (عليهم السّلام) فكل له مقام خاص لا يتجاوزه، و ليس المراد من الاقتراب القرب المكاني منه سبحانه و تعالى و هو الذي في السماء إله و في الأرض إله كما في الآية الشريفة، و اللّٰه العالم.

آباء النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) كانوا موحدين

هل دلالة قوله تعالى وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ تامّة في أنّ آباء النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كانوا كلّهم موحّدين أم لا؟

باسمه تعالى من عموم الساجدين في الآية المباركة يُستفاد أنّ آباء الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كانوا كلّهم موحّدين، و اللّٰه العالم.

النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) قبل الوحي

هل كان النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمياً قبل نزول الوحي عليه؟ و إذا كان كذلك أ لا يعتبر نقصاً فيه فينافي كونه معصوماً؟

باسمه تعالى نعم الرسول الأكرم كان أُمياً كما يحكي عن ذلك قوله سبحانه الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، و لا تنافي بين العصمة و الأمية؛ لأنّ العصمة هي كون الشخص بحيث لا ينقدح في نفسه الزكية الميل إلى ارتكاب الحرام و الاستمرار على المكروه أو ترك الوظيفة الشرعية، و لازم ذلك علمه بالوظائف و الوقائع و أحكامها من الحل و الحرمة و الواجب و غيره، و الأمية لا تلازم الجهل بالوقائع و أحكامها، و كان النبي عالماً

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 105

بذلك بطريق الوحي و الإلهام و الكتاب المنزل إليه الذي وصفه اللّٰه بالنور الذي أنزله معه، و المصلحة الكامنة في أُميته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تفوق كل مصلحة في خلافها، و ذلك لأنه لو لم يكن أمياً لأوهم شياطين زمانه من الكفار الناس بأن الكتاب الذي يدعي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنه وحي منزل هو تأليف نفسه، و قد فات عنهم هذه الوسيلة، و لذا اختاروا الإغواء بافتراء آخر فقالوا: إن الكتاب يعلمه الغير،

و ينظر إلى ذلك بالرد على الافتراء و الإغواء قوله سبحانه وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسٰانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هٰذٰا لِسٰانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ. نحمد اللّٰه الذي أعطى كل شي ء حقه، و أكمل الحجة على أهل العصور المتتالية بالكتاب المنزل مع نبيه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليكون معجزة خالدة لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و اللّٰه العالم.

فضل الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله) على الأنبياء (عليهم السلام)

ما يقول سماحتكم و قد طولبنا بالأدلة القاطعة و البراهين الساطعة على إثبات أن خاتم النبيين محمداً (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو أفضل الأنبياء و المرسلين على الإطلاق و من جميع الجهات، و أن ما ثبت لأهل بيته الميامين ما عدا النبوة من أنهم أفضل من سائر الأنبياء و المرسلين، علماً بأنّ مبلغنا من العلم هو مجموعة من الروايات التي لا يقتنع بها خصومنا من جهة، و عدم وثوقنا بقوة سندها من جهة أخرى؟

باسمه تعالى يدل على كونه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أشرف الأنبياء (عليهم السّلام) بقدومه آخر الأمر، قال اللّٰه سبحانه في كتابه المجيد وَ إِذْ قٰالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرٰاةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ .. إلى آخر الآية الشريفة، و لو لم يكن المبشر به أرقى و أشرف لم يكن وجه للبشارة، و البشارة إنما تكون إذا كان المترقب أشرف و أفضل كما لا يخفى، و إن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد أتعب نفسه الشريفة في رسالته و عمل بأكثر مما كلّف به كما يدل على

ذلك قوله تعالى طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 106

، و لم يرد في حق سائر الأنبياء أنهم أتعبوا أنفسهم و عملوا بأكثر مما كلفوا به، بل يظهر من بعض الأنبياء أنه كان يعتذر من بعض ما كلف به، و يكفي لمن له قلب بصير أن يتيقن و يجزم بأن نبينا محمداً (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أشرف الأنبياء. و لاحظوا أيضاً هذه النكتة و هي أن الكتاب المجيد نزل لجلب الناس إلى دين الحق و لو وقع التصريح في القرآن بأن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أفضل الأنبياء ربّما كان هذا منافياً للغرض مثل تبعيد النصارى عن المسلمين، و أيضاً أن آية المباهلة دلت على أن علياً (عليه السّلام) نفس النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لا فرق بين الأئمة (عليهم السّلام) كلّهم نور واحد. نعم، ليس لعلي (عليه السّلام) و لسائر الأئمة (عليهم السّلام) منصب الرسالة، و بذلك كان النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أفضل من علي (عليه السّلام)، و المراد من الرسالة في جوابنا هو الرسالة لنبينا (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الكاملة الخالدة، و إلّا مجرد مقام الرسالة و النبوة لا يوجب التقدم على منصب الإمامة، و اللّٰه العالم.

نفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله)

جاء في الجزء الأول من صراط النجاة (ص 462) في الجواب عن المسألة رقم (1294) نقلًا عن السيد الخوئي (قدّس سرّه): «القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية». و لم يرد لكم تعليق على الجواب، مما يعني الموافقة، فما هي الموضوعات الخارجية التي تكون خارجة

عن عهدة العصمة، فهل ترون منها قضية سواء بن قيس و القضيب الممشوق مثلًا مع رسول اللّٰه و دعاء الرسول له؟ نرجو توضيح ذلك.

باسمه تعالى مراده (قدّس سرّه) من العبارة المذكورة أن القدر المتيقن عند علماء الشيعة و الذي وقع عليه تسالمهم هو عدم إمكان السهو من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام) في تبليغ الأحكام الشرعية و بيان المعارف الدينية، و أما الموضوعات الخارجية فالصحيح فيها أيضاً هو عدم جواز السهو على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام)، إلّا أنه ذهب بعض علمائنا كالصدوق (رحمه الهّّٰ) و أُستاذه محمد بن الحسن بن الوليد و بعض آخر إلى جواز السهو فيها إذا كانت هناك مصلحة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 107

تقتضيه، مثل أن لا يتوهم الناس الألوهية فيهم، و استندوا في ذلك إلى بعض روايات وردت من طرقنا في نوم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الصلاة و سهوه في صلاته وفاقاً لما روي من طرق العامة، و نحن قد أجبنا عن ذلك في بحوثنا في كتاب الصلاة (مبحث أوقات الصلوات) و قلنا إن في نفس تلك الروايات الواردة عن أئمتنا (عليهم السّلام) قرينة تدل على أنها صدرت تقية و مراعاة لروايات العامة، و قد ذكرنا هناك أن الصحيح ما عليه مشهور علمائنا الأبرار من عدم إمكان السهو على النبي و الإمام صلوات اللّٰه عليهم حتى في الموضوعات الخارجية؛ لأن هذا مما يوهن أمر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام) و يوجب الارتياب و الشك للناس بالنسبة إلى بيان الأحكام

الشرعية أيضاً، و أما علم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام) بالنسبة إلى الموضوعات الخارجية فالقدر المتيقن منه عندنا أن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو الإمام (عليه السّلام) إذا كان في علمه بالموضوع مصلحة و أراد أن يظهر اللّٰه تعالى له واقع الأمر يظهره له، و أمّا قضية سواء بن قيس فظاهر المنقول فيها غير قابل للتصديق و كأن الواقعة على ما يظهر من بعض النقل لم تكن متحققة و إنما كان غرضه شيئاً آخر، و النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لكونه رؤوفاً و رحيماً بالأمة لم يظهر الخلاف، بل أظهر كأن ما يدعيه هو الواقع، و الوجه في عدم إمكان التصديق أن القصاص إنما يثبت في موارد الجناية عمداً، و هذا غير محتمل بالنسبة إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و اللّٰه العالم.

أقدمية الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله) على الخلق

ما رأي سماحتكم في أن الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أقدم الخلق في خلقه التكويني حتى من آدم (عليه السّلام)، و أن الرسول و آله (عليهم السّلام) خلقوا الخلق؟

باسمه تعالى المراد من الأقدمية في الخلق هو نوريته لا بدنه العنصري، و قد تقدم أن اللّٰه سبحانه هو الذي خلق المخلوقات، يقول اللّٰه سبحانه ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبُّكُمْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ خٰالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ، الوكالة لا تمنع الاستنابة في الخلق، و هذا ظاهر آيات كثيرة لا مجال لذكرها، و خلق بعض الأشياء من بعض كخلق المضغة من العلقة و خلق

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 108

الجنين من المضغة ليس معناه أن خالق

الجنين هو المضغة، بل اللّٰه خلقه منها، و من ذلك يظهر أن ما في بعض الروايات من أن (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا) أو أن اللّٰه خلق من نورهم بعض الخلق ليس معناه أن فاضل الطينة أو نورهم هو الخالق، بل الخالق هو اللّٰه كخلقه الإنسان من الطين، و اللّٰه العالم.

علم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام)

ينسب إلى سماحتكم أنّكم تعتقدون بأنّ علم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة الهداة (عليهم السّلام) علم حضوري و ليس حصوليّا، و أنّهم محيطون بكلّ ما يعلمه اللّٰه سبحانه، و أنّكم قلتم إنّ علمهم (عليهم السّلام) علم حضور و إحاطة لا علم حصول و إخبار. كما أنّه نُسب إليكم القول بأنّهم (عليهم السّلام) يخلقون و يرزقون و يحيون و يميتون، و كلّ ذلك بالقدرة الموجودة فيهم على فعل هذه الأشياء، و معنى هذا أنّ المعاجز ليست من فعل اللّٰه الذي يجريها على أيديهم، بل إنّه سبحانه جعلهم الفاعلين لكلّ ما ذكرناه، فهل هذا الكلام صحيح؟ و ما مدى صحّة ما نُسب إليكم؟

باسمه تعالى هذه النسبة غير صحيحة، نعتقد إجمالًا بأنّهم عالمون بما علّمهم اللّٰه تعالى تفضّلًا منه عليهم و تكرّماً لهم و إجابةً لما يحتاجون و يحتاج الناس إليه، و لهم الولاية التكوينية إجمالًا، و هم فاعلون بإذن اللّٰه التكويني فيما هو صلاح عندهم، و اللّٰه هو الخالق الرازق المحيي المميت.

العلوم التشريعية لأمير المؤمنين (عليه السلام)

إذا كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد منح بعض أصحابه كرُشيد الهجري و سلمان الفارسي علم المنايا و البلايا، فمن باب أولى أنّه (عليه السّلام) كان يحمل هذا العلم. إذن كان يعلم بأجله و وقت منيّته. على ضوء ذلك: ما هي فضيلة أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قضية المبيت على فراش النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليلة الهجرة، و هكذا بروزه لعمرو بن عبد ود يوم

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 109

الخندق، و غير ذلك من مواطن تعرّضه لحتفه؟

باسمه تعالى الذي يعلمه الإمام علي (عليه السّلام) هو ما كان في لوح المحو و

الإثبات، و العلم به لا ينافي المباشرة بأمر لا يعلم حاله في اللوح المحفوظ، و لذا كان الإقدام على أمر بتكليف من اللّٰه أو من رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سواء أ كان الأمر عامّاً أو خاصّاً لا ينافي ما يترتّب على الإطاعة من الفضيلة، مع عدم العلم بواقع ذلك العمل في اللوح المحفوظ، هذا أوّلًا. و ثانياً لم يثبت عندنا أنّ اللّٰه سبحانه يظهر للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فضلًا عن الأئمة (عليهم السّلام) في كلّ واقعة حقيقتها الواقعية، و إذا اقتضت المصلحة الإلهيّة خفاء أمرها عن النبي أو الإمام (عليهما السّلام) فتخفى عنهما، و لذا سأل علي (عليه السّلام) ليلة المبيت: «أو تسلم يا رسول اللّٰه»؟ و اللّٰه العالم.

رجوع الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام)

ورد في رواية أنّ الشمس رُدّت للإمام علي (عليه السّلام) بعد أن غربت:

أ) هذه الرواية ثابتة سنداً أم لا؟

ب) على فرض ثبوتها سنداً، أو لا يلزم من ذلك إعادة للمعدوم الذي ثبت استحالته؟

ج) و على فرض كلّ ذلك ثبوتاً، أو لا يلزم من ذلك أنّ الإمام (عليه السّلام) أخّر الصلاة حتّى خرج وقتها؟

باسمه تعالى أ) نعم، هي ثابتة سنداً، و اللّٰه العالم.

ب) زوال وصف الشي ء ثمّ إعادته ليس من إعادة المعدوم، و اللّٰه العالم.

ج) التأخير في موارد المزاحمة مع الأهمّ لا محذور فيه، و اللّٰه العالم.

إمامة الإمام علي (عليه السلام) في حياة الرسول (صلّى اللّٰه

عليه و آله) هل كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) إماماً في حياة الرسول؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 110

باسمه تعالى جعلت الإمامة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) من الأول و إن كانت فعلية الإمامة بعد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و كذا سائر الأئمة (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

حضور الإمام علي (عليه السلام) في القبر

هل الروايات الواردة في شأن حضور أمير المؤمنين (عليه السّلام) في القبر و عند المحتضر تدلّ على الحضور الحقيقي و على فرضه كيف يستقيم ذلك مع فكرة أنّ الشي ء المحدود لا يتعدّد وجوده في عدّة أماكن في آن واحد أو أنّها تُوجّه و تُؤوّل ببعض التأويلات، كما ادّعى البعض أنّها تدلّ على رؤية الموالي آن ذاك لثمرة تولّيه لأمير المؤمنين و سيّد الوصيين (عليه أفضل الصلاة و السلام)؟

باسمه تعالى يحضر بوجوده النوري لا بوجوده المادّي؛ فإنّ الوجود النوري مخلوق قبل وجوده المادي كما في بعض الروايات المعتبر بعضها، و لا يترتب على وجوده النوري شي ء من المحاذير التي ذُكرت بأنّه كيف يتعدّد وجوده في أمكنة متعدّدة في آن واحد، و اللّٰه العالم.

حول الشهادة الثالثة

هل يجوز قراءة الشهادة الثالثة (أشهد أن علياً ولي اللّٰه) في الصلوات الواجبة و المستحبة بعد الشهادتين؟ و هل تبطل الصلوات بقراءتها؟ و هل يجوز قراءتها استحباباً أو بقصد غير جزئيتها؟

باسمه تعالى الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) بالولاية من شعائر الشيعة و اتباع مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) و لا تترك في الأذان بعنوان شعار المذهب، و لا بأس بذكرها بعد الشهادتين في جميع الصلوات المستحبة، و كذا في الإقامة، و أما في صلاة الفريضة ففي المقام كلام لا يتسع له المجال، و الأحوط تركها فيها، و تذكر في تعقيباتها. ثبتنا اللّٰه و إياكم على ولاية الإمام علي بن أبي طالب و الأئمة من بعده (عليهم السّلام).

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 111

حصل في الآونة الأخيرة بعض التشكيكات حول الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السّلام) خصوصاً في الأذان. فما هو رأيكم الشريف بها

في الأذان؟

باسمه تعالى الشهادة الثالثة في الأذان صارت شعاراً للشيعة و يجب حفظ شعار الشيعة لتبليغ الأمر بالوصاية للناس، خصوصاً في هذا الزمان حيث تكاثرت الهجمات ضد عقائد الشيعة من مخالفيهم، و الشهادة الثالثة لعلي (عليه السّلام) بالولاية ليست جزءاً لا من الأذان و لا من الإقامة، و إنّما هي تبليغ للوصاية بعد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كما أن الشهادة بالرسالة تبليغ للرسالة، و قد ورد في الروايات ما مضمونه (إذا قلتم لا إله إلا اللّٰه محمد رسول اللّٰه فقولوا علي ولي اللّٰه)، و اللّٰه المستعان و الهادي إلى سواء السبيل.

بيعة الغدير

هل بيعة الغدير بيعة تنصيب للإمام علي (عليه السّلام) أو ترشيح؟

باسمه تعالى هي نصب للخلافة بأمر من اللّٰه سبحانه و تعالى حيث إنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أخبر بولايته (عليه السّلام) بداعي النصب كما هو مدلول قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» و لم يعلقها باختيار النّاس، و لو كان ترشيحاً لقال: أيها النّاس أنتم مخيرون في أمركم من بعدي لا أن يقول: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، كما قال ذلك باتفاق الفريقين، و اللّٰه العالم.

نهج البلاغة

هل يعتبر نهج البلاغة موثوقاً بكل ما فيه من خطب و كلمات للإمام علي (عليه السّلام)؟

باسمه تعالى كتاب نهج البلاغة بخطبة و غيرها من كلمات الإمام علي (عليه السّلام)، صدوره من الإمام (عليه السّلام) معلوم إجمالًا، و بعض ما ورد فيه من الخطب موجودة في كتب قبل تأليف الشريف الرضي، و بعض الخطب مروية بطريق صحيح كعهده (عليه السّلام) لمالك الأشتر (رضى اللّٰه عنه)، و قد ألفت كتب متعددة مرتبطة بهذا الكتاب يمكنكم مراجعتها، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 112

الإمام علي (عليه السلام) و قضية نصب زياد عاملًا

نحن نعلم بأن زياد بن أبيه ابن زنا، إلّا أن الإمام علياً أمير المؤمنين (عليه السّلام) استعمله على كرمان و فارس خلال فترة خلافته، و نعلم بأن العامل هو الذي يقيم الجمعة و الجماعة في منطقة ولايته، فكيف يستقيم ذلك و هو غير طاهر الولادة؟ و كيف نوجه استعمال أمير المؤمنين (عليه السّلام) له رغم ذلك؟

باسمه تعالى على تقدير صحة هذا الأمر و نصب الإمام (عليه السّلام) لزياد حتى لصلاة، الجمعة، فقد عاش الإمام (عليه السّلام) ظرف تقية في زمان ولايته، و لم يكن باستطاعته تغيير أمور كثيرة كان (عليه السّلام) يريد تغييرها، و قضية صلاة التراويح قضية مشهورة، و تعيين شريح القاضي الذي أفتى أخيراً بقتل سيد الشهداء (الحسين خرج عن دين جده فليقتل بسيف جده)، و من مظلوميته (عليه السّلام) مسألة تعيين زياد بعد أن لم يكن في رأي القوم اعتبار طهارة المولد في إمامة الجماعة و ظاهر ولادته على فراش أبيه، و اللّٰه العالم.

الصديقة الطاهرة (عليها السلام) و الشبح النوري

هل يجوز الاعتقاد بأنّ الصديقة الطاهرة السيّدة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) تحضر بنفسها في مجالس النساء في آن واحد، في مجالس متعدّدة بنفسها و دمها و لحمها؟

باسمه تعالى الحضور بصورتها النورية في أمكنة متعدّدة في زمان واحد لا مانع منه، فإنّ صورتها النورية خارجة عن الزمان و المكان، و ليست جسماً عنصرياً ليحتاج إلى الزمان و المكان، و اللّٰه العالم.

أنوار فاطمة (عليها السلام) قبل خلق الوجود

شكّك بعض المؤلّفين في هذه المقالة: إنّ أهل البيت بضمنهم فاطمة (سلام اللّٰه عليها) خُلقوا أنواراً قبل خلق الوجود، و ذكر أنّ الروايات في هذا الباب ضعيفة السند، فما

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 113

رأيكم في هذه المسألة؟ و هل هي من الأُمور المجمع عليها من الشيعة أو من الأُمور المشهورة الثابتة بنصوص معتبرة؟

باسمه تعالى قد ورد في الأخبار الكثيرة أنّ اللّٰه خلق نور فاطمة (سلام اللّٰه عليها) من نوره قبل خلق آدم، يحتمل الكذب و الوضع في جميعها، كما ورد في معاني الأخبار بسند معتبر عن سدير عن الإمام الصادق (عليه السّلام) «1» صحّة مثل هذه الأُمور، و الاعتقاد بذلك و إن لم يكن واجباً و لم يكن من ضروريات المذهب من كمال الاعتقاد، فمن اكتسبه من مصادره باليقين و الاطمئنان فقد فاز به.

شبح الزهراء (عليها السلام) النوري قبل خلق آدم (عليه السلام)

شكّك أحدهم في الروايات الواردة في أنّ نور فاطمة (سلام اللّٰه عليها) قد خُلق قبل أن يخلق اللّٰه الأرض و السماء، ما رأيكم بذلك؟ علماً بأنّ التشدّد السندي لا يخرج بعض الروايات من دائرة الاعتبار، كما نرى ذلك في رواية سدير الصيرفي التي يذكرها الشيخ الصدوق في معاني الأخبار (ص 396 باب نوادر المعاني، ح 35).

باسمه تعالى ورد في بعض النصوص و منها معتبر أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و آله المعصومين و منهم الزهراء (سلام اللّٰه عليها) كانوا موجودين بأشباحهم النورية قبل خلق آدم (عليه السّلام)، و خلقتهم المادّية متأخّرة عن خلق آدم كما هو واضح، و اللّٰه العالم.

خلق فاطمة (عليها السلام)

ما رأيكم فيمن يقول عن الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و طبيعة ذاتها الشريفة، و كذا عن السيدة زينب و خديجة الكبرى و مريم و امرأة فرعون، ما نصّه: «و إذا كان بعض الناس يتحدّث عن بعض الخصوصيّات غير العادية في شخصيات هؤلاء النساء، فإنّنا لا نجد هناك

______________________________

(1) معاني الأخبار: ص 396، ح 53.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 114

خصوصيّة إلّا الظروف الطبيعية التي كفلت لهنّ إمكانات النموّ الروحي و العقلي و الالتزام العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النموّ الذاتي .. و لا نستطيع إطلاق الحديث المسئول القائل بوجود عناصر غيبية مميّزة تخرجهنّ عن مستوى المرأة العادية؛ لأنّ ذلك لا يخضع لأيّ إثبات قطعي ..»!!

باسمه تعالى هذا القول باطل من أساسه، فإنّ خلقة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) كخلقة الأئمة (عليهم السّلام) قد تمّت بلطف خاص من اللّٰه سبحانه و تعالى، لعلمه بأنّهم يعبدون اللّٰه مخلصين له الطاعة، و لا غرابة في اختصاص

خلقة الأولياء بخصوصيات تتميّز عن سائر الخلق كما يشهد به القرآن الكريم في حقّ عيسى بن مريم (عليه السّلام)، و قد ورد في الأخبار الكثيرة المشتملة على الصحيح ما يدلّ على امتياز الزهراء (سلام اللّٰه عليها) نحو ما ورد عند العامّة و الخاصّة من تكوُّن نطفتها من ثمر الجنّة، و ما ورد في تحديثها لأُمّها خديجة و هي جنين في بطنها، و ما ورد من نزول الملائكة عليها كما في صحيح أبي عبيدة عن الصادق (عليه السّلام) أنّ فاطمة مكثت بعد أبيها خمسةً و سبعين يوماً، و قد دخل عليها حزن شديد على أبيها، و كان يأتيها جبرئيل فيحسن عزائها و يطيّب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه و ما يكون بعدها في ذريتها، و كان علي (عليه السّلام) يكتب ذلك.

و ما جرى عليها من الظلم أمر متواتر إجمالًا بلا حاجة للاستدلال عليه كما يشهد له خفاء قبرها إلى الآن و دفنها ليلًا! و ما يكتب و ينشر في إنكار خصوصية خلقها، و إنكار ظلامتها، فهو مشمول الحكم بكتب الضلال.

مرتبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

أين تقع رتبة الزهراء بين سائر الأئمة؟

روي أن الإمام العسكري قال في الزهراء (هي حجة علينا)، ما المراد بالحجة؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 115

هل الحديث الدال على أن الزهراء كُف ء عليّ يدل على اتحاد الرتبة؟

هل حديث «روحي التي ..» يدل على اتحاد رتبة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) مع الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟

ورد في زيارة الباقر (عليه السّلام): «يا ممتحنة امتحنك اللّٰه الذي خلقك قبل أن يخلقك»، ما المراد بذلك؟

باسمه تعالى مما روى عن الإمام العسكري (عليه السّلام) كان عند الأئمة مصحف فاطمة (سلام اللّٰه عليها) و

هو حجة على الأئمة في بعض أمورهم؛ لأن فيه علم ما كان و ما يكون، كما في الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السّلام) «و عندنا مصحف فاطمة ..»، و أما كمالات النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمير المؤمنين (عليه السّلام) و الزهراء (سلام اللّٰه عليها) كل في رتبة مقام نفسه تامة، إلّا أن رتبة أحدهم بالإضافة إلى الآخر مختلفة، فرتبة النبوة متقدمة على رتبة الوصاية، و رتبة الوصاية متقدمة على رتبة الكفاءة المذكورة في الحديث الوارد في حقها، فكما لا يعني قوله تعالى في آية المباهلة وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ، ثبوت النبوة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) كذلك لا يعني الحديث المذكور في حق الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و انها كُف ء لعلي (عليه السّلام) و إن علياً (عليه السّلام) كُف ء لها (سلام اللّٰه عليها) لا يدل على أن لها (سلام اللّٰه عليها) رتبة الوصاية، و كذا ما ورد في حقها من قول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بحق الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و انها روحه التي بين جنبيه لا يدل على أن لها (سلام اللّٰه عليها) رتبة النبوة. و أما الامتحان المذكور في زيارة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) فالمراد به علم اللّٰه بما يجري عليها و صبرها على جميع الابتلاءات السابقة على وجودها المادي الخارجي ممّا أوجب إعطاءها المقام الخاص بها كما هو جار في سائر الأئمة (عليهم السّلام)، و يدلُّ على ذلك جملة من الأدلة منها ما ورد في حقهم في دعاء الندبة المعروف المشهور، و اللّٰه العالم.

الزهراء (عليها السلام) و أحزانها

ذكر بعض المؤلّفين: أنّ بعض الحديث عن أحزان الزهراء (سلام اللّٰه عليها) غير دقيق، أتصوّر

رسالة في لبس السواد

- الأنوار الإلهية، ص: 116

أنّ الزهراء (سلام اللّٰه عليها) لا شغل لها في الليل و النهار إلّا البكاء، و لا أتصوّر أنّ الزهراء (سلام اللّٰه عليها) تبكي حتّى ينزعج أهل المدينة من بكائها، مع فهمها لقضاء اللّٰه و قدره، و أنّ الصبر من القيم الإسلامية المطلوبة حتّى لو كان الفقيد في مستوى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

فهل كثرة بكاء الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و زين العابدين (عليه السّلام) أمر ثابت عند الشيعة أو لا؟

و هل كان بكاؤهما عاطفيا محضاً أو كان وظيفة يمارسها المعصوم لهدف من الأهداف؟ و على فرض كونه عاطفيّاً فهل يتنافى مع التسليم لقضاء اللّٰه و قدره، خصوصاً مع كون الفقيد هو المصطفى (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟

باسمه تعالى ليس المراد ببكاء الزهراء (سلام اللّٰه عليها) ليلًا و نهاراً استيعاب البكاء لتمام أوقاتها الشريفة، بل هو كناية عن عدم اختصاصه بوقت دون آخر، كما أنّ البكاء إظهاراً للرحمة و الشفقة لا ينافي التسليم لقضاء اللّٰه و قدره، و الصبر عند المصيبة، فقد بكى النّبي يعقوب (عليه السّلام) على فراق ولده يوسف حتى ابيضّت عيناه من الحزن، كما ذكر في القرآن، مع كونه نبيّاً معصوماً.

و بكاء الزهراء (سلام اللّٰه عليها) على أبيها كما كان أمراً وجدانياً لفراق أبيها المصطفى (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقد كان إظهاراً لمظلوميتها و مظلوميّة بعلها (عليه السّلام) و تنبيها على غصب حقّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الخلافة، و حزناً على المسلمين من انقلاب جملة منهم على أعقابهم، كما ذكرته الآية المباركة أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ بحيث ذهبت إتعاب الرسول (صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلّم) في تربية بعض المسلمين سدىٰ.

كما أنّ البكاء على الحسين (عليه السّلام) من شعائر اللّٰه، لأنّه إظهار للحق الذي من أجله ضحّى الحسين (عليه السّلام) بنفسه، و إنكار للباطل الذي أظهره بنو أُميّة، و لذلك بكىٰ زين العابدين (عليه السّلام) علىٰ أبيه مدّة طويلة، إظهاراً لمظلومية الحسين (عليه السّلام) و انتصاراً لأهدافه. و لا يخفى أنّ بكاء الزهراء و زين العابدين (عليهما السّلام) فترة طويلة من المسلّمات عند الشيعة الإماميّة.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 117

الزهراء (عليها السلام) و ضلعها المكسور

لقد ناقشني أحد الإخوة حول مظلومية الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و كسر ضلعها فقال: إن كسر الضلع لم يثبت عن طريق الأئمة (عليهم السّلام)، ما هو رأيكم؟

باسمه تعالى مظلومية الزهراء (سلام اللّٰه عليها) من المسلمات و لا يحتاج ثبوتها إلى أزيد من أنها أوصت بدفنها ليلًا لئلّا يحضر جنازتها من ظلمها و أخفي قبرها، و اللّٰه العالم.

ظلامات الزهراء (عليها السلام)

ما رأيكم في مقولة من يقول: أنا لا أتفاعل مع كثير من الأحاديث التي تقول أنّ القوم كسروا ضلعها أو ضربوها على وجهها و ما إلى ذلك .. و عند ما سئل: كيف نستثني كسر ضلع الزهراء مع العلم بأنّ كلمة (و إن) التي أطلقها أصل المهاجمة أعطت الإيحاء، أضف إلى ذلك: كيف نفسّر خسران الجنين محسن؟ أجاب: قلت: إنّ هذا لم يثبت ثبوتاً بأسانيد معتبرة، و لكن قد يكون ممكناً، أمّا سقوط الجنين فقد يكون بحالة طبيعيّة طارئة؟!! باسمه تعالى كفى في ثبوت ظلامتها و صحّة ما نقل من مصايبها و ما جرى عليها خفاء قبرها و وصيّتها بأن تُدفن ليلًا إظهاراً لمظلوميّتها (سلام اللّٰه عليها)، مضافاً لما نُقل عن عليّ (عليه السّلام) من الكلمات في الكافي (ج 1، ص 458) عند ما دفنها، كما في مولد الزهراء (سلام اللّٰه عليها) من كتاب الحجّة قال (عليه السّلام): «و ستنبئك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فاحفها السؤال و استخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلًا، و ستقول و يحكم اللّٰه، و اللّٰه خير الحاكمين».

و قال (عليه السّلام): «فبعين اللّٰه تُدفَنُ ابنتك سرّاً و يهضم حقّها و تمنع إرثها، و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر، و إلى اللّٰه يا رسول اللّٰه

المشتكى».

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 118

و في الجزء الثاني من نفس الباب بسند معتبر عن الكاظم (عليه السّلام) قال: «إنّها صدِّيقة شهيدة». و هو ظاهر في مظلوميّتها و شهادتها.

و يؤيّده ما في البحار (ج 43، باب رقم 11) عن دلائل الإمامة للطبري بإسناده عن كثير من العلماء عن الصادق (عليه السّلام): «و كان سبب وفاتها أنّ قنفذاً أمره مولاه فلكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً»! و اللّٰه الهادي للحق.

الاعتقاد بظلامات الزهراء (عليها السلام) له مساس تام بالولاية

أ في نظركم أنّ الظلامات التي تعرضت لها أمّ الأئمة الأطهار فاطمة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) من قبل الحاكمين في ذلك الوقت مثل: (غصبها فدكاً، و الهجوم على دارها، و كسر ضلعها، و إسقاط الجنين المسمّى بمحسن بن علي (عليه السّلام)، و لطمها على خدها، و منها البكاء على فقد أبيها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و ما إلى ذلك من ظلامات) لها ارتباط بصميم عقائدنا من التوحيد و النبوة و الإمامة و المعاد .. أم لا؟

باسمه تعالى إنّ ما ثبت من الظلامات الكثيرة التي جرت على الصديقة الزهراء فاطمة (عليه السّلام) لها مساس تام بالولاية التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام، و هو صريح عدة من النصوص المعتبرة منها صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية». و يظهر مساس هذه الظلامات بالولاية لمن تأمل و تمعّن في ملابسات هذه الحوادث و دوافعها، و اللّٰه العالم.

مصحف فاطمة (عليها السلام)

ذكر بعض المؤلّفين أنّ الزهراء (سلام اللّٰه عليها) أوّل مؤلّفة في الإسلام، فإنّها كانت تكتب ما تسمع من أبيها المصطفى (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من أحكام و مواعظ و جمعت في كتاب و سُمّي مصحف فاطمة، ما رأيكم في هذه المقالة؟ و هل هي موافقة لمعتقد الشيعة في مصحف فاطمة؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 119

باسمه تعالى المراد بمصحف فاطمة (سلام اللّٰه عليها) ما ورد في الروايات المعتبرة في الكافي من «أنّ ملكاً من الملائكة كان ينزل على الزهراء (سلام اللّٰه عليها) بعد وفاة أبيها و يسلّيها و يحدّثها بما يكون من الأُمور،

و كان عليّ (عليه السّلام) يكتب ذلك الحديث، فسُمّي ما كُتب مصحف فاطمة» «1».

فهو ليس قرآناً كما توهّمه أو افتراه أعداء الشيعة، و لا كتاباً مشتملًا على الأحكام كما ذكر في السؤال، بل ذلك غريب مخالف للنصوص المعتبرة، كما أنّه لا غرابة في حديث فاطمة (سلام اللّٰه عليها) مع الملائكة، فقد ذكر القرآن أنّ الملائكة حدَّثت مريم ابنة عمران وَ إِذْ قٰالَتِ الْمَلٰائِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ الْعٰالَمِينَ «2»، و من المعلوم عندنا نحن الشيعة أفضليّة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) على مريم ابنة عمران، كما ورد في النصوص المعتبرة من أنّ مريم سيّدة نساء عالمها و أنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين.

هل يوجد لدى الشيعة قرآن أو مصحف يسمى قرآن أو مصحف فاطمة (عليه السّلام) غير القرآن الذي بين أيدينا؟

باسمه تعالى دعوى أنّ عند الشيعة قرآن غير القرآن المعروف عند سائر المسلمين افتراء عليهم؛ فلا يوجد عند علماء الشيعة و لا عند عوامهم غير هذا القرآن المعروف عند كل مسلم، و أمّا ما عرف عندهم من وجود مصحف فاطمة (سلام اللّٰه عليها) فليس هو بالقرآن و إنّما هو أمور أمليت على فاطمة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و هو محفوظ عند الأئمة (عليهم السّلام)، و ليس عند علماء الشيعة. و اللّٰه المستعان.

عصمة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

هل الاعتقاد بعصمة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) من ضروريات مذهبنا؟

باسمه تعالى نعم، هي من ضروريات مذهبنا كعصمة سائر الأئمة (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الكافي: ج 1، ص 240، ح 2 و ص 241، ح 5.

(2) سورة آل عمران: الآية 42.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 120

امتحان الصدِّيقة (عليها السلام) في عالم الذر

جاء في زيارة الصديقة الشهيدة الزهراء البتول (سلام اللّٰه عليها) ما نصّه: «امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك و كنت لما امتحنك به صابرة». فما هو تفسير الامتحان قبل الخلق، و كونها (سلام اللّٰه عليها) صابرة؟

باسمه تعالى لعلّ الامتحان راجع إلى عالم الذر، و خلق الأرواح في الصور المثالية قبل خلق الأبدان، و اللّٰه العالم.

الصدِّيقة الطاهرة (عليها السلام) في آية المباهلة

بالنظر إلى آية المباهلة، و ما تظافرت به الروايات و الزيارات (كزيارة الجامعة الكبيرة مثلًا) هل يمكن القول بأنّ الأئمة الاثني عشر و الزهراء (سلام اللّٰه عليها) هم أفضل من الخلق كافّة، سوى الرسول الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟

باسمه تعالى نعم، القول المزبور متعيّن بالنظر إلى الآية و الروايات المشار إليها، و يؤيدها الزيارات.

الصدِّيقة الطاهرة (عليها السلام) في آية التطهير

هل تعني آية التطهير إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أنّ الزهراء (سلام اللّٰه عليها) طاهرة من كلّ خبث حتّى من الدماء الثلاثة؟

باسمه تعالى الآية تدلّ على الطهارة النفسانية المختصّة بالمعصومين (عليهم السّلام) بحيث لا يتوهم في حقّهم (عليهم السّلام) فعل المعصية أو ترك الواجب، و أمّا الطهارة الجسدية فليست داخلة في مدلول الآية. نعم، الزهراء (عليهم السّلام) مطهّرة من الدماء الثلاثة، حيث ورد في حقّها في الرواية المعتبرة أنّها لا ترى دماً، و أنّ بنات الأنبياء لا يطمثن، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 121

فدك

يقال إنّه لو كان لفاطمة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) حقّ بفدك لأعاد الإمام علي (عليه السّلام) هذا الحقّ لأصحابه في زمن خلافته؛ لأنّه كان قادراً على ذلك.

باسمه تعالى لو أرجع (عليه السّلام) فدكاً لاتهم بالخيانة و اغتنام الفرصة، حيث كان أكثر الناس في ذاك الزمان على ضلال و جهالة، و كانوا يعتقدون صحّة فعل الأوّلين أو على الأقل احتمالهم صحّته، و اللّٰه العالم.

أسئلة حول فعل و تقرير فاطمة الزهراء (عليها السلام)

هل فعل و تقرير الزهراء (سلام اللّٰه عليها) داخل في السنة، أي حجة، أم لا؟

باسمه تعالى فعلها و قولها (سلام اللّٰه عليها) معتبران كاعتبار فعل و قول الإمام (عليه السّلام)، و حكم تقريرها كحكم تقرير الإمام (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

ذكر اسم فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الأذان

هل يجوز ذكر فاطمة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) في الأذان بقصد الاستحباب أو لا؟ و هل يوجد دليل على جواز ذكرها أو عدمه؟

باسمه تعالى كلام الآدمي لا يبطل الأذان و ليس مثل الصلاة، و كل شي ء يذكر في الأذان لا بقصد الجزئية فلا بأس به، و اللّٰه العالم.

عدم فقاهة من يشكك بظلامات الزهراء (عليها السلام)

ورد أنكم لا تؤيدون من يشكك في شهادة الزهراء (سلام اللّٰه عليها)، و لكن هل تعتقدون بفقاهتهم؟

باسمه تعالى لا يجوز تأييد من يشك في شهادة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و لا نعتقد بفقاهته؛ لأنه لو كان

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 122

فقيهاً لاطلع على الرواية الصحيحة المصرحة بشهادتها (سلام اللّٰه عليها) و سائر الروايات المتعرضة لسبب شهادتها (سلام اللّٰه عليها)، و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل.

طمث الزهراء (عليها السلام)

يقول البعض إن عدم طمث الزهراء (سلام اللّٰه عليها) يعد نوعاً من المغالاة بها، و حالة مرضية يجب علاجها، و قال: إن من المغالاة الاعتقاد بأن الأئمة (عليهم السّلام) لم يكونوا يحدثون بالأصغر و الأكبر أو التغوط .. ما رأيكم الشريف بذلك؟

باسمه تعالى لا يعد حالة مرضية، و إنّما هو داخل في إكرامها كما أن مريم (سلام اللّٰه عليها) أنجبت من غير بعل، و إنما يعتبر حالة مرضية إذا ترتب عليه المرض المحتاج إلى الصحة، و الزهراء (سلام اللّٰه عليها) ليست كذلك. و أما ما ذكر عن الأئمة (عليهم السّلام) فالمؤمنون لا يعتقدون بذلك، بل أن الإمام (عليه السّلام) يتوضأ و يغتسل كما كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كذلك، و اللّٰه العالم.

فرحة الزهراء (عليها السلام)

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عيد الزهراء (سلام اللّٰه عليها)، أرجو إعلامنا بمدي مصداقية هذا العيد، و ما هي حقيقته، مع العلم أنّ السيدة فاطمة (سلام اللّٰه عليها) قد توفيت بعد رحيل الرسول الأعظم (سلام اللّٰه عليها) بأشهر قليلة، و إذا كان عيد الزهراء (سلام اللّٰه عليها) فرحاً بموت عمر بن الخطاب، فلما ذا زوج الإمام علي (عليه السّلام) ابنته أم كلثوم لعمر إذن؟! باسمه تعالى هذا الأمر معروف عند الشيعة و له وجوه متعددة منها: ان في هذا اليوم توج الإمام المهدي بالإمامة بعد وفاة والده الإمام الحسن العسكري في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول، و هو المنتقم من أعداء الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و أعداء الدين و الموكل بإقامة دولة الحق، و منها: ان في هذا اليوم قتل عمر بن سعد قاتل الحسين (عليه السّلام) كما في بعض المنقولات التاريخية. و على كل حال

فهو يوم فرح للشيعة عامة و لأهل البيت (عليهم السّلام) خاصة. و أما تزويج

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 123

الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ابنته من عمر فقد ناقش البعض في أصل تحقق هذا الزواج و كتبوا فيه كتباً مستقلة «1»، و على فرض تحقّقه فإنّه من باب التقية و قد عمل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بوظيفته. و يؤيّد ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السّلام) بأنّه قال: «ذلك فرج أكرهنا عليه» و عنه (عليه السّلام): ذلك فرج غصبناه «2»، و أيضاً عنه (عليه السّلام) قال: لما خطب إليه قال له أمير المؤمنين إنّها صبية. قال: فلقي العبّاس فقال له: ما لي، أبي بأس؟! قال: و ما ذاك؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردّني؛ أمّا و اللّٰه لأُعوّرنّ زمزم و لا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، و لأُقيمن عليه شاهدين بأنّه سرق لأقطعنّ يمينه! فأتاه العبّاس فأخبره، و سأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه «3»، و هذه الأخيرة كالثانية صحيحة سنداً. و اللّٰه العالم.

الأئمة (عليهم السلام) يعلمون الغيب بقدر ما علمهم اللّٰه (عزّ و جلّ)

قال الشيخ المفيد (رضى اللّٰه عنه) في كتابه الموسوم بأوائل المقالات: و أقول: أن الأئمة من آل محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد و يعرفون ما يكون قبل كونه، و ليس ذلك بواجب في صفاتهم و لا شرطاً في إمامتهم، و إنما أكرمهم اللّٰه تعالى به و أعلمهم إياه للطف في طاعتهم و التمسك بإمامتهم، و ليس ذلك بواجب عقلًا، و لكنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بيّن الفساد؛ لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء

بنفسه لا بعلم مستفاد، و هذا لا يكون إلّا للّٰه عز و جل، و على قولي هذا جماعة من أهل الإمامة إلّا من شذ عنهم من المفوضة و من انتمى إليهم من الغلاة.

أ فلا تدل هذه المقالة للشيخ (قدّس سرّه) على عدم جواز إطلاق القول عليهم (عليهم السّلام) بأنهم

______________________________

(1) رسالة في خبر تزويج أُم كلثوم من عمر: تأليف العلامة السيد علي الحسيني الميلاني، و كتاب افهام الأعداء في الخصوم: تأليف العلامة السيد حسين موسوي الهندي.

(2) فروع الكافي: ج 5، كتاب النكاح، باب تزويج أُم كلثوم.

(3) المصدر السابق.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 124

يعلمون الغيب؟

باسمه تعالى إنهم (عليهم السّلام) يعلمون الغيب بقدر ما علّمهم اللّٰه، و كلام الشيخ المفيد (قدّس سرّه) راجع إلى الإطلاق و عدم تقييده بما ذكرنا، و إطلاق العالم على من يكون علمه اكتسابياً لا بأس به، كما في إطلاق العالم على سائر العلماء. و بالجملة، ما ذكره الشيخ المفيد (قدّس سرّه) من الانصراف إلى العالم بالذات إنّما هو في صورة عدم التقييد كما ذكرنا، و اللّٰه العالم.

أفضلية أهل البيت (عليهم السلام) على الخلق

هل الاعتقاد بأفضلية أهل البيت على الخلق واجب من ضروريات المذهب؟

باسمه تعالى إنكار الأفضلية غير جائز؛ لأنه مخالف للكتاب المجيد كما في أجوبة سابقة، و لكن الذي لا يلتفت إلى ذلك و يدعي أنه لا دلالة في الكتاب المجيد على الأفضلية لا يخرج عن الإسلام، و اللّٰه العالم.

هل أهل البيت (عليهم السلام) العلل الأربع للخلق؟

هل يصح أن نطلق على أهل البيت (عليهم السّلام) بأنهم العلل الأربع للخلق (الفاعلية، و المادية، و الصورية، و الغائية)؟

باسمه تعالى المسلّم عندنا أنهم (عليهم السّلام) وسائط بين اللّٰه تعالى و بين خلقه و لا نعرف تفصيل ذلك، و ما نعلمه أنهم (عليهم السّلام) مأذونون من قبله تعالى في التصرف في الكون إذا اقتضت المصلحة ذلك، فإنهم (عليهم السّلام) ليسوا أقل من الأنبياء السابقين على نبينا، و قد ورد عن عيسى (عليه السّلام) انه كان يحيي الموتى بإذن اللّٰه، و اللّٰه العالم.

ذكر فضائل المعصومين (عليهم السلام)

هل يجوز ذكر فضائل المعصومين (عليهم السّلام) و تداولها في المجالس و المحافل دون التحقّق من أسانيد تلك الروايات؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 125

باسمه تعالى إذا لم يعلم اعتبار النقل، فلا بأس بذلك بعنوان الحكاية عن كتاب ما لم يعلم كذبه، و اللّٰه العالم.

الخصائص الجسمانية للمعصومين (عليهم السلام)

حديث انعقاد نطفة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) من الطعام الذي جي ء به للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و اعتزاله خديجة، هل يتعلّق بخلق روحها أم بدنها الشريف؟ و عموماً: هل يختلف عنصر و هيئة بدن المعصوم عن أبدان سائر الخلق؟ كيف كانوا يمرضون إذن؟ و كيف كان بعضهم شديد السمرة، و بعضهم بديناً، كما في الروايات؟ و ما مدى صحّة ما يقال من الخصائص الجسمانية للمعصومين (عليهم السّلام) من قبيل عدم النوم و رؤية الخلف كرؤية الأمام، و انطباع أثر القدم على الحجر دون الرمل؟

باسمه تعالى قد ورد في البحار سر اعتزال النبي لخديجة أربعين يوماً حيث أمره اللّٰه سبحانه و تعالى أن يتهيأ لتكوين هذه البضعة الطاهرة، فكان طيلة الأيام منشغلًا بالعبادة و كان وجوده في بيت عمه أبي طالب «1».

أمّا خصوصية أرواحهم و أبدانهم فإنّ مشيئة اللّٰه تعلّقت بجعل خصوصيات لهم في أبدانهم و أرواحهم لا يوجد مثلها في غيرهم.

أمّا كون هذه الخصوصيّة كانت بعدم النوم و رؤية الموجود خلفهم بدون التفات أو بغير ذلك كما ورد في بعض الأخبار، فالأولى إرجاع علم ذلك إلى أهله.

كما أنّ قدرة المعصومين صلوات اللّٰه عليهم على معرفة ما يريدون معرفته ثابتة، فإذا أرادوا أن يعلموا شيئاً علموه، أمّا كيف يتمّ لهم علم ذلك؟ و هل هو بتوجيه المعصوم نفسه الشريفة نحو المجهول فتحصل له المعرفة،

أم يتم بواسطة روح القدس الذي هو معهم، أم

______________________________

(1) بحار الأنوار.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 126

بتحديث الملائكة، أم بالإلهام .. إلى آخره، فنحن غير مكلّفين بمعرفة تفاصيله و طرقه، و اللّٰه العالم.

ظروف الأئمة (عليهم السلام)

في الكافي الشريف أن الأئمة (عليهم السّلام) يتوارثون كتاباً مختوماً، أو خواتيم (ج 1 كتاب الحجة باب أن الأئمة (عليهم السّلام) لم يفعلوا شيئاً و لا يفعلون إلّا بعهد من اللّٰه) يفتحها كل منهم و يمضي ما فيها، و أن الحسين (عليه السّلام) فتحها فوجد فيها أن قاتل فأقتل و تُقتل و اخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلّا معك ففعل، و أن زين العابدين (عليه السّلام) فتحها فوجد فيها أن اصمت و أطرق، و أن الباقر (عليه السّلام) فتح الخاتم الخامس فوجد فيه فسّر كتاب اللّٰه و صدّق أباك و ورّث ابنك و اصطنع الأمة .. و هكذا ترى أين يقع ما يقوم به بعض الكتاب و المفكرين الإسلاميين من تحليل تاريخ الأئمة و استنباط الآراء و المواقف من سيرتهم، انهم يعرضون الأُمور في كتاباتهم و تحليلاتهم على نحو يفهمه القارئ كتفسير للحدث و تعليل لعمل المعصوم، هل ذلك لهم؟ أين يقع ذلك من الروايات التي تتحدث عن الكتاب و الخاتم المختوم؟

باسمه تعالى من المعلوم أن لبعض الأئمة (عليهم السّلام) ظرفاً يخصه و مقاماً يختلف عن بعض المقامات الأخر؛ فعصر الإمام علي (عليه السّلام) و ما جرى فيه من الأحداث العظيمة التي يحتاج فهمها إلى تأمل صادق و بحث عميق، سبّب أن وقع كثير من الناس في تحليل الأحداث بمتاهات، فكان يصعب على البعض فهم سكوت الإمام علي (عليه السّلام) في مقابل ما جرى للخلافة، و كذا

غيرها من الأحداث، كما أن ظرف الإمام الحسن (عليه السّلام) و ما جرى عليه من الظلم يختلف عن عصر الإمام الحسين (عليه السّلام)، حيث أحاطت بالإمام الحسن (عليه السّلام) ظروف صعبة اضطرته للصلح مع معاوية حيث تركه القريب فضلًا عن البعيد، و ربما يستفيد المتضلع في أحوال الأئمة (عليهم السّلام) و ما ابتلوا به في أعصارهم أموراً من بياناتهم و كيفية أفعالهم،

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 127

فإن بعض أفعالهم لا يختص بزمان دون زمان فيأخذ بما فعل الإمام (عليه السّلام) في الظرف الذي يناسب ذلك الزمان مع ضم بعض الخطابات الشرعية، مثل ما ورد في المعاملة مع المبدع و الظالم و غير ذلك من الأُمور، فيستنبط من المجموع حكماً شرعياً يخصه أو يعم عموم المؤمنين أو طائفة خاصة منهم.

و بعبارة أخرى: سيرة الأئمة و ما قاموا به حجة شرعية على وجوب ذلك الفعل أو جوازه بحسب ما يستنبطه المتضلع في أحوالهم، لأنّ اللّٰه تعالى لا يأمرهم إلّا بما فيه صلاحهم و صلاح الإسلام، و ذلك منهم (عليهم السّلام) حجة على الأجيال الآتية، حتى يعلم الناس أن الظروف تختلف، فهناك ظرف لا بد من السكوت فيه، و آخر تقتضي المصلحة القيام بوجه الظالم، مع اختلاف مراتب القيام، كما فعل الإمام الحسين (عليه السّلام) بعد انقضاء عهد معاوية لأنّ الناس رأوا ما صنع معاوية بعد أن تسلط على رقابهم و لعب ما لعب في دين اللّٰه، و لأجل ذلك قام الحسين (عليه السّلام) بما كان يعلم أنه أمر من اللّٰه و وصية من رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و كان فعله حجة على أهل زمانه و الأجيال الآتية، لئلّا يعتقد

الناس أن كل من استولى على الحكم هو ولي المسلمين يجب على الناس طاعته. و بالجملة أن الإمام الحسين (عليه السّلام) أحيا ما أماته بنو أمية و ما فعله حجة حتى يتنبّه الناس إلى أن المتربع على كرسي الخلافة ليس أهلًا لها، و إنما الخلافة لأهلها، و اللّٰه العالم.

زيارة المعصومين (عليهم السلام)

مولاي الجليل، هناك زيارة لسيدتنا فاطمة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) في كتاب (إقبال الأعمال للسيد ابن طاوس (قدّس سرّه)) و أنا أريد نشر هذه الزيارة لبيان مظلومية مولاتنا الزهراء (سلام اللّٰه عليها)، و سؤالي هل سند هذه الزيارة معتبر لديكم؟

باسمه تعالى ما ورد في الزيارة المنقولة في كتاب الإقبال للسيد ابن طاوس (قدّس سرّه) أمور صحيحة و نؤمن بها في أكثرها و البعض الآخر مما وصل إلينا بطريق معتبر أو من المشهورات

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 128

التي لا سبيل إلى إنكارها، كما يفصح عن ذلك مع الغمض عما ذكر تجهيزها (سلام اللّٰه عليها) ليلًا من غير حضور أهل السقيفة و غيرهم و خفاء قبرها إلى يومنا الحاضر، فان في هذين الأمرين كمال الإفصاح لما جرى عليها (سلام اللّٰه عليها) من الغدر و الظلم كما لا يخفى لمن كان له قلب سليم خال عن المرض، و اللّٰه الهادي.

عند زيارة أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) عن بعد، هل يجب قراءة الاستئذان للدخول إلى الحرم الشريف؟ علماً أنّي في دولة بعيدة و أقرأ الزيارة عن بعد.

باسمه تعالى يكفي قراءة نفس الزيارة دون الاستئذان، و يجزي في زيارة الحسين (عليه السّلام) أن يقول صلّى اللّٰه عليك يا أبا عبد اللّٰه ثلاثاً، و الأحوط استحباباً الصعود على السطح للزيارة، و اللّٰه العالم.

هل يجوز إضافة بعض العبارات

إلى زيارة المعصوم مثلًا (من مكاني) عند قراءة هذا المقطع (قاصداً إلى حرمك)؟

باسمه تعالى لا بأس بإضافة بعض العبارات لا بقصد الورود و النسبة للمعصوم (عليه السّلام) بل بقصد الإنشاء، و اللّٰه العالم.

عند زيارة أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) في الزيارات المخصوصة في غير أوقاتها، فهل النية تكون القربة المطلقة أم رجاء المطلوبية؟

باسمه تعالى لا بأس بقراءة الزيارة في غير وقتها برجاء المطلوبيّة أو بقصد مطلق الزيارة، و اللّٰه العالم.

تتذيل بعض زيارات الأئمة الأطهار (عليهم السّلام) صلاة الزيارة، و في بعضها تسبق هذه الصلاة الزيارة، فهل يجب إتيانها على النحو الوارد في نفس الزيارة من ناحية التقديم و التأخير؟

باسمه تعالى الأحوط الأولى ملاحظة الترتيب الوارد في الزيارة و الدعاء و الصلاة، و اللّٰه

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 129

العالم.

ما هي أصح الزيارات الواردة، و ما درجة صحة زيارة عاشوراء و دعاء الندبة؟

باسمه تعالى بعض الزيارات معتبرة كزيارة أمين اللّٰه و زيارة عاشوراء المروية عن كتاب المزار للمشهدي، و مضمونها صحيح قطعاً، و كذا بعض الزيارات الأخرى كالزيارة الجامعة المعروفة، و كذا بعض الأدعية كدعاء الندبة، و اللّٰه العالم.

أيهما الأفضل زيارة الإمام علي (عليه السّلام) أم زيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) في الأيام غير المخصوصة لزيارة كل من الإمامين؟

باسمه تعالى لكل فضل، و لا يبعد أن تكون زيارة الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السّلام) أكثر ثواباً كما في الروايات، و اللّٰه العالم.

ما رأيكم في نصّ الزيارة الزينبية، هل هي صادرة عن معصوم؟

باسمه تعالى زيارة البقاع المباركة للأئمة (عليهم السّلام) و من يتعلّق بهم للتقرّب إليهم أمر مرغوب إليه شرعاً، و المعروف في المزارات بل المنقول في جملة منهم السلام على صاحب القبر

بكيفية خاصّة مشتركة أو مختصّة، و أمّا ما ورد من كيفية خاصّة في زيارة السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها) فيقرأ رجاءً أو بعنوان عام، أي بعنوان ما ورد في زيارة من يتعلّق بالأئمة (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

زيارة الأئمة (عليهم السلام) مشياً

ما هو رأيكم الشريف في مسألة المشي لزيارة الإمام الرضا (عليه السّلام)، و ذلك بمناسبة أربعين سيد الشهداء (عليه السّلام)، مع العلم أن بعض الجهلة أخذوا يسخرون من هذا العمل؟

باسمه تعالى زيارة الأئمة (عليهم السّلام) كزيارة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من العبادات المستحبة عند جميع علماء الإمامية (رضوان اللّٰه عليهم)، و قد وردت في ذلك الروايات المتواترة المروية في كتب المزار و الكتب الأربعة، و الإتيان إلى زيارته مشياً على الأقدام مستحب، و قد ورد ذلك

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 130

في زيارة مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) و أنه بالمشي يكتب اللّٰه له بكل خطوة حجة و عمرة، و إن رجع ماشياً كتب اللّٰه له بكل خطوة حجتين و عمرتين. و الروايات الواردة في المشي إلى زيارة سيد الشهداء أبي عبد اللّٰه الحسين (عليه السّلام) كثيرة جدّاً، و قد عقد في الوسائل باباً مستقلا في فضل المشي إلى زيارته (عليه السّلام)، و ورد في صحيحة الحسن بن علي الوشاء التي رواها الصدوق (قدّس سرّه) في ثواب الأعمال و رواها أيضاً ابن قولويه (قدّس سرّه) في كتاب المزار بسند صحيح، قال: قلت للرضا (عليه السّلام): ما لمن أتى قبر أحد من الأئمة؟ قال (عليه السّلام): له مثل ما لمن أتى قبر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). قلت: ما لمن زار قبر أبي الحسن (عليه السّلام)؟ قال: مثل ما لمن

زار قبر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و ظاهر هذه الرواية القريب من التصريح أن السؤال الأول راجع إلى ثواب الإتيان، فإذا كان المشي في الإتيان لزيارة أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أفضل من الركوب لزيارته، كما أشرنا إلى الروايات فيه، فيكون الثواب في الإتيان لزيارة سائر الأئمة (عليهم السّلام) مشياً و ركوباً كالإتيان لزيارة أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). و أما ثواب أصل الزيارة فلا يستفاد من صدر الرواية و إنما يستفاد ثواب الإتيان، و لذا سأل الراوي عن ثواب زيارة أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) بعد ذلك، و أجابه الإمام (عليه السّلام) له مثل من زار قبر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

و على هذا فلا يصغي إلى وسوسة بعض الجهلة الذين ينكرون فضل المشي إلى زيارة الإمام الرضا (عليه السّلام) فإنهم غافلون عن مدارك الأحكام و العبادات المستحبة و مواضع الاستظهار، و كذلك لا يعتنى بأقوالهم و لا عقائدهم في أمور الدين. هداهم اللّٰه إلى الرشد و الصواب و هو الهادي إلى سواء السبيل، و الحمد للّٰه رب العالمين.

أهل البيت (عليهم السلام) و علم الغيب

هل يعلم أهل البيت (عليهم السّلام) الغيب؟

باسمه تعالى المقدار الثابت عندنا أنّ الأئمة (عليهم السّلام) إذا أرادوا أن يعلموا أمراً فيه صلاح، يظهر لهم ذلك الأمر، و أمّا غير ذلك فليس لنا علم به، فهذا موكول إلى علمهم (عليهم السّلام)، هذا بالنسبة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 131

إلى غير الأحكام الشرعية من الأُمور الخارجية. أمّا الأحكام الشرعية فالعلم بها حاصل عندهم (عليهم السّلام) من غير تعلّم متعارف، و لا يرتبط هذا بعلم الغيب، و اللّٰه العالم.

حب أهل البيت (عليهم السلام) و بغض أعدائهم

حبّ أهل البيت (عليهم السّلام) و بغض أعدائهم بحدّ ذاته، إذا لم ينجرّ إلى عمل و لم يدفع إلى عبادة، هل يفيد الإنسان؟

باسمه تعالى إنّ حبّ أهل البيت صلوات اللّٰه عليهم و موالاتهم و مودّتهم فريضة واجبة بنصّ القرآن و السنّة، و الناصب لهم العداء خارج عن الإسلام. و قد أمرنا أهل البيت (عليهم السّلام) بعدم الاكتفاء بحبّهم عن العمل، و ما يفتري على الشيعة من أنّهم يكتفون بالولاية عن العمل تهمة كاذبة، أمّا حساب الذين يحبّونهم و لا يعملون الصالحات و يعملون السيّئات، فهو موكول إلى اللّٰه تعالى، و يؤمّل لهم الخير بسبب حسنة حبّهم و ولايتهم، و قد تشملهم رحمة اللّٰه تعالى و شفاعة نبيّه و أهل بيته الطاهرين، و لعلّ الحديث المروي «حبّ علىّ حسنة لا تضرّ معه سيّئة» ناظر إلى هذا الأصل، و ليس معناه الوعد أو العهد القطعي بشمول الشفاعة.

العلم بقصص أهل البيت (عليهم السلام)

هل يجب على المؤمن أن يعرف قصص أهل البيت (عليهم السّلام) بالتفصيل، كقصة مظلومية الزهراء (سلام اللّٰه عليها) مثلًا أو لا؟

باسمه تعالى ينبغي للمؤمن أن يعرف ذلك تفصيلًا، و اللّٰه العالم.

المراد من لفظ أهل البيت

إنني سمعت عن الكثير من العلماء و الخطباء ان زوجات الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لسن من أهل البيت، و استشهادهم على ذلك بآية التطهير و حديث الكساء، و يقولون إنّ

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 132

زوجات النبي محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لسن من أهل البيت، فما رأيكم في مجمل السؤال؟

باسمه تعالى إذا دلّ دليل في مورد خاص على تخصيص أهل البيت بجماعة خاصة أخذنا به، كما وردت الروايات الكثيرة و منها حديث الكساء على أن المراد من أهل البيت في آية التطهير هم (علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السّلام))، و من هذه الروايات وقوف النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مدة ستة أشهر على بيت علي و فاطمة (عليهما السّلام) و هو يقرأ هذه الآية الكريمة على الباب، و ظاهره اعلام الناس ان هذه الآية نزلت فيهم، و كذلك في آية المباهلة، ففيها تشمل كلمة (نساءنا) الزوجات، الا ان النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يأخذ معه إلا فاطمة الزهراء (سلام اللّٰه عليها). وفقكم اللّٰه للهدي و الصواب و التمسك بأهل البيت (عليهم السّلام).

ولاية أهل البيت (عليهم السلام) شرط لصحة الأعمال

هل ولاية الأئمة الأطهار بشكل يرضى بها اللّٰه و رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من شرائط صحّة العمل كالإسلام، أو أنها شرط في قبول العمل و ترتّب الأجر و الثواب عليه، كما هو رأي بعض العلماء؟

باسمه تعالى ظاهر بعض الروايات المعتبرة أنّها شرط لصحّة العمل، و اللّٰه العالم.

هل علم الإمام (عليه السّلام) يشمل جميع الأشياء حتى قبل توليه الإمامة؟

باسمه تعالى الذي نعلمه و نعتقده أن الإمام (عليه السّلام)

إذا أراد أن يعلم الشي ء أعلمه اللّٰه ذلك، و اللّٰه العالم.

مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)

لو تصدّى أحد المتمسّكين بالولاية الشرعية لأهل البيت (عليهم السّلام) للدفاع عن مظلوميتهم، فهل يجوز التحريض على مقاطعته من قبل الآخرين الذين لم تثبت لديهم تلك المظلومية في نفس الكتب المعتبرة؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 133

باسمه تعالى مظلوميّتهم (عليهم السّلام) قد ظهرت من يوم وفاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هذا أمر لا يمكن إنكاره لأيّ مسلم مطّلع على ما جرى عليهم (عليهم السّلام)؛ بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فمن تصدّى لبيان مظلوميّتهم ببعض الأفعال التي تناسب الجزع، أو تحريض الناس على الجزع لما أصابهم (عليهم السّلام) لا يجوز منعه، و لا التحريض على مقاطعته، فإنّ الجزع لما أصابهم (عليهم السّلام) من العبادات، كما ورد ذلك في بعض الروايات الصحيحة، و اللّٰه العالم.

الإمامة و الأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام)

قال بعض الكتّاب ما نصّه: «في داخل الثقافة الإسلامية ثابت يمثّل الحقيقة القطعية مما ثبت في المصادر الموثوقة من حيث السند و الدلالة، بحيث لا مجال للاجتهاد فيه، لأنّه يكون من قبيل الاجتهاد في مقابل النص، و هذا هو المتمثّل ببديهيات العقيدة كالإيمان بالتوحيد و النبوة و اليوم الآخر و مسلّمات الشريعة كوجوب الصلاة ..».

«و هناك المتحوّل الذي يتحرّك في عالم النصوص الخاضعة في توثيقها و مدلولها للاجتهاد، مما لم يكن صريحاً بالمستوى الذي لا مجال لاحتمال الخلاف فيه و لم يكن موثوقاً بالدرجة التي لا يمكن الشك فيه، و هذا هو الذي عاش المسلمون الجدل فيه كالخلافة و الإمامة و الحسن و القبح العقليين و الذي ثار الخلاف فيه بين العدلية و غيرهم، و العصمة في التبليغ أو في الأوسع من ذلك ..».

و السؤال هو: هل صحيح

ما ورد في هذا المقال من أنّ الإمامة من القضايا المتحوّلة التي لم تثبت بدليل قطعي؟ و هل العصمة كذلك؟ و ما هو نظر الشرع فيمن ذهب إلى هذه المقالة، هل يعد عندنا من الإمامية الاثني عشرية أم يعدّ من المخالفين؟

باسمه تعالى مسألة الإمامة و عصمة الأئمة (عليهم السّلام) من الضروريات و المسلّمات عند الشيعة،

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 134

و لا يضرّ في كونها ضرورية استدلال علماء الإمامية على ثبوتها في مقابل المخالفين المنكرين أو المشكّكين فيها، كما لا يضرّ استدلال العلماء على النبوّة الخاصّة و المعاد الجسماني في مقابل الفرق المنكرة لهما من أهل الكتاب في كونهما من ضروريات الدّين. و لتوضيح ذلك و بيانه بصورة تامّة عليك بقراءة الملحق الآتي.

الملحق الضروريات الدينية على قسمين:

قسم منها ضروري عند عامّة المسلمين أو جلّهم كوجوب الصلاة و صوم شهر رمضان المبارك.

و قسم منها من ضروريات المذهب كجواز الجمع بين الظهرين و العشاءين من غير ضرورة، و مثل عدم طهارة الميتة بالدبغ، و هذه الأُمور تحسب من ضروريات المذهب و مسلّماته، و المنكر لذلك مع علمه بكونها ضرورية عند الشيعة خارج عن المذهب، و المنكر في القسم الأوّل مع عدم الشبهة يخرج عن الإسلام.

هذا بالنسبة للأحكام الضرورية.

و أمّا بالنسبة للاعتقادات التي يجب معرفتها على كلّ مكلّف عيناً و الاعتقاد بها اعتقاداً جزمياً، فبعضها من أُصول الدين كالتوحيد و النبوّة الخاصّة و المعاد الجسماني، و القسم الآخر من الاعتقادات من أُصول المذهب كالاعتقاد بالإمامة للأئمّة (عليهم السّلام) بعد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الاعتقاد بالعدل، فإنّه يجب على كلّ مكلّف الاعتقاد بها، إلّا أنّ عدم الاعتقاد و المعرفة بالأوّل يخرج

الشخص عن الإسلام و في الثاني لا يخرجه عن الإسلام، و إنّما يخرجه عن مذهب التشيّع لأهل البيت (عليهم السّلام).

و الاعتقاد بكلا القسمين كما ذكر العلماء ليس أمراً تقليديّاً، بل يجب على كلّ مكلّف تحصيل المعرفة و الاعتقاد بها و لو بدليل إجمالي تحصل به القناعة، و كون هذه الأُمور من أُصول الدين لا يمنع البحث فيها و ردّ الشبهات الواردة عليها عند طائفة من العلماء الماهرين

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 135

المطّلعين على الشبهات و ردها، و لذا فإنّ علماء الكلام كما بحثوا في مسألة النبوّة الخاصّة و مسألة المعاد بحثوا في مسألة الإمامة أيضاً.

و كما أنّ بعض الفرق تناقش في مسألة المعاد الجسماني، بل في مسألة النبوّة الخاصّة، كذلك ناقشت فرقة من المسلمين في مسألة الإمامة، و لكن هذه البحوث، سواء كانت في أُصول الدّين أو المذهب، لا تخرجها عن الضروريات عند المستدلّين عليها بالأدلّة القاطعة، و لو لم تقبل هذه الأدلة بعض الفرق كما ذكرنا، فإنّ استدلال العلماء على مثل هذه الأُمور بالأدلّة إنّما هو لدفع شبهات الفرق الأُخرى، لا أنّها مسائل اجتهادية لم يثبت شي ء منها بالنصّ الصريح أو الدليل القاطع.

و بالجملة ضروريات المذهب (أي مسألة الإمامة و العدل) ثابتة عند الشيعة بأدلّة قاطعة و واضحة بنحو حرّم العلماء التقليد فيها، بل قالوا بوجوب تحصيل العلم و المعرفة بها على كلّ مكلّف لسهولة الوصول إلى معرفتها، كما أنّهم أوجبوا العلم بأُصول الدين و لم يجوّزوا التقليد فيها، لأنّ طريق تحصيل العلم بها سهل يتيسّر لكلّ مكلّف.

و المتحصّل: أنّ الاعتقاديات، سواء كانت من أُصول الدين أو أُصول المذهب، أُمور قطعية ضرورية عند المسلمين أو عند المؤمنين، و إنّما

يكون افتراق آراء المجتهدين في غير الضروريات و المسلّمات من الدين أو المذهب، و يفحص في غيرهما من فروع الدين عن الدليل على ذلك، و بما أنّ العامّي لا يتمكّن من الفحص في مدارك الأحكام، فتكون وظيفته التقليد فيها.

فالاجتهاد و التقليد إنّما يكون في غير الضروريات و المسلّمات، و أمّا الضروريات فالاستدلال فيها لغرض الردّ على الفرق التي لا تؤمن و لا تعتقد بهذه الضروريات لا يخرج ذلك عن كونه ضرورياً عند أهله، و مسألة الإمامة عند الشيعة داخلة في ذلك كما بيّنا، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 136

يرى البعض منزلة الأئمة (عليهم السّلام) و مقاماتهم و معجزاتهم و أفضليتهم على الخلق أجمعين، ليست بالأمر المهمّ، و أنّها نوع من الترف الفكري، لأنّ ما يجب الاهتمام به هو تطبيق تعاليمهم و العمل بإرشاداتهم، و الاهتمام بالجانب الأول يشغل و يؤثّر سلباً في الجانب الثاني .. فما هو رأيكم؟

باسمه تعالى المطلوب من كلّ مؤمن أن يعرف إمامه بمقدار وسعه و أنّه معيّن من اللّٰه تعالى بوصيّة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حسب ما أمره ربّه عزّ و جلّ، كما عليه أن يعرف أنّ الأئمة (عليهم السّلام) معصومون، و التأمّل في مقامات أهل البيت و درجاتهم العلمية و العملية و خصوصياتهم الغيبية أمر راجح؛ لأنّه يزيد المؤمن اعتقاداً بالأئمة و ثباتاً على نهجهم و إصراراً على الدفاع عنهم و عن مذهبهم، و هذا من أعظم القربات و الأعمال الإسلامية الكبيرة، بخلاف الشخص الذي لا يهتمّ بمعرفة فضائل أهل البيت و مقاماتهم، فإنّه لا يجد في نفسه حماساً للدفاع عن المذهب و خدمة العقائد الحقّة و ترسيخها و

تثبيتها، و اللّٰه العالم.

مراتب الأئمة (عليهم السلام) و الزهراء (عليها السلام)

يرجى بيان المقامات المعنوية لأئمتنا (عليهم السّلام)، و كذلك سيّدة نساء العالمين الزهراء (سلام اللّٰه عليها) من جهة أنوارهم (عليهم السّلام) في ظل العرش قبل هذا العالم، و انعقاد النطفة و الطينة، و من عدم وصول أحدٍ إلى مراتبهم (عليهم السّلام) حتى الملك المقرب و النبي المرسل، و أنهم (عليهم السّلام) أولياء النعم و وسائط نزول بركات الرحمن عز و جل و تجلياتها فيما منحوا من الاسم الأعظم و العلوم الغيبية الإلهية، و أنها ثابتة في الأخبار المنقولة المعتبرة في مختلف الأبواب من الكتب؟

باسمه تعالى الأئمة (عليهم السّلام) كلهم معصومون، و كذا الزهراء (سلام اللّٰه عليها)، بل هم في مرتبة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلّا مرتبة النبوة، و لذا عبر في آية المباهلة بأن نفس الإمام (عليه السّلام) نفسه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و لا فرق في هذه الجهة بين أئمتنا (عليهم السّلام) إلّا في مرتبة التقدم و التأخر، و قد ثبت أنهم (عليهم السّلام) أولياء النعم و وسائط

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 137

نزول بركات الرحمٰن، و إذا كانوا (عليهم السّلام) بمنزلة نفس النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فلا يصل أحد إلى مراتبهم (عليهم السّلام) حتى الملك المقرب و النبي المرسل، و اللّٰه العالم.

المراد من أفضليتهم على القرآن

ورد في كتابكم الشريف صراط النجاة (المجلد الثاني مسألة 1753) هناك رأي يقول: إن أهل البيت (عليهم السّلام) أفضل عند اللّٰه من القرآن، فما هو تعليقكم؟

فأجبتم: القرآن يطلق على أمرين: الأمر الأول النسخة المطبوعة أو المخطوطة الموجودة بأيدي الناس، الثاني: ما نزل على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بواسطة جبرائيل (عليه السّلام) و

الذي تحكي عنه هذه النسخ المطبوعة أو المخطوطة، و هو الذي ضحّى الأئمة (عليهم السّلام) بأنفسهم لأجل بقائه و العمل به، و هو الثقل الأكبر، و يبقى و لو ببقاء بعض نسخه، و أهل البيت (عليهم السّلام) الثقل الأصغر، و أما القرآن بالمعنى الأولي الذي يطلق على كل نسخة، فلا يقاس منزلته بأهل البيت (عليهم السّلام) بل الإمام قرآن ناطق، و ذاك قرآن صامت، و هو عند دوران الأمر بين أن يحفظ الإمام (عليه السّلام) أو يتحفظ على بعض النسخ المطبوعة أو المخطوطة، فلا بد من اتباع الإمام (عليه السّلام) كما وقع ذلك في قضية صفين، و اللّٰه العالم.

أ) ما هو مقصودكم بعبارة ما نزل على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بواسطة جبرائيل (عليه السّلام) ..؟

ب) نرجو توضيح معنى تعبير الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن القرآن بالثقل الأكبر، و عن أهل البيت بالثقل الأصغر بصورة مفصلة، و هل يفهم أن هناك خلقاً أفضل من محمد و آله (عليهم السّلام) و هم علة الإيجاد؟

باسمه تعالى النسخ التي بين أيدي الناس حاكية عن القرآن الكريم الذي أنزل على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هذا هو الذي يقول عنه اللّٰه في كتابه العزيز إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ ..، و هذا هو الكتاب المجيد الذي فدى الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نفسه الشريفة و الأئمة (عليهم السّلام) أنفسهم لأجله، و علم ذلك عند النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و من بعده عند الأئمة (عليهم السّلام)، و قول

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 138

علي (عليه

السّلام): «أنا القرآن الناطق» يشير إلى هذا المعنى. و أما النسخ التي بين أيدي الناس فليست إلّا حاكية عن القرآن و ليست أفضل من الأئمة (عليهم السّلام) فإذا دار الأمر بين الحفاظ على نفس الإمام (عليه السّلام) و بين حفظ النسخ يتعين حفظ نفس الإمام (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

إمامة الأئمة الطاهرين من ولد الحسين (عليه السلام)

هل تثبت (بتحقيقكم) إمامة الأئمة الطاهرين التسعة من ولد الحسين (عليه السّلام) (بالقطع) و ما هو منشؤه؟ و إذا كان في المقام روايات (صحيحة) يرجى الإشارة إليها، و كذا (المتواترة).

هل ثبت (بتحقيقكم) أنّ علم أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) لدنّي خصوصاً فيما يتعلق بالتشريع منه أم بحجة شرعية أخرى؟

باسمه تعالى هذا الموضوع يحتاج إلى بحث لا يسعه المقام، و لكن كون الأئمة اثني عشر، و أنهم من قريش، مروي و ثابت عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) باتفاق الفريقين، و أمّا تعيين الأئمة بأسمائهم فيمكن مراجعة كتاب الحجة من الكافي، و كتاب إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، و كتاب كفاية الأثر في إمامة الأئمة الاثني عشر، و غيرها، فقد تعرضت لهذا الأمر بالتفصيل، و اللّٰه العالم.

التوسل بالأئمة (عليهم السلام) للشفاء

ما هو تفسير كَلّٰا إِذٰا بَلَغَتِ التَّرٰاقِيَ. وَ قِيلَ مَنْ رٰاقٍ «1»، فما معنى (راق)، و هل تصحّحون ما جاء في بعض الروايات من الندب لقراءة بعض الأدعية أو اتخاذ الأحراز طلباً للأمان أو شفاء المريض، و ما إلى ذلك؟ و كيف نوفق بينها و بين لزوم مراجعة الأطباء، و اللجوء إلى الأسباب المادية الطبيعية في الاستشفاء؟

______________________________

(1) سورة القيامة: الآيتان 26 27.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 139

باسمه تعالى وَ قِيلَ مَنْ رٰاقٍ: قول ابن آدم إذا حضره الموت فينسى كلّ شي ء إلّا نفسه فيطلب و لو تمنّياً من يشفيه. (وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِرٰاقُ) أي أيقن بفراق الدنيا و الأحبّة، و يقينه هذا لا ينافي أنّ اللّٰه سبحانه و تعالى يشفيه مما هو فيه، إذا تعلّقت مشيئة اللّٰه بشفائه بتوسّله أو توسّل ذويه من الأهل و الأحبّة و الصلحاء بالأنبياء و الأئمة صلوات

اللّٰه عليهم، و ما شابه.

و لا يخفى أنّ ما ورد في بعض الأدعية كلّه من باب الاقتضاء، و ليس بنحو يوجب التأثير لا محالة و إن لم يكن صلاحاً للشخص في علم اللّٰه سبحانه و تعالى، و الشفاء باستعمال سائر الأدعية نظير الشفاء الذي ذكره اللّٰه في القرآن بقوله فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ في سورة النحل «1».

أذن الدعاء و الرجوع إلى الطبيب لاحتمال أنّ إرادة اللّٰه بشفائه معلّقة على فعل ذلك أمر حسن، فإذا دعا أو دعوا له أو رجع إلى الطبيب أو توسّل بالأئمة (عليهم السّلام) فإنّ اللّٰه يشفيه إن شاء تعالى، و اللّٰه العالم.

كرامات أهل البيت (عليهم السلام)

ما رأيكم حول كرامات أهل البيت (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى كرامات أهل البيت (عليهم السّلام) ثابتة و مسلمة في الجملة، إلا أن كراماتهم (عليهم السّلام) تجري حسب ما تقتضيه المصلحة و الحكمة، فإنهم الباب المعتبر به الناس، و اللّٰه العالم.

هل دماء أهل البيت (عليهم السلام) و .. نجسة؟

ما رأي سماحتكم في مدفوعات أهل بيت العصمة، فهل دماؤهم و باقي مدفوعاتهم نجسة أم لها حكم يليق بمقامهم (عليهم السّلام)، و إلى ماذا تشير آية التطهير؟

______________________________

(1) الآية 69.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 140

باسمه تعالى آية التطهير صريحة في طهارتهم من الذنوب و المعاصي، بمعنى أنهم (عليهم السّلام) لا يتركون الواجبات و لا يرتكبون المحرمات، حيث إنهم (عليهم السّلام) مالكون للنفس الزكية، فهم (عليهم السّلام) لا يميلون إلى المحرمات و المعاصي، و أما جميع الأحكام الشرعية فهم مشتركون فيها كالإتيان بالطهارة للصلاة سواء الحدثية أو الخبثية، و إن خص رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بأحكام خاصة به، و اللّٰه العالم.

فقه المعصومين (عليهم السلام)

استبعد البعض أن تعرض أعمال المؤمنين قبل أن تثبت عليهم على المعصومين (عليهم السّلام)، فيستغفروا لقسم من المؤمنين، ما رأيكم الشريف في ذلك؟

باسمه تعالى لا بعد في ذلك بأمر محتمل، و اللّٰه العالم.

أفضلية الإمام على أهل زمانه

هل يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه؟

باسمه تعالى يجب أن يكون الإمام أعلم أهل زمانه، و اللّٰه العالم.

هل يعلم الإمام كل ما يتعلق بالحياة من أمور الدين و الدنيا؟

باسمه تعالى أما أمور الدين فيعلمونها، حيث إنّ علم الدين مخزون عندهم، و أما أمور الدنيا فعلمهم فيها محصور بما يكون في عالم لوح المحو و الإثبات، و كون كيفية علمهم بها كلية أو جزئية غير ظاهر لنا، و الذي نعلمه أنّه إذا كان في البين مصلحة و شاؤوا أن يعلموا يظهر لهم ذلك الأمر، و اللّٰه العالم.

التفاضل بين المعصومين (عليهم السلام)

هل هناك تفاضل بين المعصومين (عليهم السّلام) باستثناء الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام علي (عليه السّلام)؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 141

باسمه تعالى كلهم في الفضل سواء، إلا أن لبعضهم خصوصية يختص بها و تعد فضيلة اقتضاها زمانه، كخصوصية الإمام الحسين (عليه السّلام) أن الأئمة من ذريته و الإمام صاحب العصر و الزمان زمانه يناسب ظهور نعمة الإسلام و التدين في جميع أرجاء الأرض فيملؤها قسطاً و عدلًا بعد ما ملئت ظلماً و جوراً، و اللّٰه العالم.

التفضيل بين الأئمة (عليهم السلام)

هل هناك تفضيل بين الأئمة (عليهم السّلام)؟ و إذا كان فما هو الدليل على ذلك؟

باسمه تعالى كلّهم نور واحد، إلّا أنّ لبعضهم على بعض أفضلية من و جهة التقدّم، و اللّٰه العالم.

هل هناك تفضيل بين الأئمة (عليهم السّلام) و الأنبياء باستثناء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ و إذا كان فما هو الدليل على ذلك؟

باسمه تعالى أئمتنا (عليهم السّلام) أفضل من الأنبياء ما عدا الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و اللّٰه العالم.

حق المعصوم (عليه السلام) في ليالي الأفراح و الأحزان

هل يجوز مزاحمة حق المعصوم (عليه السّلام) كإقامة ليالي الزواج في مناسبات مواليد المعصومين (عليهم السّلام)، بحجة إن تصله بركة المولد؟ و ما هو نظركم الشريف في ذلك؟ و ما هو رأيكم المبارك في عدم إقامة الفواتح أيام و ليالي وفيات المعصومين (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى لا بد من تقديم مناسبات الأئمة (عليهم السّلام) على مناسبات الأفراح، إلا إذا أريد الجمع بينهما من باب التبرك، و أعلم الناس عن سر اختياره لتلك الليلة المباركة، و أما في الأحزان كأيام عاشوراء فينبغي تخصيص تلك الأيام لصاحب المصيبة، فما المفقود و إن عزّ على الفاقد بأعظم مصيبة من مصايب أهل البيت (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 142

تمثيل شخصية المعصوم

هل يجوز تمثيل شخصية أحد الأئمة (عليهم السّلام) في عرض تمثيلي؟ و إذا لم يتمّ، فهل يجوز تقليد الصوت من خلف الستارة؟

باسمه تعالى لا يجوز ما فيه وهن لمقام الأئمة (عليهم السّلام) أو تمثيل بعض الأشخاص العاديين غير المبالين بمقام الإمام (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

الأئمة (عليهم السلام) و حركاتهم التاريخية

ما هي المراحل التي مرّ بها الأئمة من أهل البيت (عليهم السّلام) في حركتهم التاريخية؟

باسمه تعالى الظاهر أن الأئمة (عليهم السّلام) كانوا على طائفتين: طائفة منهم (عليهم السّلام) كان هدفهم الأساسي تثبيت عقائد الناس و بيان الأُمور الاعتقادية الدينية عملًا و قولًا، مثل الذي حصل بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلى آخر قضية كربلاء، فإن هدف الأئمة (عليهم السّلام) من زمن مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى زمن مولانا زين العابدين (عليه السّلام) هو بيان المعتقدات الحقة، و الأُمور اللازمة على الرعية.

الطائفة الثانية من زمن مولانا الباقر (عليه السّلام) كان أكثر همهم بيان الأحكام الشرعية الفرعية بعد ما تمت الحجة بالنسبة لمعتقدات الشيعة من بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، بحيث لو أن شخصاً بصيراً اطلع على ما جرى بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلى آخر ما انتهت إليه قضية كربلاء، لأيقن يقيناً تاماً جازماً بأن الحق مع شيعة علي (عليه السّلام)، و كان هؤلاء يشيرون في بعض الموارد إلى ما جرى بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حتى لا يُنسى، و اللّٰه العالم.

الطلب من الأئمة (عليهم السلام)

ما رأي سماحتكم حول الطلب من الأئمة (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى الأئمة (عليهم السّلام) ملجأ لابتغاء الوسيلة في طلب الحوائج من اللّٰه لا في نفس طلب

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 143

الحوائج، فإن اللّٰه هو الصمد و هم وسائط العباد إليه سبحانه، حيث يقول اللّٰه سبحانه و تعالى وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، و اللّٰه العالم.

أنوار الأئمة (عليهم السلام)

أرجو منكم بيان الحقيقة المحمدية و العلوية و الفاطمية على الترتيب، و هل هي موجودة أم من الأُمور التي تدخل في الشرك، مع بيان أسماء الكتب المعتبرة لديكم التي تتكلم حول هذه المواضيع؟

باسمه تعالى لا نعلم من حقيقتهم إلّا أنّ أنوارهم مخلوقة من قبل خلق الأشياء، و أجسادهم باقية على حالها مفارقة لأرواحهم، و اللّٰه العالم.

علم الإمام

هل يمكن أن يصل الإنسان إلى علم الإمام؟

باسمه تعالى الإمامة خصوصية من قبل اللّٰه تعالى، بحسب استعداد الشخص و كمال نفسه، يكون علم غيرهم مثل علمهم أصلًا، و لو علم اللّٰه في غيرهم هذا الكمال لأعطاهم، فإنّ اللّٰه ذو فضل عظيم وسعت رحمته كل شي ء، و اللّٰه العالم.

وظيفة الإمام (عليه السلام)

ما هي وظائف الإمام؟

باسمه تعالى نصب الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الأئمة (عليهم السّلام) لأمرين: الأوّل مسألة إبلاغ النّاس الأحكام الشرعية؛ حيث إنّهم عدل القرآن كما ورد في حديث الثقلين، إذ قال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّٰه و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض»، فعلمنا أن بيان الأحكام وظيفتهم (عليهم السّلام).

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 144

الثاني: الزعامة على الرعيّة حيث أثبتها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في قضيّة غدير خم و غيرها، إذ أثبت لهم الولاية من بعده كما كانت له (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حياته، و اللّٰه العالم.

إعجاز المعصوم (عليه السلام)

هل يصح أن يقال: إن المعصوم (عليه السّلام) يخلق طولياً لا عرضيا؟

باسمه تعالى المعصوم لا يخلق و إنما يعمل عملًا على سبيل الإعجاز بإذن اللّٰه كما فعل عيسى (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

الأخذ من غير أهل البيت (عليهم السلام)

هل يجوز أن نأخذ فكرنا من غير مدرسة أهل البيت (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى ليس في البين حجة بعد ظواهر الكتاب إلّا قولهم (عليهم السّلام) الذي هو قول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و اللّٰه العالم.

توهين المعصوم

ما حكم من قصد توهين شخص المعصومين (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى إن كان التوهين بالسب و كان السب أو التوهين لإظهار العداوة للإمام (عليه السّلام) فيحكم بكفره، و في غير ذلك فعليه التعزير، و اللّٰه العالم.

قضية كربلاء

في بعض الكلمات: إنّ أوثق المصادر في قضية الحسين (عليه السّلام) هو كتاب (اللهوف في قتلى الطفوف) للسيد ابن طاوس (قدّس سرّه)، فما هو رأيكم في ذلك؟

باسمه تعالى ثبوت حوادث كربلاء على نحو الإجمال حاصل بالتواتر و بالأخبار المعتبرة الواردة عن أهل البيت (عليهم السّلام)، و أمّا تفاصيل الحوادث فتطلب من كتب متعدّدة، و منها الكافي

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 145

و كتب المزار لعلمائنا الأبرار، و أمّا كتاب اللهوف و كتاب أبي مخنف فهو كسائر كتب التاريخ الخاضعة لميزان البحث العلمي، و اللّٰه العالم.

خروج الحسين (عليه السلام)

أقيمت مسابقة قصصية في أحد المآتم، موضوعها: لو أننا فرضنا جدلًا أن الإمام الحسين (عليه السّلام) بايع يزيد.

اكتب في ما لا يقل عن أربع صفحات توقعاتك عن العواقب الوخيمة التي ستحل على الأمة الإسلامية و أثرها المنعكس على واقعنا الحالي و على المستقبل البعيد ..

لذا نرجو من العلماء الأفاضل إجابتنا عن الأسئلة التالية:

أ) هل يجوز طرح مثل هذه الفرضيات؟ مع العلم بأن المسابقة تهدف إلى إلقاء الضوء على نظرة الإمام و أبعادها و سداد رأيه باتخاذه مثل هذه المواقف.

ب) هل يشكل هذا تعدياً على عصمة الإمام (لأن بعض الأخوة رآها من جهة أن العصمة تقتضي أن لا يقوم بمثل هذا العمل). فلا يجوز طرح مثل هذه المواضيع مع العلم بأنها كانت فرضية.

باسمه تعالى إن كان المقصود من طرح هذه الفرضيات و طلب الإجابة من الأشخاص توضيح ما أوجب لسيد الشهداء (عليه السّلام) الخروج مع أصحابه و أهل بيته (عليهم السّلام) إلى العراق، و استشهادهم في تلك الواقعة العظيمة، و ما جرى على أهل بيته (عليهم السّلام) بعد ذلك من الحوادث المؤلمة، ليتبين للأشخاص عظمة هذه الواقعة،

و يظهر لهم أنه كان في ذلك نجاة الدين و حفظ الشريعة و بقاء أحكام الدين، كما ينبئ عن ذلك ما روى عنه (عليه السّلام) و عن سائر المعصومين (عليهم السّلام)، فلا بأس به، و لكن لا بد ان لا يكون طرح هذه الفرضيات بحيث يقع في

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 146

الأذهان أن الإمام (عليه السّلام) يفعل كسائر الناس و إن الحسين (عليه السّلام) رجح الخروج لمجرد حدس حصل له، كما يفعل سائر الناس في الحوادث، لأن ذلك غير صحيح و لا يناسب شأن الإمام (عليه السّلام)، بل ما قام به الحسين (عليه السّلام) إنّما كان لتكليف إلهي، و كان (عليه السّلام) يعلم بما سيجري عليه و على أهل بيته (عليهم السّلام)، و مع ذلك أقدم على العمل لكونه مأموراً بذلك، و إن كان الغرض من هذا التكليف حفظ الدين و إصلاح الأمة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما يدل على ذلك ما روي من كلماته (عليه السّلام) في المواقف المتعددة، مثل قوله (عليه السّلام): «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي؛ أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب (عليه السّلام)». و قوله (عليه السّلام): «و إذ بليت الأمة براعٍ مثل يزيد فعلى الإسلام السلام». و اللّٰه العالم.

كسوف الشمس لشهادة سيد الشهداء (عليه السلام)

كيف نوفق بين ما روي من أن الشمس انكسفت لقتل سيد الشهداء (عليه السّلام)، و بين ما روي من قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من أن كسوفها آية و لم تكسف لموت أحد؟

باسمه تعالى ما ورد من أن الشمس و القمر آيتان من آيات اللّٰه لا

تنكسفان لموت أحد إنما هو في الموت المتعارف، كما في موت ولده إبراهيم (عليه السّلام)، و يدلّ على ذلك تعبيره (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا تنكسفان لموت أحد و حياة أحد لا بالقتل و الشهادة. و في قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مصلحة عامة هي سد باب الدعاية الباطلة، حيث يمكن أن يموت أحد من الفساق و الفجار و الطغاة في يوم تنكسف فيه الشمس أو يخسف فيه القمر، فيجعلون موته عند إحدى هاتين الآيتين. و قضية سيد الشهداء و سائر الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) قضية عامة و صدمة في الإسلام أصابت جميع المؤمنين و لم تختص بأحد، و لهذا يعد إحياء ذكرهم (عليهم السّلام) من شعائر المذهب، و معلوم أن مظلوميتهم (عليهم السّلام) تؤثر في الكون حيث إنه سبحانه و تعالى يريد بذلك إظهار مظلوميتهم و مظلومية أهل بيت النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أصحابه الذين استشهدوا معه، و إظهار فسق الطغاة و عظم

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 147

جرمهم، و قد جرى قريب ذلك في قضية النبي يحيى (عليه السّلام) حيث ورد في الرواية أن السماء بكت لقتله، و ما وقع لسيد الشهداء (عليهم السّلام) ليس خصوص كسوف الشمس بل وقعت آيات أخرى كما ورد أنه في يوم عاشوراء بعد قتلهم (عليهم السّلام) ما رفع حجر إلّا كان تحته دم، و قد يتغير لون بعض الأحجار في يوم عاشوراء حتى في زماننا هذا، أو غيرها من الآيات، و اللّٰه الهادي إلى صراط النجاة.

الإمام الحسين (عليه السلام) بين الوجوب و الخيار

هل كان الإمام الحسين (عليه السّلام) مخيراً بين الخروج و عدمه أم كان الأمر واجباً عليه؟

باسمه

تعالى كان الإمام الحسين (عليه السّلام) مخيراً في الخروج و اختيار الشهادة حتى بعد وصوله إلى كربلاء، و لكن عهد من جدّه و أبيه بأنّ له منزلة لا ينالها إلّا باختيار الشهادة، و اللّٰه العالم.

بعض ما ورد في حق الإمام الحسين (عليه السلام)

أرجو من سماحتكم التعليق على هذا الكلام، ورد عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «.. و أنا من حسين» كما ورد عن إمامنا الحسن (عليه السّلام): «لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّٰه» كما ورد عن سيدتنا زينب (سلام اللّٰه عليها) يوم كربلاء: «اليوم مات جدي محمّد المصطفى، اليوم مات أبي علي المرتضى، اليوم ماتت أُمي فاطمة الزهراء، اليوم مات أخي الحسن المجتبى». أ لا نستطيع أن نقول إن ما قدمه الإمام الحسين (عليه السّلام) في كربلاء لم يقدم مثله نبي أو وصي حتى جده رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟

باسمه تعالى هذه العبارات المنقولة عن لسان النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أهل بيته الطاهرين تحتمل وجوهاً، فقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حق ولده الحسين (عليه السّلام) «و أنا من حسين» ان حركة الإمام الحسين (عليه السّلام) و دعوة النبي و دينه يكمل بعضها بعضاً، و لو لا حركة الإمام الحسين (عليه السّلام) لم يبق هذا الدين، فهو (عليه السّلام) حافظ لدين جدّه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم). كما أنّ العبارة الواردة عن الإمام

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 148

الحسن (عليه السّلام) بحق أخيه الحسين (عليه السّلام) «لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّٰه» ان المصائب التي جرت على الإمام الحسين (عليه السّلام) و أهل بيته لم

تجر على أحد من الأئمة (عليهم السّلام) و إن كان كلهم مظلومين مقهورين، و كلمة السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها) «اليوم مات جدي ..» ان الإمام الحسين (عليه السّلام) آخر الأنوار الخمسة و آخر أهل العباء فبعد فقده لم يبق أحد منهم، فأعادت مصيبته مصايبهم (عليهم السّلام) جميعاً و على كل حال فهم (عليهم السّلام) أعلم بما قالوا، و اللّٰه المسدد.

ما يدور حول إقامة الشعائر الحسينية

ما هو نظركم المبارك في ما يخص إقامة الشعائر الحسينية، خاصة الزنجير؟

باسمه تعالى كل جزع على مصايب سيد الشهداء و أهل بيته و أصحابه (عليهم السّلام) جميعاً مطلوب و مأجور عليه، و اللطم و لو بالزنجير المتعارف عند المواكب كالضرب على الرأس و الفخذين و البكاء و العويل كل ذلك داخل في الجزع، و اللّٰه العالم.

الشعائر الحسينيّة

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، ه ق

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية؛ ص: 148

في بعض الأقوال: إنّ اللطم على الحسين (عليه السّلام) إذا كان عنيفاً يؤدّي لإدماء الصدر أو الألم الشديد فهو محرّم لعدّة وجوه:

1 إنّه ليس أُسلوباً حضارياً، و ينبغي طرح قضيّة الحسين (عليه السّلام) بصورة واقعيّة و حضاريّة.

2 إنّه لم يرد عن الرسول و أهل بيته (عليهم السّلام).

3 إنّ كلّ إضرار بالجسد حرام و إن لم يؤدّ إلى التهلكة أو قطع العضو من الجسد، فالذي يعرّض نفسه للهواء البارد مع احتمال حدوث مرض في صدره يكون ارتكب محرّماً.

ما هو رأيكم في هذه المقالة؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 149

باسمه تعالى اللطم و إن كان شديداً حزناً على الحسين (عليه السّلام) من الشعائر المستحبّة؛ لدخوله تحت عنوان الجزع الذي دلّت النصوص المعتبرة على رجحانه و لو أدّى بعض الأحيان إلى الإدماء و اسوداد الصدر؛ و لا دليل على حرمة كلّ إضرار بالجسد ما لم يصل إلى حدّ الجناية على النفس، بحيث يعدّ ظلماً لها، كما أنّ كون طريقة العزاء حضارية حسب زعمهم أو لا، ليس مناطاً للحرمة و الإباحة، و لا قيمة له في

مقام الاستدلال، و اللّٰه العالم.

إقامة العزاء و الشعائر الحسينيّة

يتردد على مسامعنا في الفترة الأخيرة أن عصر الحداثة و التطور لا يناسبه استخدام الأساليب التقليدية لإحياء مجالس الإمام الحسين (عليه السّلام)، فمادام الشعور القلبي مع الإمام الحسين (عليه السّلام) فلا نحتاج إلى هذه المظاهر التي قد تسي ء إلى التشيع و الشيعة! فما هو رأيكم الشريف في هذا الموضوع؟

باسمه تعالى هذه المظاهر غير المتعارفة في نظر البعض لمناسبات العزاء في موت بعض الأشخاص، إنّما هي لغرض الإبقاء على ذكرى قضية كربلاء التي هي إحدى الدلائل القاطعة على حقانية مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) و بطلان مذهب المخالفين، و هذه المظاهر غير المتعارفة تجري في بعض أنواع الدعايات و الإعلام للفت أنظار الناس إلى أهمية الموضوع، و لا بد أن نحافظ على استمرار هذه المظاهر لتبقى على مدى العصور و الأجيال، و يبقى الدليل على حقانية مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) محفوظاً في قلوب الشيعة و شعورهم ينتقل من جيل إلى جيل و من نسل إلى نسل، و حث أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) على إحياء ذكرى هذه القضية في تعبيراتهم المختلفة و المتكررة و إقامة العزاء في بعض بيوتهم (عليهم السّلام) إحياءً لهذا الأمر و قولهم كما في الرواية الصحيحة الواردة عنهم (عليهم السّلام): «كل جزع مكروه إلّا على ما أصاب سيد الشهداء (عليه السّلام)»، كل هذا حتى لا تنسى هذه القضية، كما نسيت قضايا متعددة مهمة حدثت في صدر الإسلام مما سبب إنكار غالب المسلمين لها أو التشكيك فيها، حتى من

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 150

بعض المنسوبين للشيعة، فأسأل اللّٰه تعالى أن يحفظكم من كل فتنة تضعف من هممكم في المحافظة على إقامة الشعائر

الحسينية و إحياء المناسبات المرتبطة بأهل البيت (عليهم السّلام)، إنه سميع مجيب.

شعائر عاشوراء

من المنقول عن السيد الخوئي (رحمه اللّٰه) أنّه أفتى بأنّ مظاهر العزاء المتعارفة كاللطم و الضرب إذا كانت مستلزمة للإساءة لصورة المذهب الشيعي فهي محرّمة؟ ما تعليقكم على ذلك؟

باسمه تعالى قد تقدّم أنّ كلّ مظهر من مظاهر العزاء إذا صدق عليه عنوان الحزن و الجزع لمصاب أهل البيت (عليهم السّلام) فهو من الأُمور المستحبّة، خصوصاً المظاهر غير المتعارفة التي يفعلها الشيعة لجلب النفوس و إثارة العواطف تبليغاً لقضية الحسين (عليه السّلام)، و هذا المنهج للإعلام و التبليغ متّبع حتّى في عصرنا الحاضر، و لعلّ الذين ينتقدون مظاهر عاشوراء يسكتون عنه لو صدر من غير الشيعة، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّٰه العليّ العظيم.

العزاء

يعترض بعض النّاس على القصائد التي تمدح أهل البيت (عليهم السّلام) إذا تضمنت مقطعاً غزلياً، و يقولون: إن ذلك مخلّ بالأدب و منافٍ للعرف و إلى غير ذلك؟ فما قولكم في ذلك؟

باسمه تعالى إذا كان مدلوله أمراً صحيحاً فلا مانع منه، و اللّٰه العالم.

تاريخ الشعائر الحسينية

ما هو رأيكم في الشعائر الحسينية؟ و ما هو الرد على القائلين بأنّها طقوس لم تكن على عهد الأئمة الأطهار (عليهم السّلام) فلا مشروعية لها؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 151

باسمه تعالى كانت الشيعة في عهد الأئمة (عليهم السّلام) تعيش حالة التقية، و كانوا يقيمون مظاهر العزاء بما يمكن لهم، و عدم وجود الشعائر في وقتهم مثل زماننا إنّما هو لعدم إمكانها، و هذا لا يدلّ على عدم مشروعيتها في زماننا، و لو كان الشيعة في ذلك الوقت يمكنهم إظهار الشعائر و إقامتها لفعلوا كما فعلنا مثل نصب الأعلام السوداء على أبواب الحسينيات بل الدور إظهاراً للحزن، و من قرأ تاريخ زيارة الشيعة للإمام الحسين (عليه السّلام) في زمن المعصومين (عليهم السّلام) أدرك ذلك، و لو كان ذلك بدعة لكان هذا أيضاً بدعة حيث لم يكن في زمن الأئمة (عليهم السّلام).

و بالجملة، فكلّ هذه الشعائر تدخل تحت شعائر اللّٰه و إظهار الحزن لما أصاب الحسين (عليه السّلام) و أهله و أصحابه أو سائر الأئمة (عليهم السّلام) الذي دلّ الدليل على مشروعيته و استحبابه، و أنّه من أعظم القربات إلى اللّٰه تعالى، قال تعالى ذٰلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، و قال الباقر (عليه السّلام) للفضيل بن يسار: «أ تجلسون و تتحدّثون؟ قلتُ: بلى، قال: إنّي أُحبّ تلك المجالس فأحيوا فيها أمرنا، من جلس مجلساً

يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»، و اللّٰه العالم.

كل مظهر إذا صدق عليه عنوان الحزن و الجزع لمصاب أهل البيت (عليهم السلام) فهو من الأُمور المستحبة

يقال انّ السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها) لم تخرج أبداً من الخيمة في حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) إلا عند مصرع علي الأكبر (عليه السّلام) و أن الذي يقال (أنها خرجت حينما رأت جواد الحسين (عليه السّلام) خالياً و ذهبت إلى مصرعه و رأت الشمر جالساً على صدر الإمام (عليه السّلام) و أن الشمر ألمها بالسوط حتى أغشى عليها) ليس بصحيح، و أنهم استدلوا برواية سموها برواية التضليل، ما رأي سماحتكم بذلك؟

باسمه تعالى ما جرى من قضايا كربلاء بعضها من المسلمات و هو ما وصل إلينا بطريق

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 152

معتبر عن أهل البيت (عليهم السّلام) و منهم السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها)، و من هذه الأُمور المسلمة و الصحيحة قضية خطبة السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها) في مجلس ابن زياد و مجلس يزيد في الشام حيث أبطلت أكذوبتهم و فضحتهم و هيجت الرأي العام عليهم، و لو لا هذه الخطبة و أمثالها لم يظهر يزيد الندم و يلعن ابن زياد و عمر بن سعد مع إعلان أهل الشام يوم قدوم السبايا يوم فرح و سرور بانتصار يزيد على الخوارج! و بعض القضايا المنقولة إلينا من قضية كربلاء نقلت إلينا عن طريق كتب السيرة و الكتب التاريخية فهي كسائر القضايا التاريخية تحتمل الصحة و الصدق، و لا بأس بنقلها عن هذه الكتب و ينال بنقلها الأجر و الثواب ما لم يعلم كذبها، و اللّٰه العالم.

حكم لبس السواد و اللطم على الصدور في مراسيم العزاء لسيد الشهداء (عليه السلام)

ما هو رأيكم المبارك في لبس السواد و اللطم على الصدور أثناء إحياء مراسيم العزاء لسيد الشهداء (عليه السّلام) في شهر محرم الحرام و باقي الأئمة الأطهار (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى لا إشكال و لا

ريب و لا خلاف بين الشيعة الإمامية في أن اللطم و لبس السواد من شعائر أهل البيت (عليهم السّلام) و من المصاديق الجلية للآية ذٰلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، كما أنّها من مظاهر الجزع الذي دلت النصوص الكثيرة على رجحانه في مصايب أهل البيت (عليهم السّلام) و مآتمهم، و من يحاول تضعيف هذه الشعائر أو التقليل من أهميتها بين شباب الشيعة فهو من الآثمين في حق أهل البيت (عليهم السّلام) و من المسئولين يوم القيامة عمّا اقترفه في تضليل الناس من جهة مظالم الأئمة (عليهم السّلام)، ثبت اللّٰه المؤمنين على الإيمان و الولاية و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل.

هل ترون ما ذهب إليه صاحب الحدائق من أن لبس السواد في عزاء سيد الشهداء (عليه السّلام) و بقية الأئمة (عليهم السّلام) راجح شرعاً؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 153

باسمه تعالى ما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدّس سرّه) صحيح، فإن لبس السواد من مظاهر الحزن على ما أصاب سيد الشهداء (عليه السّلام) و أهل بيته و أصحابه (عليهم السّلام) و كذا سائر الأئمة (عليهم السّلام) و إظهار الحزن في مصايبهم مندوب شرعاً للنصوص الكثيرة و فيها الصحيح، و اللّٰه العالم.

أ لا يكره للمصلي لبس السواد؟ كيف نجمع بين هذا الحكم الشرعي و بين استحباب لبس السواد عزاءً على الحسين (عليه السّلام)؟

باسمه تعالى لم يثبت كراهية لبس السواد لا في الصلاة و لا في غيرها. نعم، ورد في بعض الروايات ما يستفاد منها كراهية لبس السواد، و لكنها ضعيفة السند، و مع الإغماض عن ضعفها فالكراهة في الصلاة بمعنى كونها أقل ثواباً، و لبس السواد في عزاء الحسين و الأئمة

(عليهم السّلام) لأجل إظهار الحزن و إقامة شعائر المذهب مستحب نفسي، و ثوابه أكثر من نقص الثواب في الصلاة، و اللّٰه العالم.

ما حكم اللباس الأسود في الصلاة أيام وفيات الأئمة (عليهم السّلام)، هل هو مكروه؟

باسمه تعالى إذا كان اللبس بداعي إظهار الحزن و تعظيم الشعائر فليس بمكروه، و اللّٰه العالم.

العزاء و اللطم

هل يجوز إقامة العزاء على المعصومين (عليهم السّلام) من قبل النساء بصوت عالٍ مع العلم بوصول الصوت إلى الرجال الأجانب؟

باسمه تعالى إذا كان المجلس للنساء فقط فلا بأس به، و اللّٰه العالم.

أشيع في الآونة الأخيرة مقالة مفادها: أنه ليس من الضروري اللطم على المعصومين، ما دام الحزن موجوداً في القلب. ما رأي سماحتكم في هذا؟

باسمه تعالى لا يكفى الحزن في القلب في إقامة الشعائر على المعصومين (عليهم السّلام) بل ينبغي

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 154

في تحقيق شعار الحزن إظهار البكاء و التباكي و اللطم لتنبيه الناس على ما جرى عليهم من المظلومية، و اللّٰه العالم.

اللطم على الصدور و الضرب بالسلاسل

تكلم البعض عن الشعائر الحسينية و قال: إن اللطم على الصدور و الضرب بالسلاسل حالة من التخلف الحضاري. فما هو رأيكم في هذا الأمر؟

باسمه تعالى كل ما يدخل في عنوان الجزع لما أصاب سيدنا سيد الشهداء (عليه السّلام) فهو مرغوب إليه، كما ورد في الروايات الصحيحة، و كذا غيره من الأئمة (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

ضرب السلاسل إلى حد احتقان الدم

هناك من يذهب في اللطم أو الضرب بالسلاسل إلى حد احتقان الدم تحت الجلد و تسبب اسوداد، بل و يؤدي إلى الإدماء، هل يجوز ذلك؟

باسمه تعالى إذا صدق عليه عنوان الجزع فلا بأس، و اللّٰه العالم.

الكشف عن الصدور لِلّطم و الضرب بالسلاسل

هناك من الرجال من ينزع ملابسه للطم و الضرب بالسلاسل، و هم على مرأىً من النساء، هل يجوز لهم ذلك؟

باسمه تعالى لا يجب على الرجال الستر أزيد من الستر الواجب، و هو ما يستر ما بين السرة و الركبة، فإذا كان نزع القميص لغرض عقلائي فلا بأس بنزعه، و المورد من هذا القبيل. نعم، لا يجوز للنساء النظر إلى الرجال مع الالتذاذ الجنسي مطلقاً، و اللّٰه العالم.

كل جزع مكروه سوى الجزع و البكاء على الحسين (عليه السلام)

ما رأيكم في رواية معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السّلام) كل الجزع و البكاء مكروه

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 155

سوى الجزع و البكاء على الحسين (عليه السّلام)، سنداً و دلالة؟

باسمه تعالى هي تامة دلالةً و صحيحة سنداً، و اللّٰه العالم.

البكاء و الجزع لسيد الشهداء (عليه السلام)

ما هو حكم ضرب الهامات بالسيوف في عاشوراء و غيرها مواساةً للإمام الحسين (عليه السّلام) و ولده و أصحابه (رضوان اللّٰه تعالى عليهم)؟

باسمه تعالى الجزع و البكاء على سيد الشهداء و ولده و أصحابه (عليهم السّلام) أمر مطلوب و مرغوب فيه، فالأفضل اختيار ما هو محرز دخوله في الجزع كالبكاء و اللطم على الرأس و الصدر و الفخذين و العويل و نحو ذلك، و اللّٰه العالم.

الجهر بالبكاء في ليلة عاشوراء

في ليلة عاشوراء و ليالي محرم عامة تحدث بعض الظواهر، أردت الاستفسار من سماحتكم عن حكمها، كالبكاء بصوت مرتفع مع أنه يوجد عدد من الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة التي تحث المسلم على أن يمسك بزمام نفسه عند المصيبة و تحرم النياح، قال تعالى الَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.

باسمه تعالى ما جرى على أهل البيت (عليهم السّلام) في يوم عاشوراء مصيبة في المذهب و الدين، فإن الجزع فضلًا عن البكاء في مصايب أهل البيت (عليهم السّلام) يعتبر عبادة، و الآية ناظرة إلى المصيبة الشخصية كفقد عزيز على الشخص لا المصيبة الدينية، و اللّٰه العالم.

البكاء و الجزع

في بعض التصريحات: إنّه لا داعي لإثارة مصيبة كربلاء بين الناس بشكل عنيف و حماسي بحيث يكون (حالة طواري بكائية!) فإنّ ذلك ليس أسلوباً حضارياً

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 156

و لا إسلامياً، ما هو رأيكم في هذه الدعوى؟

باسمه تعالى البكاء الشديد و الإبكاء المثير من الأُمور المستحبّة التي دلّت على رجحانها النصوص الكثيرة؛ ففي الوسائل (باب 66 من أبواب المزار) روايات كثيرة في استحباب ذلك، و منها صحيح معاوية بن وهب، عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال لشيخ: أين أنت عن قبر جدّي المظلوم الحسين؟ قال: إنّي لقريب منه. قال (عليه السّلام): كيف إتيانك لهُ؟ قال: إنّي لآتيه و أُكثر. قال (عليه السّلام): ذاك دم يطلب اللّٰه تعالى به، ثمّ قال: كلّ الجزع و البكاء مكروه ما خلا الجزع و البكاء لقتل الحسين (عليه السّلام). و اللّٰه العالم.

تقدّم البكاء أو الخطبة في يوم عاشوراء

في الأيام العشرة الأولى من المحرم كما هو معروف نحتفل نحن الشيعة بذكري عاشوراء، و من ضمن المراسيم التي تقام في تلك الأيام أن يأتي الخطيب إلى المأتم الحسيني و يطرح موضوعاً دينياً أو اجتماعياً أو ثقافياً مما يفيد المجتمع به، و مما يحتاجه المجتمع الإسلامي عامة، و بعد أن يلقي الخطيب موضوعه يبدأ الخطيب بذكر مصيبة الإمام الحسين و أهل بيته و أصحابه و ذكر الأبيات التي تجلب الدمع في مصابهم (عليهم السّلام) و هذا الجميع متفق عليه، إلّا أنه في يوم العاشر أو ليلة العاشر اختلف الناس بين من يقول إنه يجب أن يقتصر المجلس الحسيني على ذكر المصيبة و البكاء على الإمام الحسين و ما جرى عليه في ذلك اليوم، مع تضمينها مواعظه (عليه السّلام) و بنفس طريقة قراءة

التعزية، حيث إنّ الناس في ذلك اليوم يكونون متعطشين إلى البكاء على الإمام الحسين (عليه السّلام)، و بين من يقول: إنه لا بأس بالإتيان بالموضوع و لو بشكل مختصر و الإتيان بالمصيبة، و بذلك نجمع بين العِبرة و العَبرة خصوصاً إذا كان الخطيب ذا قدرة عالية في إيصال المعلومة، و يطرح مواضيع جيدة تهم و تفيد المجتمع الإسلامي مع التركيز على جانب المصيبة أكثر. نرجو من سماحتكم إبداء رأيكم في ذلك؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 157

باسمه تعالى ينبغي للخطيب أن يذكر في ليلة عاشوراء و يومها الأُمور الراجعة إلى مصايب أهل البيت (عليهم السّلام) فإن مصايبهم كثيرة و العبرة في هذه الأيام مطلوبة جدّاً فإن البكاء و التعزية عليهم (عليهم السّلام) من شعائر الموالين لأهل البيت (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

خلع الملابس في العزاء

ما هو الحكم الشرعي و الحضاري في نظركم بالنسبة لخلع الملابس في العزاء «فقط الصدر» إذا كنا نعزي أصلًا في الشوارع العامة؟

باسمه تعالى لا بأس بالنزع المزبور في العزاء و إن كان في الشوارع العامة، و اللّٰه العالم.

الضرب على الفخذ أثناء اللطمية

هل يجوز الضرب على الفخذ أثناء اللطمية أم الضرب محصور على الصدر فقط؟

باسمه تعالى لا بأس به في الصورتين، و اللّٰه العالم.

استعمال الطبل و الدمام في مراسيم العزاء

هل يجوز استعمال الطبل و الدمام في مراسيم عزاء سيد الشهداء (عليه السّلام)؟

باسمه تعالى لا يجوز استعمال آلات اللهو في العزاء، نعم لا بأس بالضرب على الطبل الذي لا يعد من آلات اللهو، و اللّٰه العالم.

استعمال الرايات و العلامات في مراسيم العزاء

ما حكم استعمال الرايات و العلامات في مراسيم العزاء الحسيني، علماً بأن على بعضها نقوشاً و رسوماً؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 158

باسمه تعالى لا بأس بذلك، و اللّٰه العالم.

هل مراسيم العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) معينة؟

هل ذكرت الروايات التي تدعو إلى الجزع و البكاء و إقامة مراسيم العزاء على الإمام الحسين (عليه السّلام) مظاهر معينة؟ أو أنها تركت الناس يقومون بالمظاهر كيفما يشاؤون؟

باسمه تعالى اللطم و البكاء و إن كان عنيفاً و شديداً حزناً على الحسين (عليه السّلام) من الشعار الديني و داخلان تحت الجزع، و قد وردت روايات معتبرة في رجحانه و استحبابه و كونه موجباً للتقرب إلى اللّٰه سبحانه، و لو أدى اللطم إلى اسوداد الصدر و الإضرار بالجسد لا بأس به، ما لم يصل إلى حدّ الجناية، و لم يكن وهناً للمذهب، و اللّٰه العالم.

التبرع بالدم في يوم عاشوراء

هل التبرع بالدم باسم سيد الشهداء (عليه السّلام) داخل في عنوان العزاء؟ و ما هو نظركم حول القيام ببعض الأعمال التي توجب دعوى المخالفين؟

باسمه تعالى لا يرتبط التبرع بالدم بعزاء سيد الشهداء (عليه السّلام) و الجزع على مصايبه (عليه السّلام)، و لكن لا يهمنا دعوى المخالفين فإن تهمهم لنا كثيرة و يجب على المؤمنين التحفظ على الجزع لمقتل سيد الشهداء و أهل بيته و أصحابه (عليهم السّلام)، فإن التأمل في هذه القضايا طريق مستقيم إلى الوصول إلى حقيقة مذهب الشيعة حفظهم اللّٰه من الشرور و كيد الأعداء، كما حفظهم على مدى العصور إلى يومنا هذا، و اللّٰه الموفق و الهادي إلى سواء السبيل.

عمل التشابيه في عزاء سيد الشهداء (عليه السلام)

هل يجوز إجراء التشابيه في عزاء سيد الشهداء (عليه السّلام)، (التمثيليات التي تصور واقعة الطف)؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 159

باسمه تعالى إذا لم يكن فيها وهن للإمام (عليه السّلام) و أولاده و أهل بيته و أصحابه و لم يشتمل على محرم آخر كالكذب و الموسيقى فلا بأس، و اللّٰه العالم.

السجود على تربة الحسين (عليه السلام)

التربة الحسينية زادها اللّٰه عزاً كثيراً ما نرى مكتوب عليها لفظ الجلالة أو أسماء المعصومين (عليهم السّلام)، فما رأيكم الشريف في السجود عليها حيث يكون لفظ الجلالة تحت الجبهة؟

باسمه تعالى لا يبعد الجواز و إن كان الأحوط السجود على الجهة المخالفة، و اللّٰه العالم.

السجدة في زيارة عاشوراء

اختلف بعض المؤمنين في أن السجدة الموجودة في آخر زيارة عاشوراء للإمام الحسين (عليه السّلام) يجب أن تكون باتجاه القبلة أو بنفس اتجاه كربلاء، فما هو الصحيح أو الأصح؟

باسمه تعالى الصحيح أن السجود هو سجود الشكر للّٰه تعالى و كونه باتجاه القبلة أولى، و لا فرق بين الاتجاه إلى كربلاء و غيرها، و اللّٰه العالم.

محل دفن رأس الحسين (عليه السلام)

هل رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) مدفون في مصر؟

باسمه تعالى المعروف المشهور ان رأسه الشريف أعيد إلى كربلاء، و اللّٰه العالم.

الحضور في مواكب اللطم

من الملاحظ في الآونة الأخيرة أن الحضور في موكب اللطم في شهر محرم الحرام يكون بشكل كثيف و للّٰه الحمد، و لكن للأسف الشديد نرى أن الإقبال على

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 160

اللطم ضعيف جدّاً في المناسبات الأخرى كوفاة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة الأطهار (عليهم السّلام)، لذلك نرجو من سماحتكم المشاركة بكلمة توجهونها للمؤمنين تحث على الحضور بهذه المناسبات و خصوصاً اللطم، لأن الملاحظ و للّٰه الحمد أن بعضاً من الشباب اهتدى في مراسيم اللطم في شهر محرم؟

باسمه تعالى كان الاهتمام بمصيبة سيد الشهداء (عليه السّلام) أكبر لأن ما جرى عليه (عليه السّلام) دليل على أحقية المذهب، و يجب على الشيعة التحفظ على ذكر هذه الواقعة المؤلمة التي تحرق القلوب، حتى تعلم الأجيال القادمة أن مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) على الحق، و إن مذهب أعدائهم على الباطل، و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل.

الدخول في المآتم الحسينية بالحذاء

ما هو رأيكم في الدخول للمأتم الحسيني بالحذاء أو النعال؟

باسمه تعالى المناسب للمأتم الحسيني أن يدخل الشخص حافياً، و اللّٰه العالم.

نصيحة لأصحاب المآتم

بم تنصحون أصحاب المآتم الحسينية لتفعيل دورها في حياتنا اليومية و على جميع الأصعدة (الروحية، الاجتماعية، الأخلاقية)؟

باسمه تعالى عليهم أن يدعوا من له اطلاع صحيح على المعارف الدينية و ذكر المصائب من الكتب المعتبرة، و عليهم أن يحافظوا على حرمة المأتم من التصفيق و نحوه، مما يعد لهواً، فإن اللهو لا يناسب حرمة مقام الأئمة و أهل البيت (عليهم السّلام)، و اللّٰه هو الموفق.

احتفالات بمواليد الأئمّة (عليهم السلام)

نحن نخبة من شباب القرية نقوم أحياناً بعرض مسرحيات قصيرة أثناء الاحتفالات بمواليد أئمة أهل البيت (عليهم السّلام)، و يتخلل هذه المسرحيات بعض المواقف

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 161

المضحكة فهل يعتبر الضحك في هذه الحالة إخلالًا بقدسية المسجد. علماً بأننا نهدف من وراء العمل المسرحي لفت أنظار النّاس لبعض الظواهر السيئة و معالجة بعض السلبيات المنتشرة في المجتمع بأسلوب حواري و غير ممل؟

باسمه تعالى اللهو في مجالس الأئمة (عليهم السّلام) غير جائز سواء كان بالمسرحيّة أو غيرها، و اللّٰه العالم.

تقديم الصلاة أم مواصلة العزاء؟

ما هو المقدم في أيام عزاء سيد الشهداء (عليه السّلام)، الصلاة أم مواصلة إقامة العزاء؟

باسمه تعالى إن سيّد الشهداء قتل في سبيل إقامة الدين الحنيف، و إبطال التحريفات الواقعة في الدين من قبل الظلمة و المعاندين للدين، و الصلاة عمود الدين و أول ما يحاسب به العبد الصلاة، و هو (عليه السّلام) أقام الصلاة أثناء المعركة مع أن أعداء الدين لم يمهلوه لإقامتها، و قد قتل بعض أصحابه (عليهم السّلام) دفاعاً عنه حين إقامته (عليه السّلام) للصلاة، و اللّٰه العالم.

نقل الروايات الصحيحة و غير الصحيحة و حكمُه

ما هو الحكم الشرعي لمن كتب رواية حسينية معتمداً على مصدر غير موثوق به؟

باسمه تعالى إذا لم يحرز كذبها فلا بأس بقراءتها مسنداً إلى الكتاب بأن يقول ذكر فلان في كتابه كذا، و اللّٰه العالم.

كيف نميز الرواية الصحيحة من الخاطئة؟

باسمه تعالى يميز ذلك بالرجوع إلى أهل الخبرة، و اللّٰه العالم.

ما مدى صحة بعض العبارات الواردة في بعض الروايات مثل: شقت جيبها، نشرت شعرها، و هل يجوز قراءتها في المأتم؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 162

باسمه تعالى لا بأس بقراءتها، فإنها مذكورة في بعض الكتب المعدودة من الكتب المعتبرة، و اللّٰه العالم.

لو أعطيت إحدى القارئات مقطعاً من رواية لقراءتها و هي على علم سابق بعدم صحة هذه الرواية، فهل تأثم إذا قرأتها؟

باسمه تعالى إذا أحرزت عدم صدقها بوجه معتبر فلا يجوز قراءتها، و اللّٰه العالم.

هل يشترط لنقل رواية المعصومين (عليهم السّلام) الإجازة من المجتهد الفقيه؟ و إذا حصل شخص هذه الإجازة فكيف ينقل رواية المعصومين؟

باسمه تعالى لا تشترط الإجازة من المجتهد، و إذا أراد نقلها فينقلها عن أحد الجوامع للروايات، و إذا أراد إسنادها إلى الإمام (عليه السّلام) فلا بد من إحراز تمامية

السند، و اللّٰه العالم.

معاني بعض الروايات

روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ما مضمونه: «نحن صنائع اللّٰه، و الخلق بعد صنائع لنا». فما معنى الحديث الشريف؟ إنّ البعض يتّهم ناقله و راويه بالغلوّ و الكفر و العياذ باللّٰه؟

باسمه تعالى لم يثبت هذا الحديث بسند معتبر، و لكنّ ظاهره أمر صحيح، أي نحن مطيعون لما أمر اللّٰه سبحانه، حيث أنّ الصانع لشخص أي الخادم له يطيعه، و الناس يجب عليهم إطاعتنا، حيث إنّ للأئمة (عليهم السّلام) الولاية على الناس فيما يأمرون و ينهون عنه؛ إذ يقول اللّٰه سبحانه و تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» و هم الأئمة (عليهم السّلام) على مذهب الشيعة صانهم اللّٰه من الشرور. و للأئمة (عليهم السّلام) مقامان: أحدهما مقام بيان أحكام الشريعة، و الآخر مقام الولاية على الناس، فيجب إطاعتهم في هذا القسم كما يجب الأخذ

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 59.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 163

بقولهم في المقام الأوّل لامتثال أحكام الشريعة و تكاليفها، و اللّٰه العالم.

هل الحديث الوارد: «و اللّٰه لو سرقت فاطمة لقطعت يدها» صحيح أم غير صحيح؟

هذا وارد في النقل و إن كان هذا الفعل لا يصدر من الزهراء (سلام اللّٰه عليها)، و لذا عبر بكلمة (لو) نظير قوله تعالى لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا، و اللّٰه العالم.

باسمه تعالى ما رأي سماحتكم في الروايات التي ينقلها الخطباء على المنبر الحسيني الشريف في مصايب أهل البيت إذا كانت من المسموعات، و لم ترد في مصدر أصلًا أو وردت في مصدر غير معتمد و مشهور؟

باسمه تعالى إذا نقل من المسموع و لم يعلم كذبه فلا بأس، و اللّٰه العالم.

هل هذا الحديث

القدسي المشهور «لولاك لما خلقت الأفلاك ..» صحيح؟ و بعد صحته فما معنى فقرأت الحديث؟

باسمه تعالى لا بأس بمضامينه؛ لأنّه مطابق للروايات، و مضمون ما ذكر لا يبعد استفادته من القرآن الكريم حيث قال تعالى وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلّٰا لِيَعْبُدُونِ فيكون النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) غاية للخلقة، لأن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أفضل العابدين و أولاهم و الأمر في الأئمة (عليهم السّلام) كذلك، لما ذكرنا، و لما ورد في الأحاديث الكثيرة من قولهم: لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها، و اللّٰه العالم.

نقل فضائل المعصومين (عليهم السلام) دون التحقّق من السند

هل يجوز ذكر فضائل المعصومين (عليهم السّلام) و تداولها في المجالس و المحافل دون التحقق من أسانيد تلك الروايات؟

باسمه تعالى إذا لم يعلم اعتبار النقل فلا بأس بذلك بعنوان الحكاية عن كتاب ما لم يعلم

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 164

كذبه، و اللّٰه العالم.

طريقة نقل الروايات

من الضروري إلزام أيّ خطيب أن لا يتحدّث بأيّ حديث إلّا بعد التحقّق من صحّته، هل يمكن إصدار فتوى بهذا المضمون؟

باسمه تعالى لا يجب ذلك، بل يكفي أن ينقل من الكتاب ما لم يعلم كذبه، و لم يكن نقله بحيث يعتقد الناس أنّه من مسلّمات الدين، و اللّٰه العالم.

نصيحة لمن يريد كتابه رواية حسينية للقراءة في المأتم

ما هي نصيحتكم لمن يريد كتابه رواية حسينية لقراءتها في المأتم؟

باسمه تعالى فليكتب ما يكتب من الكتب المعتبرة كاللهوف في قتلى الطفوف، و نفس المهموم، و البحار المتعلق بقضايا الإمام الحسين (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) مع الإمامة و القيادة

كيف كان الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) يمارس دوره في قيادة الأُمّة الإسلامية و هو في السجن؟

باسمه تعالى بعد خلافة الإمام علي (عليه السّلام) نرى أنّ الأئمة (عليه السّلام) مُنعوا من التصدّي لمنصب الزعامة على الرعية، و لذا صار همّهم بعد ما غُصبت ولايتهم على الرعية ظلماً و عدواناً نشر أحكام الدّين على ما وصل إليهم من جدّهم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و في ضمن نشر فروع الدّين بيّنوا ما وقع عليهم من الظلم، و أنّ المتصدّين الفعليين غاصبون لمنصبهم و تاركون لوصيّة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و من أجل ذلك وقعوا موقع الغضب و الإيذاء من الغاصبين لحقّهم المتربّعين على كرسي الحكم في زمانهم. و ما سألت عنه من قضية الإمام الكاظم (عليه السّلام) كان من هذا القبيل، و وردت روايات أن الإمام (عليه السّلام) كان له اتصال ببعض شيعته للإجابة على

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 165

مسائلهم و هو في داخل السجن، و كانت تصله الرسائل، و لم تكن طيلة حياته في السجن، بل كان له أصحاب و وكلاء ينقلون آراءه إلى الأمة، و اللّٰه العالم.

الإمام مقتول أو مسموم

هل الإمام الرضا (عليه السّلام) مات مقتولًا أو مسموماً؟

باسمه تعالى قد روي بطريق معتبر عن الإمام الرضا (عليه السّلام) أنّه قال ما منّا إلّا مقتول شهيد، و اللّٰه العالم.

الخلافة

ما المقصود بفلان في قول علي (عليه السّلام) كما في نهج البلاغة «للّٰه بلاء (و في بعض النسخ بلاد) فلان، فقد قوم الأود و داوى العمد، و خلق الفتنة، ..»؟

باسمه تعالى هذه الرواية مخالفة لما ورد في النهج من خطب أو كلمات، و خصوصاً الخطبة الشقشقية، و على فرض صحتها فلها محامل متعددة، و منها الحمل على التقية بمناسبة مورد صدور هذا الكلام، كما يظهر ذلك لمن تتبع و راجع تاريخ الطبري و ابن عساكر في تاريخ دمشق، فعلي (عليه السّلام) و أبناؤه المعصومون (عليهم السّلام) تعرضوا للتقية من حكام الجور في عصورهم. و من رام التوسع فليرجع لمنهاج البراعة للميرزا حبيب اللّٰه الخوئي (قدّس سرّه) ج 14 في شرحه لما ورد في هذه الخطبة، و اللّٰه العالم.

دعوى الاتصال بالحجّة (عج) و أخذ الأحكام منه

ما هو رأي سماحتكم بمن يدّعي الاتصال بالإمام الحجّة و يأخذ علومه منه مباشرة، سواء كان باليقظة أم المنام؟

باسمه تعالى لا اعتبار بدعواه، و لا يكون قوله مجزياً بالنسبة إلى أعمال نفسه فضلًا عن غيره، نعم يمكن التشرّف بحضرته (عليه السّلام) لبعض الأوحديين، و لكنّه لا يدّعي مثل هذه

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 166

الأقوال، و يخفي أمره، و اللّٰه العالم.

دعوى السفارة باطلة

هناك مشكلة انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض الدول الإسلامية و هي دعوى السفارة و البدع التي تترتّب عليها، فما هو رأيكم بذلك؟

باسمه تعالى دعوى السفارة في الغيبة الكبرى باطلة، و اللّٰه العالم.

التعامل مع دُعاة السفارة

إذا سلّم أحد من أهل البدعة و السفارة، هل يجب ردّ السلام؟

باسمه تعالى إذا كان الأمر كذلك، فلا يجب ردّ سلامه و تحيّته، و اللّٰه العالم.

هل يمكن في عصر الغيبة أن يحل شخص مقام الإمام (عليه السلام)

عقيدتنا نحن الإمامية عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة الأطهار (عليهم السّلام) بالعصمة و العدالة و العلم الذي استلهم من الوحي و التقوى و الورع و وجبت علينا إطاعتهم من قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فهل يمكن في عصر الغيبة أن يَحِلّ شخص مقام الإمام (عليه السّلام) و لم تكتمل صفاته في العصمة و العلم كما في القول بولاية الفقيه المطلقة، و يصبح و كأنّه الإمام المعصوم أم لا؟.

باسمه تعالى الأئمة المعصومون عندنا اثنا عشر لا غير، نعم يمكن أن يكون الفقيه المأمون مديراً لبلد من بلاد المسلمين أو قائماً بشؤون المسلمين يحرص على هدايتهم للوصول إلى سعادتهم الدنيويّة و الأخروية، و اللّٰه العالم.

الاعتقاد بالغيبة

هل يجب الاعتقاد بغيبة الإمام المهدي (عليه السّلام)؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 167

باسمه تعالى نعم، يجب الاعتقاد بذلك، فمن لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، و اللّٰه العالم.

الإمام المهدي (عج) و خروجه بالسّيف

يقول البعض بخروج الإمام المهدي بالسيف، ما هو المراد من السيف و كيف تفسرونه؟

باسمه تعالى يمكن أن يكون المراد بالسيف المعنى الظاهر لهذه الكلمة، و تفسيره بالقوة و أداة القتال يحتاج إلى القرينة، و إن كان هذا في حدّ نفسه ممكناً و كون هذا الزمان زمان التقدّم العلمي و الآلات التكنولوجية المتطورة لا يكون قرينة على صرف معنى كلمة السيف عن ظاهرها، لأنا لا نعلم زمان خروجه (عليه السّلام) و لا ظروف ذلك الزمان، فلعل جميع هذه الوسائل المتطورة تفنى يبقى منها شي ء، أو تتعطل عن عملها و لو بمشيئة اللّٰه تعالى على نحو الإعجاز بعد ظهوره (عليه السّلام)، كما شاء اللّٰه تعالى أن يجعل النار برداً و سلاماً على إبراهيم (عليه السّلام)، و كما أن السكين مع كونها حادة لم تذبح إسماعيل (عليه السّلام)، و كما في انفلاق البحر لموسى (عليه السّلام)، و غير ذلك من الموارد التي أظهرها اللّٰه تعالى، فإنّ اللّٰه على كلّ شي ء قدير.

القيام لذكر الإمام المهدي (عج) و وضع اليد على الرأس

وضع اليد على الرأس عند ذكر الحجة بن الحسن، هل هو مروي برواية معتبرة؟ و كذا القيام عند ذكر (القائم) أرواحنا فداه؟

باسمه تعالى ما وجدنا في ذلك رواية معتبرة، و لكنه نقل في بعض الكتب، و ينبغي العمل به رجاءً للثواب، و اللّٰه العالم.

غيبة صاحب الزمان (عج)

ما معنى غيبة صاحب الأمر، هل تعني غيبة العنوان، أي أنّ الإمام

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 168

ظاهر بشخصه يخالط الناس و لكنهم لا يعرفونه؟ أم إن شخصه مغيب يراه و لا يتصل به أحد؟

باسمه تعالى هو عجل اللّٰه فرجه غائب عن عيون الناس و عن معرفتهم، بحيث لا يعرفونه حتى لو رأوه بينهم، و لا يخالطهم و لكنه يراهم و يعلم بما يجري عليهم و يتأثر لحالهم. نسأل اللّٰه أن يفرج عن المؤمنين بظهوره، و اللّٰه العالم.

محل قبر السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها)

هل السيدة زينب بنت السيدة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) مدفونة في القاهرة بمصر؟

باسمه تعالى المعروف عند الشيعة أنّها مدفونة في الشام في المكان المعروف باسمها (سلام اللّٰه عليها) فعلًا، و اللّٰه العالم.

السيدة زينب (عليها السلام) تضرب بجبينها عمود المحمل

ما مدى صحة الرواية التي تقول إن السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها) ضربت رأسها بالمحمل؟

باسمه تعالى الأمر في ضرب السيدة زينب (سلام اللّٰه عليها) جبينها على عمود المحمل حتى سالت الدماء منقول كسائر خصوصيات المصائب الواردة عن الأئمة (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

شبيه القاسم بن الحسن (عليه السلام) و حكمُه

من المتعارف عندنا في الخليج في شهر محرم الحرام تخصيص اليوم الثامن لشبيه القاسم بن الحسن (عليه السّلام)، و لإثارة الندبة و النياحة يطرح الخطباء على المنابر مصيبته و ينقلونها حسب ما ذكره المؤرخون، و منها زواجه بابنة عمه المسماة له في يوم الطف، و ربّما يدخلون ما يعبر عن مراسيم الزواج كالشموع في وسط المجلس، فيزداد حزن الناس، إلّا أنه في عصرنا الحاضر كثر المعترضون على مثل هذه الروايات و التعبير عنها بالضعف، و كأنه الشغل الشاغل لهم، بل بلغ الأمر إلى الاستشكال في

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 169

قراءة مثل هذه الرواية، فبمَ تنصحون أمثال هؤلاء، حيث إنّ مصيبة الطف جامعة لكل المصائب؟

باسمه تعالى لا بأس بقراءة هذا المجلس على القاسم بن الحسن (عليه السّلام)، و لكن حسب ما ورد في الكتب التاريخية، بحيث لا تكون قراءته على نحو يترسخ في أذهان الناس أنها حتمية الحصول، بل على نحو الاحتمال، و المسائل المتيقنة و المطمئن بها غير قليلة، فليكن الاهتمام بها أكثر للترسخ في الأذهان للأجيال القادمة لدفع الشبهات التي تحيط بهم، و اللّٰه الموفق.

الرياء في مراسيم العزاء

هناك من يلطم أو يضرب بالسلاسل رياءً و تظاهراً أمام الناس، ماذا تقولون في ذلك؟

باسمه تعالى نيل الثواب يحتاج إلى قصد القربة، فإذا لم يكن للشخص قصد القربة فلا يستحق الثواب الموعود، و اللّٰه العالم.

قراءة التواشيح بألحان غنائية

بعض الشباب يقومون بقراءة إشعار في مدح النبي و أهل بيته (عليهم السّلام) أو بإشعار مناجاة و أدعية و بصورة ألحان، و هذا ما يسمى بالتواشيح، و لكن و مع الأسف بعض قليل من فرق التواشيح استخدموا ألحاناً غنائية في بعض القراءة، فما هو نظركم في هذه المسألة؟

باسمه تعالى قراءة التواشيح الدينية بالحالة الغنائية فيها إشكال، و اللّٰه العالم.

تطبيق ألحان الأغاني في اللطميات

هل يجوز أخذ لحن الأغاني في طور اللطميات الحسينية و الأناشيد الإسلامية؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 170

باسمه تعالى لا يجوز قراءة التعزية الحسينية بالكيفية اللهوية، و اللّٰه العالم.

رفع أصوات النساء في مجالس التعزية

يلاحظ في مجالس التعزية التي تقيمها النساء و التي تتضمن الخطابة و قراءة المراثي أن أصواتهن ترتفع حتى تبلغ مسامع الرجال الذين يسيرون في الطريق، هل يجوز ذلك؟

باسمه تعالى إذا كان المجلس للنساء فقط فلا بأس، و اللّٰه العالم.

التصفيق في المأتم

ما رأيكم في التصفيق في المأتم أثناء المصيبة أو في الدور (الوقوف لقراءة الردادية أو اللطمية)؟

باسمه تعالى لا يجوز ذلك، كل ذلك بدعة و استخفاف بالمصائب الواردة على الأئمة (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

حكم التصفيق في الحسينية

ما رأي سماحتكم بالتصفيق في الحسينية في ليالي مواليد الأئمة أثناء الترنم بقراءة قصائد مدح أهل البيت تعبيراً عن الفرحة لفرحهم (عليهم السّلام) دون الإخلال بحرمة المكان و قداسته؟

باسمه تعالى التصفيق داخل في اللهو و لا يناسب مجالس الأئمة (عليهم السّلام)، و يجب امتياز مجالسهم (عليهم السّلام) عن سائر المجالس بالتوجه إلى اللّٰه سبحانه و تعالى و الاستماع إلى كلماتهم (عليهم السّلام) من المطلع الخبير و غير ذلك من الأُمور الراجحة، و اللّٰه العالم.

رفع العلامات بحركات بهلوانية

يقوم بعض من يرفع (العلامات) بحركات بهلوانية تلفت النظر من قبيل الدوران

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 171

حول نفسه مباهاة بقوته و استعراضاً لقدرته على رفع هذا الحمل الثقيل، مدعياً أنه يستلهم القوة من الإمام الحسين (عليه السّلام) و من أمير المؤمنين (عليه السّلام)، هل يجوز ذلك؟

باسمه تعالى لا بأس بذلك بحيث لا يكون منافياً لعزاء الحسين (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

استخدام المسجد في الاحتفالات

هل يجوز استخدام المسجد في الاحتفالات الخاصة، كاحتفالات الزواج أو الخطوبة و ما شابهها؟

باسمه تعالى المسجد معبد للمسلمين، و لا يجوز في المسجد إقامة الاحتفالات غير المناسبة لشؤون المسجد. نعم، لا بأس بإقامة الاحتفالات فيه التي فيها تعظيم لشعائر الدين و المذهب، و اللّٰه العالم.

الزواج في محرم و صفر

جرت عادت الشيعة (حفظهم اللّٰه) على أن لا يتزاوجوا في شهر محرم الحرام و صفر المظفر. لو رجعنا إلى الناحية الفقهية و الشرعية، فهل في الزواج محذور؟ و لو رجعنا إلى الناحية العرفية فإن في ذلك قبحاً عظيماً على من يرتكب هذا الشي ء، فنريد أن نعرف هل الشارع المقدس يأخذ العرف كدعامة في أحكامه؟ و ما هو نظركم بمن يفعل هذا؟

باسمه تعالى لا بركة في الزواج في أيام أحزان الأئمة (عليهم السّلام) و الشيعة حفظهم اللّٰه من شرور أعدائهم، و هذا ليس أمراً مربوطاً بالعرف و إنّما هو مستفاد من بعض الروايات الواردة عنهم (عليهم السّلام)، و اللّٰه الهادي.

هناك من يخصص ليلة الرابع عشر من شهر محرم للعقد أو للدخول فيه؛ باعتبار هلاك عدو من أعداء اللّٰه فيه، فهل هذا التبرك ممنوع؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 172

باسمه تعالى أمر إظهار الحزن على سيد الشهداء أهم من ذلك، و اللّٰه العالم.

أي كتب المقاتل أكثر اعتباراً؟

أي كتب المقاتل أكثر اعتباراً في نظركم الشريف؟

باسمه تعالى من الكتب المعتبرة كتاب اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاوس (رضى اللّٰه عنه) و مقتل أبي مخنف (رضى اللّٰه عنه) و مقتل السيد عبد الرزاق المقرم (رضى اللّٰه عنه) و كتاب المجالس السنية للسيد محسن الأمين (رضى اللّٰه عنه)، و عليكم بالبحار أيضاً في المجلد المختص بسيد الشهداء (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

تحريف القرآن

لقد سمعنا و من ثم اطّلعنا على آرائكم (الشيعة) و رواياتكم المزعومة في أُمّهات كتبكم عن تحريف القرآن، علماً بأنّ هذا يخالف ما نص عليه الكتاب و السنة النبوية الشريفة، فما رأيكم في هذه الروايات الموجودة في كتابكم الكافي و غيره ..؟

باسمه تعالى المشهور عند الشيعة، بل كاد يكون متفقاً عليه عدم وقوع التحريف في القرآن المجيد، بمعنى الزيادة و النقصان؛ فقد ذكر الشيخ الصدوق و هو شيخ المحدثين في كتابه «الاعتقادات» ما هذا نصه: «اعتقادنا في القرآن الذي أنزله اللّٰه تعالى على نبيه محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو ما بين الدفتين، و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك إلى أن قال و من نسب إلينا انا نقول انه أكثر من ذلك فهو كاذب».

نعم ورد في بعض الروايات الضعيفة سنداً ما يظهر منها وقوع التحريف بمعنى النقص في القرآن الكريم، و لا يمكن الاعتماد عليها لضعفها و شذوذها، و هي لا تعبر عن معتقد الشيعة الإمامية. أما التحريف بمعنى عدم العمل بالكتاب المجيد و هجره، فنحن

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 173

نقول به، و هو واقع حتى في زماننا هذا، و لكن هذا أمر لا ربط له بمورد السؤال. ثم نحن

نقول: ان روايات التحريف لم تنفرد بها طائفة الشيعة الإمامية على ندرتها و شذوذها، فقد ورد في كتب الحديث لأهل السنة روايات كثيرة مصرحة بوقوع التحريف في القرآن المجيد، نذكر لك بعضها:

قال السيوطي في كتابه «الدر المنثور» (ص 179 ج 5) ما هذا نصه:

«و اخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس قال: أمر عمر بن الخطاب مناديه فنادى إن الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر فحمد اللّٰه و اثنى عليه ثم قال: يا أيّها النّاس، لا تجزعن من آية الرجم فإنها أنزلت في كتاب اللّٰه و قرأناها و لكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)».

المورد الثاني: «أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب انه قال: ان اللّٰه بعث محمداً بالحق و أنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزله اللّٰه آية الرجم فقرأناها و عقلناها و وعيناها، رجم رسول اللّٰه و رجمنا بعده، فأخشى ان طال بالناس زمان ان يقول قائل، و اللّٰه ما نجد آية الرجم في كتاب اللّٰه فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللّٰه ..». صحيح البخاري 8/ 208.

و أضاف: «ثم انا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّٰه .. و إن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم أو ان كفرا بكم ان ترغبوا عن آبائكم .. (البخاري: 8/ 208) و أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه «صحيح مسلم 2/ 1317» و أحمد بن حنبل إمام الحنابلة في مسنده.

و أخيراً نذكر لكم انه قد ألفت كتب كثيرة للشيعة الإمامية المتعرضة لنفي التحريف و الموجهة للروايات الواردة من طريقنا التي ظاهرها التحريف، اما بعدم العمل بها و أما باختلاف القراءة أو بنحو التقديم و التأخير

مع تصريحهم بضعف هذه الروايات سنداً و ندرتها و شذوذها، و من هؤلاء المؤلفين في عصرنا هذا السيد الخوئي (قدّس سرّه) و هو أحد كبار

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 174

مراجع الشيعة في كتابه «البيان»، و من هذه الكتب الكتاب المسمى «التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف» و غيرها كثير لمن طلب التتبع و البحث. هدانا اللّٰه و إياكم لما فيه الصواب و الحق و هو ولي الهداية و التوفيق.

القرآن و معنى التحريف

حسبما يدعي أهل السنة: ان الشيعة يقولون بتحريف القرآن و فيه من الزيادة و النقصان، و هناك سورتان من القرآن محذوفتان و هما سورة (الولاية) و سورة (النورين)، و يستشهدون على ذلك بأحد كتب الشيعة و هو (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للنوري الطبرسي، ما صحة ذلك؟ نرجو التوضيح.

باسمه تعالى التحريف بمعنى عدم العمل بالقرآن و مخالفته و تأويله واقع و نقول به حتى في يومنا هذا، و أمّا التحريف بمعنى الزيادة و النقصان، فالمشهور عند الشيعة بل كاد يكون متفقاً عليه عندهم عدم وقوعهما فيه. نعم، ورد في بعض الروايات الضعيفة سنداً ما يظهر منه وقوع التحريف بمعنى النقص في القرآن و لا يمكن الاعتماد عليها، و هذا قول شاذ نادر، و اللّٰه المستعان.

القرآن و صحّته

هل صحيح أنّ القرآن المتداول بين أيدي المسلمين غير الحقيقي، و القرآن الحقيقي هو عند الإمام الحجّة؟

باسمه تعالى هذا غير صحيح، إنّما الوارد هو أنّه بعد ظهوره يقرأ هذا القرآن في بعض الموارد على خلاف القراءة الفعلية، و يبيّن بعض الموارد التي فُسّرت على خلاف الواقع، و لو في التفاسير المشهورة، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 175

صلة أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن

هناك رأي يقول: إن أهل البيت (عليهم السّلام) أفضل عند اللّٰه من القرآن الكريم، فما هو تعليقكم؟

باسمه تعالى القرآن يُطلق على أمرين الأوّل: النسخة المطبوعة أو المخطوطة الموجودة في أيدي الناس، الثاني: ما نزل على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بواسطة جبرئيل (عليه السّلام) و الذي تحكي عنه هذه النسخ المطبوعة أو المخطوطة، و هو الذي ضحّى الأئمة (عليهم السّلام) بأنفسهم لأجل بقائه و العمل به، و هو الثقل الأكبر، و يبقى و لو ببقاء بعض نسخه، و أهل البيت (عليهم السّلام) الثقل الأصغر، و أمّا القرآن بالمعنى الأول الذي يطلق على كلّ نسخة فلا يُقاس منزلته بأهل البيت (عليهم السّلام) بل الإمام قرآن ناطق، و ذاك قرآن صامت، و عند دوران الأمر بين أن يحفظ الإمام (عليه السّلام) أو يتحفّظ على بعض النسخ المطبوعة أو المخطوطة، فلا بدّ من اتّباع الإمام (عليه السّلام) كما وقع ذلك في قضيّة صفّين، و اللّٰه العالم.

تلاوة القرآن قبل بدء المجالس الحسينية

أغلب المجالس الحسينية تقوم بمنع المقرئين من قراءة القرآن الكريم قبل بدء الخطباء بإلقاء خطبهم، فما هو رأيكم؟

باسمه تعالى قراءة القرآن في المجالس الحسينية و غيرها أمر راجح و لا يضر برجحانه عدم استماع الناس إليه، فإن الاستماع للقرآن مستحب آخر، و قوله تعالى وَ إِذٰا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فيراد به كما ورد في الروايات المعتبرة وجوب الاستماع لقراءة الإمام في الصلوات الجهرية كالمغرب و العشاء و الفجر، و اللّٰه العالم.

القرآن و فهمه من دون العترة

هل يجوز استظهار المعاني القرآنية من ظاهر الألفاظ، و بحسب معاني

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 176

الكلمات، و المعاني البلاغية، بدون الرجوع إلى النصوص الصحيحة من السنّة المطهّرة؟

باسمه تعالى لا يكفي الكتاب المجيد في استظهار الأحكام و العقائد بلا رجوع إلى القرائن الموجودة في الروايات المعتبرة المأثورة عنهم (عليهم السّلام) كما أنّ القرآن قرينة ظاهرة على كذب بعض الأخبار المنسوبة للأئمة (عليهم السّلام) المنافية للكتاب المجيد، المباينة لظواهره، و اللّٰه العالم.

هل يحرم على المرأة قراءة القرآن و غيره كمدح و رثاء آل البيت (عليهم السّلام) أمام الرجل الأجنبي؟

باسمه تعالى إذا لم يترتب عليه حرام فالأولى تركه، حيث إنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أسقط الجهر بالتلبية الواجبة عن النساء و الهرولة بين الصفا و المروة، فما ظنك بالإنشاد أمام الرجال الأجانب بالأناشيد التي تدخل في عنوان الواجب! و اللّٰه العالم.

هل يجوز إحراق الأوراق التي فيها آيات قرآنية مع عدم إمكان رميها في البحار أو الأمكنة النائية؟

باسمه تعالى لا يجوز إحراقها و إنما توضع في طشت فيه ماء حتى تنمحي الآيات القرآنية، أو تدفن في مكان ما، و اللّٰه العالم.

هل يجوز قراءة القرآن

جماعة؟

باسمه تعالى لا بأس بقراءة القرآن جمعاً، ما لم يتضمن لحناً غنائياً، و اللّٰه العالم.

قراءة مخصوصة لسورة الأنعام

هناك بعض المجالس تعقدها النساء تسمّى بختمة سورة الأنعام تقرأ بطريقة مخصوصة، حيث إنّ القارئ يقف عند بعض آياتها ليقرأ بعض الأدعية و يكرّرها

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 177

مرات معيّنة.

و السؤال يا سيّدي: أ لا تعدّ مثل تلك المجالس من البدع، حيث لم يرد فيها نصّ أو دليل، و لم تكن تعقد في أيّام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو الأئمة الطاهرين؟ كما نرجو من سماحتكم التفضّل ببيان تعريف البدعة.

باسمه تعالى البدعة إدخال ما ليس من الدين فيه، بأن يجعل ما ليس من الدّين من أحكامه و قوانينه، و العبادة غير المشروعة يجعلها عبادة مشروعة في الدّين، و لا يصدق ذلك على قراءة سورة أو أدعية بنحو خاص إذا كان بقصد الرجاء لا بقصد الورود. نعم، إذا ورد في مورد رواية أو دعاء لا بأس بقراءته بعنوان مطلق الورود، و اللّٰه العالم.

الرجعة

ما هي عقيدتنا في الرجعة؟

باسمه تعالى هي من المسلّمات عندنا و قد دلّت عليها الروايات و فيها الصحاح، و اللّٰه العالم.

هل يصح عدّ الرجعة من أُصول المذهب؟

باسمه تعالى ليست الرجعة من أُصول المذهب، و لكنّها ثابتة يقيناً لورود أخبار معتبرة فيها، كما لا يبعد تواترها إجمالًا، و اللّٰه العالم.

هل الرجعة من ضروريات المذهب؟

باسمه تعالى إنّ الرجعة حقّ، و ليست من الضروريات، بل من المسلّمات عند العلماء في الجملة، و لا يخرج الشخص بجهله كونها من المسلّمات عن الإيمان و الإسلام، و اللّٰه العالم.

التقية

كيف يمكن الجمع بين ما ذكروه (عليهم السّلام) من أنّ أفضل الجهاد كلمة حقّ تقال عند

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 178

سلطان جائر، إضافة إلى سيرة أصحابهم (عليهم السّلام) كحجر بن عدي، و سعيد بن جبير و غيرهم، و بين أحاديث التقيّة؟

باسمه تعالى لا منافاة بين المقامين لأنّ قولهم (عليهم السّلام): «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر» في موارد إذا كان تركها يوجب محو الحق و محق الدّين كما في مورد الخلافة. و أمّا التقية فهي في موارد يكون الضرر متوجّهاً إلى نفس الشخص، أو إلى بعض المؤمنين، و لا يؤثّر ذلك في محق الدّين، و التقييد الموجود في قولهم (عليهم السّلام): «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر» قرينة على ذلك.

التقية الواجبة و التقية المحرمة

يرجى التعليق على هذه الفقرة للمرحوم آية اللّٰه العظمى السيد الخوئي (قدّس سرّه)، في بحث أقسام التقية، و منها التقية المحرمة: «و إذا كانت المفسدة المترتبة على فعل التقية أعظم من المفسدة المترتبة على تركها، أو كانت المصلحة في ترك التقية أعظم من المصلحة المترتبة على فعلها، كما إذا علم بأنه إن عمل بالتقية ترتب عليه اضمحلال الحق و اندراس الدين الحنيف و ظهور الباطل و ترويج الجبت و الطاغوت، و إذا ترك التقية ترتب عليه قتله فقط، أو قتله مع جماعة آخرين، و لا إشكال حينئذ في أن الواجب ترك العمل بالتقية و توطين النفس للقتل لأن المفسدة الناشئة عن التقية أعظم و أشدّ من مفسدة قتله. ثم يقول (رحمه اللّٰه): و لعله من هنا أقدم الحسين (عليه السّلام) و أصحابه رضوان اللّٰه عليهم لقتال يزيد بن معاوية، و عرضوا أنفسهم للشهادة و تركوا التقية من يزيد،

و كذا أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام)، بل بعض علمائنا الأبرار قدس اللّٰه أرواحهم و جزاهم عن الإسلام خيراً كالشهيدين و غيرهما». (التنقيح 4/ 257).

باسمه تعالى التقية المحرمة ما إذا كان الشخص بحيث لو عمل على طبقها لم يتوجه الضرر إلى شخصه، و لكن يوجد في التقية ضرر عام أهم يترتب على ذلك مثل الفساد في

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 179

الدين و مجتمع المسلمين، أو يستمر الفساد فيهما، بحيث يعلم أن الشارع لا يرضى بوجود هذه المفسدة و استمرارها، ففي مثل ذلك لا يجوز فعل التقية.

و التقية الواجبة على العكس من ذلك، يترتب على رعايتها الخلاص من المفسدة يكون في تركها و العمل بالوظيفة الأولية إلّا مصلحة غير لازمة الاستيفاء، و في هذه الصورة تكون التقية غير واجبة.

و أما قضية الحسين (عليه السّلام) فكانت المصلحة في شهادته على يد الأعداء و المتربعين على كرسي الخلافة، حيث أفسد عليهم الأمر، بحيث لو لم يفعل لما ترتب الأثر العظيم من الحفاظ على الدين الإسلامي و ما عليه عقائد الشيعة المغفول عنها حين حكم المتسلطون على الخلافة، و كان قيام الحسين (عليه السّلام) تنبيهاً للناس عن غفلتهم و إظهاراً للعقائد الحقة التي يجب اتّباعها و الحفاظ عليها، و لكي تستفيد الأجيال الآتية من قيامه (عليه السّلام)، و اللّٰه العالم.

العصمة

ما رأيكم في مقولة من قال في عصمة الأنبياء ما يلي، ما هو حكم الشارع المقدّس في عقيدته؟ قال: «إنّ من الممكن من الناحية التجريدية أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها في وقت معيّن، ليصحّح ذلك و يصوّبه بعد ذلك، لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة ..

ثمّ قال معترضاً على العلّامة الطباطبائي (رحمه

اللّٰه) في كلامه على عصمة النبي في تبليغ رسالته التي لا تتمّ إلّا مع عصمته عن المعصية و صونه عن المخالفة (الميزان: 2/ 137 من الطبعة الجديدة) قال: «و لكن قد ينطلق الفعل من الإنسان على أساس الواقع العملي الذي قد يتحرّك فيه من خلال أوضاعه الشخصية الخاضعة لبعض النزوات الطارئة بفعل الضغوط الداخلية أو الخارجية، الحسية و المعنوية، فيتراجع عنها لمصلحة المبدإ الذي كان قد بيّنه للناس من موقع الوحي و نحوه، تماماً كما هي

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 180

الحالة الجارية في سلوك المصلحين و الرساليين حتّى الأتقياء منهم في انحراف خطواتهم العملية عن الخطّ الرسالي ..» إلخ.

باسمه تعالى إذا أمكن خطأ النبي في تبليغ آية أو نسيانها جاء احتمال الخطأ و النسيان في تصحيحه بعد ذلك أيضاً، و هذا مستلزم لبطلان النبوّة، لأنّ النبوّة تستلزم العصمة كما يدلّ عليه قوله تعالى وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ. إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ «1».

و أمّا الشقّ الثاني من الكلام فهو باطل لأنّ مقتضى عصمة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن لا يتصدّى يسعى لأيّ عمل إلّا إذا كان مطابقاً للوظيفة الشرعية، و لا يصدر منه أيّ أمر أو أيّ نهي إلّا إذا كان مطابقاً للوحي كما هو مفاد الآية المباركة وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنٰا بَعْضَ الْأَقٰاوِيلِ. لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ الْوَتِينَ «2». و النتيجة أنّ هذه المقالة مخالفة لعقيدة الشيعة.

ما هو رأيكم الشريف فيمن يردّ على الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) قوله باختيارية العصمة لينصر مقولته في كون العصمة جبرية، فيقول ما نصّه: «إنّ الأُسلوب في الحديث عن اختيارية العصمة مع الالتزام بأنّها ناشئة من فعل

اللّٰه التكويني بنبيّه أو وليّه لا يمثّل إلّا مفهوماً ينطلق من الجمع في الدليل بين وجوب العصمة و لزوم الاختيار، لا من دراسة دقيقة لنوعية الصورة الواقعية للجمع بين الأمرين».

ثمّ قال: «.. ما هو المانع من اختيار اللّٰه بعض عباده ليكونوا معصومين باعتبار حاجة الناس إليهم في ذلك؟ و ما هي المشكلة في ذلك انطلاقاً من مصلحة عباده؟ و إذا كان هناك إشكال من ناحية استحقاقهم الثواب على أعمالهم إذا لم تكن اختيارية لهم، فإنّ الجواب عليه هو أنّ الثواب إذا كان على نحو التفضّل في جعل الحقّ

______________________________

(1) سورة النجم: الآية 3.

(2) سورة الحاقّة: الآيات 44 46.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 181

للإنسان به على الطاعة لا بالاستحقاق الذاتي، فلما ذا لا يكون التفضّل بشكل مباشر إذ لا قبح في الثواب على ما لا يكون بالاختيار، بل القبح في العقاب على غير المقدور».

ثمّ يقول: «إنّ الدراسات التفسيرية الحديثة و غيرها قد دأبت على تأويل الآيات الظاهرة في وقوع الذنوب من الأنبياء، بما لا يتنافى مع العصمة، و لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه عن السرّ الذي جعل الأسلوب القرآني في الحديث عن الأنبياء يوحي بهذا الجوّ المضادّ للفكرة، و كيف يتحرّك التأويل مع المستوي البلاغي للآية، لأنّ المشكلة في كثير من أساليب التأويل الذي ينطلق من حمل اللفظ على خلاف ظاهره أنّه قد يصل إلى الدرجة التي يفقد فيها الكلام بلاغته، الأمر الذي يتنافى مع الإعجاز القرآني».

باسمه تعالى إنّ المقال المذكور مشتمل على ثلاثة أُمور:

(الأمر الأول) ما يرتبط بحقيقة العصمة.

و جوابه: أنّ العصمة عند الإمامية هي أن يبلغ الإمام أو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حدّا من العلم و

اليقين بحيث لا ينقدح في نفسه إرادة المعصية مع كونه قادراً عليها، و هذا أمر ممكن و واقع؛ فإنّ كثيراً من الناس معصوم من بعض القبائح التي لا تليق بهم، ككشف عورته في الطريق، فإنّ الشخص الشريف معصوم عن هذا الفعل القبيح، بمعنى أنّه لا ينقدح في نفسه الداعي لفعله مع كونه قادراً عليه.

و أمّا (الأمر الثاني) المتعلّق باختيارية العصمة.

فجوابه: أنّه من المحال كون العصمة جبرية منافية لاختيار المعصوم، و إلّا لكان تكليف المعصوم بأمره بالطاعة و نهيه عن المعصية باطلًا؛ لكونه تكليفاً بغير المقدور، مع أنّ كون المعصومين (عليهم السّلام) مكلّفين هو أمر ثابت بالضرورة، و يؤكّده ظاهر القرآن الكريم كقوله

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 182

لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «1» و نحوها، مضافاً إلى أنّ الإمام (عليه السّلام) لو كان مجبوراً على الطاعة لم يكن صالحاً لأن يقتدى به، و هذا مخالف لضرورة الدّين و المذهب كما هو المستفاد من قوله تعالى لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، و قول الإمام علي (عليه السّلام): «ألا و إنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدى به و يستضي ء بنور علمه، ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ..» إلخ.

و أمّا (الأمر الثالث) المتعلّق بالآيات القرآنية المنافية للعصمة.

فجوابه: أنّ كلّ آية قرآنية قامت القرينة العقلية على خلاف ظاهرها، فظهورها الوضعي إلى ما تقتضيه القرينة كما هي سيرة العقلاء في هذه المقامات، فإنّ كلّ كلام يصدر من أيّ ملتفت حكيم لا يحدّد ظاهره منفصلًا عن الأحكام العقلية الضرورية و القرائن الارتكازية و المناسبات العرفية، فكيف بكلام الحكيم تعالى؟! فما ذكر في كلمات علمائنا الأبرار في توضيح الآيات القرآنية كما صنعه السيد

المرتضى علم الهدى في كتابه (تنزيه الأنبياء) ليس منافياً للبلاغة، بل هو منسجم تماماً مع باب الاستعارة و الكناية، فإنّ التعبير بذلك من باب أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، و اللّٰه العالم.

هل عصمة الأئمة (عليهم السّلام) عصمة مطلقة أم جزئية؟

باسمه تعالى العصمة بمعنى عدم خطئهم و اشتباههم ثابتة في العلم بالأحكام الشرعية، و الأُمور التي ذكرناها في الجواب السابق و كذا عصمتهم في العمل بالوظائف، فإنّهم (عليهم السّلام) و إن لم يكونوا مسلوبي القدرة على ارتكاب فعل الحرام و ترك الواجب، و لكن مع ذلك لا يرتكبون حراماً و لا يتركون واجباً، فعصمتهم (عليهم السّلام) أمام المعاصي ليست بمعنى سلب القدرة، بل نظير عصمتنا في بعض الأفعال التي لا تصدر منّا و لكنّنا متمكّنون منها، كما في كشف العورة أمام الناس، فالإمام (عليه السّلام) معصوم كذلك بالنسبة إلى جميع التكاليف الشرعية

______________________________

(1) سورة الزمر: الآية 65.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 183

و الوظائف الإلهية، و اللّٰه العالم.

هل المعصوم (عليه السّلام) تمتد عصمته حتى للموضوعات الخارجية؟

باسمه تعالى الأئمة (عليهم السّلام) إذا شاؤوا أن يعلموا يظهر الشي ء لهم، و أمّا مع عدم مشيئتهم معرفة الشي ء فلا نعلم ذلك، و اللّٰه العالم.

عصمة الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام)

ما هي عقيدة الشيعة في مسألة العصمة و حدودها؟ و ما هو رأيكم الشريف حول آية وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا .. حيث يقول البعض ان يوسف (عليه السّلام) تحرك بغريزته و بما هو بشر اندفاعاً من شهوته الجنسية ..؟!

باسمه تعالى المراد بالعصمة هو أن الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام) بلغوا من العلم حداً لا تنقدح في نفوسهم الدواعي للمعصية، فضلًا من فعلها، و هذا لا يتنافى مع قدرة الإنسان على

المعصية، كما ان الإنسان العادي معصوم عن بعض الأفعال القبيحة كأكل القاذورات مثلًا مع قدرته عليها، لكنه لشدة قبحها في نظره لا ينقدح في نفسه الداعي لفعلها فضلًا عن القيام بها.

و إنما أعطى اللّٰه تعالى الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام) هذه الميزة لعلمه جل و علا بأنهم يمتازون على سائر البشر بشدة طاعتهم له بقطع النظر عن هذه الخصوصية، و هذا لا ينافي قدرتهم على المعصية كما ذكرنا.

و أما الآية التي استدل بها في السؤال و هي قوله تعالى وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا لَوْ لٰا أَنْ رَأىٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ «1» فهي على عكس المطلوب أدل؛ لأن لفظ لولا دال على امتناع همّه بالمعصية لرؤية برهان ربه.

و هذه هي عقيدة الشيعة المستفادة من الآيات و الأخبار، خصوصاً آية التطهير الواردة

______________________________

(1) سورة يوسف: الآية 24.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 184

في عصمة أهل البيت (عليهم السّلام)، و كل كلام يخالف ما ذكرنا فهو مخالف لمسلّمات المذهب، و اللّٰه العالم.

التوبة و مسألة تكفير ذنوب الموالي

تواترت الروايات عن أهل البيت (عليهم السّلام) بتكفير ذنوب الشيعة في الحياة الدنيا، فيخرجون حين يخرجون منها و لا ذنب عليهم، فإذا كان ذلك لما بينهم و بين اللّٰه عز و جل، و أنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهل يشمل أُولئك و الحالة هذه عذاب القبر؟ أو أنّ عذاب القبر يخصّ غير تلك الذنوب؟

باسمه تعالى التوبة و الاستغفار كما ذكر يكفّران السيّئات المتعلقة بحقوق اللّٰه سبحانه، إذا حصلا بشرائطهما، فلا يكون على العبد وزر منها، و أمّا مسألة تكفير ذنوب الشيعة فهو أمر آخر، و الذي أعلم فيه أنّه إن وقع القول منهم (عليهم السّلام) فإنّ المتوفّى من

شيعتنا لا خوف عليه، و أرجو من اللّٰه سبحانه أن يقع القول عند احتضارنا (إن شاء اللّٰه تعالى)، و اللّٰه العالم.

الملائكة عباد مكرمون

هل الملائكة معصومون أم لا، و هل عصمتهم كالبشر؟

باسمه تعالى الملائكة كما أخبر القرآن عنهم بقوله سبحانه بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ لٰا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، و اللّٰه العالم.

الحاسد

حالة الحسد إذا كانت ثابتة، فما هو حكم من يفعلها، و لا سيّما أن بعض الأشخاص تكون عندهم مثل هذه الحالة بشكل غير اختياري؟

باسمه تعالى تزول عن الشخص بالتعوّد على تركها، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 185

منكر الحسد

ما هو الحكم بالنسبة لمن ينكر تلك، إذا كانت واقعاً، و يقول: إنّ مثل هذه تعتبر من الخرافات، ليس لها من الواقع نصيب، و لو كان لها واقع لما بقي ملك سلطان على حاله، و لملك مثل هؤلاء العالم؟

باسمه تعالى إذا اعتقد شخص أنّها من الخرافات، فلا يؤثّر ذلك على الغير، إن شاء اللّٰه تعالى، و الاعتقاد بمثل هذه الأُمور، و عدم الاعتقاد بها لا يضرّ بالشخص، و اللّٰه العالم.

التحرّز من الحاسد

هل يجب التحرّز عن الأشخاص الذين عندهم مثل الحالة المذكورة خوفاً من آثارهم؟

باسمه تعالى إذا خاف فليتحرّز عن ذلك، و اللّٰه العالم.

الحسد و ثبوته الشرعي

هل مسألة العين (الحسد) ثابتة في النصوص الشرعية، و انّها واقع حقّا أو لا؟

باسمه تعالى لا يبعد ذلك، و لعلّه يشير إليه قوله تعالى وَ إِنْ يَكٰادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصٰارِهِمْ لَمّٰا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَ مٰا هُوَ إِلّٰا ذِكْرٌ لِلْعٰالَمِينَ، و اللّٰه العالم.

حرمة الإسلام

ما هي حرمة الإسلام؟ و ما هو الفرق بينها و بين بيضة الإسلام؟ و هل تتمثل بالعالم، أو بالشعائر الإسلامية، أو بالمعصوم؟ و بأي شي ء تُنتهك؟

باسمه تعالى المراد بالإسلام العقائد و القوانين الشرعية التي جاء بها النبي الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سواء كانت في القرآن أو في الأحاديث المروية عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو عن الأئمة (عليهم السّلام)، و يجب احترام

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 186

القرآن و كتب الأحاديث و هتكها حرام بل ربّما يوجب خروج المنتهك لها عن الدين إذا كان بنحو الاستهزاء و الإنكار. و أمّا بيضة الإسلام فهو مجتمع المسلمين فإذا هجم على هذا المجتمع عدو يجب الدفاع عنهم و عن أعراضهم و أموالهم، و اللّٰه العالم.

مفهوم الحرية في الإسلام

ما معنى الحرية في الإسلام؟ و هل يوجد قيود في استخدامها؟

باسمه تعالى الإسلام عبارة عن المعتقدات و الوظائف الشرعيّة التي منها الواجبات و المحرمات، فإن أريد بالحريّة هذا المعنى، أي بأن الشخص يعمل بوظيفته من غير إلزام من أحد من الناس فهو صحيح، و إلّا فالمحرمات و الواجبات قيود من اللّٰه سبحانه و تعالى لا يجوز للمكلف أن يتعداها، و اللّٰه العالم.

الإسلام و نظرية العنف

ما هو رأي الإسلام حول العنف؟

باسمه تعالى إذا كان المراد من العنف الجريمة و الاعتداء، فهو محرم في الإسلام، و نسبته إلى الإسلام ظلم و افتراء، و إن كان المراد من العنف الجزاء على الجريمة، فهو حقّ و عدل، و أحكام القصاص و الحدود متكفلة بذلك، لكن لا ربط لهذا بالعنف أبداً، و اللّٰه العالم.

توحيد الأمة الإسلامية

كيف يمكن توحيد الأمة الإسلامية مع وجود الاختلاف في الآراء الفقهية و الفتاوى؟

باسمه تعالى إن كان المراد من التوحيد في مقابل الكفر و أعداء الدين، فهذا لا يتوقف على اتفاق الفقهاء في آرائهم و فتاواهم، فإنّ الدفاع عن الإسلام من كيد الأعداء و الكفار واجب

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 187

على المسلمين على اختلاف مذاهبهم و آرائهم، و الذي ينبغي من التوحيد بين المسلمين هو هذا الأمر، لا سيما في هذا الزمان الذي يهاجم فيه الأعداء كل بقعة من أرض المسلمين بكلّ وسيلة و بكلّ طريق تيسّر لهم من طرق الغدر و الإضلال و إفشاء الفساد في المجتمعات الإسلامية و بلادها.

و إن كان المراد اتحاد المسلمين في الأصول و الفروع، فهذا مما اهتم به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) طوال حياته الشريفة، أ لم يتواتر بين المسلمين قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّٰه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا»؟ أ لم يتواتر عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنه قال: «الأئمة من بعدي أثنا عشر»؟ و غير ذلك مما يصل إليه المتتبع و السائل من أهل الذكر.

أ لم يوقف النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و

سلّم) الحجيج في غدير خم بعد رجوعهم من حجة الوداع، أي الحج الأخير للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و ولّى علياً (عليه السّلام) على المسلمين بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم .. فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»؟ أ لم يقل (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته: «آتوني بقلم و قرطاس لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده»؟ و غير ذلك.

و لكن مع الأسف وقع بعد وفاته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ما وقع، حتى انجر ذلك إلى تفرقة المسلمين و تشتتهم في عقائدهم و آرائهم. نسأل اللّٰه سبحانه أن يهدي المسلمين إلى الصواب و يجمع شملهم بظهور الموعود (عليه السّلام)، و اللّٰه الهادي للصواب.

معرفة الإسلام

هل هناك كتاب معيّن ترونه مناسباً لمن يريد أن يعرف الإسلام؟

باسمه تعالى نعم هناك كتب في هذا المقام منها كتاب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (رحمه اللّٰه) أصل الشيعة و أُصولها، و كذا كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر (قدّس سرّه)، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 188

سعي للتشيع

هل يجب عليّ إذا كنت أعلم أنّ أحداً من أبناء العامة لديه القابلية للتشيع أن أسعى لهدايته؟

باسمه تعالى إذا اطمأننتم من عدم توجه الضرر فيجب، و اللّٰه العالم.

بعض الأعمال المجربة لقضاء الحوائج

يرجى التفضل بذكر بعض الأعمال المجربة لقضاء الحوائج؟

باسمه تعالى التوسل بالأئمة الأطهار (عليهم السّلام) قال تعالى وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، و من التوسل الاستمرار على زيارة عاشوراء، و اللّٰه العالم.

جبل الطور

هل الجبل الذي تجلى اللّٰه تعالى عليه لسيدنا موسى (عليه السّلام) هو جبل الطور الموجود على أرض مصر؟

باسمه تعالى هكذا نقل، و في دعاء السمات ما يؤيد ذلك، و اللّٰه العالم.

ليلة القدر

بالنسبة لإعمال ليلتي القدر التاسعة عشرة من الشهر و الحادية و العشرين أيهما أولى، القيام بأعمال ليالي القدر أم الذهاب لإحياء العزاء و اللطم بمناسبة استشهاد أمير المؤمنين لو كان الوقت لا يسعف إلا لأحدهما؟

باسمه تعالى يمكن الجمع بين إقامة التعزية و الإتيان بجملة من أعمال ليلة القدر يا عزيزي أيّدك اللّٰه تعالى، بأن يصلّي ركعتين، ثم يلعن قتلة أمير المؤمنين (عليه السّلام) مع اللطم على الصدر، و كذا يمكنه الاستغفار مع اللطم أيضاً، و اللطم بنفسه يلازم الإحياء. و على الجملة فعلى المؤمنين التحفّظ على شعائر المذهب من وفيات الأئمة (عليهم السّلام) بجميع آدابها المشروعة و من

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 189

أهمّها إقامة التعزية في ليلة القدر ليلة استشهاد أمير المؤمنين (عليه السّلام).

ما الليالي التي يعتقد فيها ليلة القدر؟ و ما تفسير ابن عباس لها؟

باسمه تعالى ليلة القدر هي ليلة التاسع عشر أو الحادية و العشرون أو الثالثة و العشرون، و يحتمل قويّاً أنّها احدى الليلتين الأخيرتين، و أمّا الخبر المروي عن ابن عباس في مجمع البيان فغير معتبر و هو مشتمل على الاجتهاد و الاستحسان منه، و العمدة ما في الروايات عن أهل البيت (عليهم السّلام) و مفادها كما ذكرنا، و اللّٰه العالم.

كفر من أدخلوا الرعب على بيت الرسالة

هل يجب الاعتقاد بكفر من أدخلوا الرعب على بيت الرسالة؟

باسمه تعالى إذا كان إدخال الرعب لإظهار العداوة للمعصوم (عليه السّلام) فيجب الاعتقاد بكفرهم، و أمّا إذا كان طمعاً في متاع الدنيا و حطامها، فأولئك أعداء اللّٰه و الفسقة الذين يلعنهم اللاعنون، و اللّٰه العالم.

إحباط الأعمال

ما هي عقيدة الشيعة في حبط الأعمال؟

باسمه تعالى عقيدة الشيعة هي الموازنة، و أمّا الحبط فيختصّ بالكفر و الشرك، و اللّٰه العالم.

الناس و اختلاف ألوانهم بمشيئة اللّٰه (عزّ و جلّ)

كيف اختلفت ألوان البشر؟ هل كانت بفعل اللّٰه جلّ و علا أو الطبيعة؟ في حين أنّ الأب لهم واحد و هو آدم؟

باسمه تعالى قال تعالى وَ مِنْ آيٰاتِهِ خَلْقُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلٰافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوٰانِكُمْ «1»، و فعل اللّٰه في الخلق تارة يكون بالمباشرة، و تارة يكون بالتسبب،

______________________________

(1) سورة الروم: الآية 22.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 190

و الجميع مستند لمشيئته تعالى، و اللّٰه العالم.

ما هو رأي سماحتكم بمن يعتقد بأنّ اللّٰه سبحانه و تعالى خلق المشيئة، و بالمشيئة خلق العالم، و المشيئة هم الأئمة (عليهم السّلام) باعتقادهم؟

باسمه تعالى مشيئته سبحانه و تعالى إرادته، و إرادته من صفات الأفعال كما وردت في ذلك الروايات، لا من صفاته الذاتية، و الأولوية في تعلّق مشيئته سبحانه و تعالى بالخلق للنبي و الأئمة (عليهم السّلام)، و قد تقدّم أنّ الأئمة (عليهم السّلام) سابقون في علمه سبحانه و تعالى، على سائر المخلوقات بعد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و الأسبقيّة في علمه سبحانه و تعالى منشأ الأولوية في تعلّق مشيئته، كما هو ظاهر عند أهله، و اللّٰه العالم.

ادعاء أصحاب السير و السلوك

هناك مجموعة من الشباب يدّعون أنّهم أصحاب سير و سلوك و تهذيب نفس، و يقولون إنّ للسير و السلوك مقاماً يبدأ بغسل التوبة، و أنّ لكل مقام أعمالًا خاصة منها التسبيح و الدعاء، و قالوا إنّهم استفادوا ذلك من أحد السادة الذي استفاد ذلك من خلال لقاءاته مع الإمام الحجة و من خلال انكشافات حصل عليها، فما رأيكم الشريف في ذلك؟

باسمه تعالى لم يثبت ذلك شرعاً، و لا اعتبار به، و على المكلّف أن يتعلم الأحكام الشرعية التي يبتلى بها في عباداته و

معاملاته، و أن ينشغل بالواجبات التي يُسأل عنها يوم القيامة، و كل ذلك مذكور في الرسالة العملية، و لا يجوز التعامل مع هؤلاء الأشخاص بحيث يعتبر ترويجاً لطريقتهم، فإنّ طريقتهم لا تخلو من التشريع المحرّم، و اللّٰه العالم.

هل ابن المعصوم أفضل من العالم؟

بعض الناس يدعون أن ابن الإمام المعصوم (عليه السّلام) إذا كان صغيراً و كان هناك مرجع ورع فهو خير و أفضل من ابن الإمام؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 191

باسمه تعالى مثل هذا القول داخل في القول بغير علم، و قد نهينا عن ذلك، و قد ظهر من بعض أولاد الأئمة كرامات تتحير فيها العقول كالكرامات المنقولة عن أبي الفضل العباس (عليه السّلام) و حتى فاطمة المعصومة (سلام اللّٰه عليها) مع أنهم ليسوا بأئمة، و اللّٰه العالم.

وظيفة العلماء بيان الحلال و الحرام و إظهار العقائد الحقة

الفقهاء العدول الجامعون لشرائط الفتوى و التقليد الذين هم الأمناء على فقه آل محمد، هل هم أمناء على العقائد أيضاً؟ هل يصح أن يقول البعض انهم و العياذ باللّٰه، يؤيدون الخرافات و الأساطير و يتبنونها مراعاة للعلوم، خوفاً منهم أو حرصاً على استمرار الاتصال بهم؟

باسمه تعالى وظيفة العلماء بيان الحلال و الحرام، و إظهار العقائد الحقة، و بيان فساد العقائد الباطلة التي يحسبها بعض الضالين من الدين، و ما قيل من انهم لا يعتنون بالعقائد الفاسدة خوفاً من إعراض الناس عنهم، كلام لا أساس له من الصحة. نعم، إنهم لا يعترضون على شي ء لا ينافي أمور الدين و تحتمل صحته واقعاً، و في بعض الموارد يلاحظون الأهم و المهم و يبينون الشي ء الفاسد المعتقد عند بعض العوام تدريجياً، كما إذا كان هؤلاء الجماعة حديثي العهد بالإسلام، و هذا كان في صدر الإسلام و في زمن الأئمة (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

المثقّف و الأحكام الشرعية

هل يجوز للمثقف المطّلع أن يحدّد الأفكار و المفاهيم الإسلامية، و يكون صاحب رأي و نظر في القضايا الإسلامية المختلفة (غير الأحكام الشرعية)؟ و هل يجوز لنا أن نأخذها عنه؟ أم أنّ ذلك يفتقر للعلوم الحوزوية و لا بدّ من مراجعة العلماء فيها.

باسمه تعالى لا بدّ من مراجعة العلماء فيها، فإنّ ذلك مقتضى قوله تعالى

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 192

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ، و اللّٰه العالم.

الأحكام الولائية و الفتوائية

ما هو الفارق الأساسي بين الأحكام الولائية و الأحكام الفتوائية؟

باسمه تعالى الفتوى عبارة عن الحكم الكلّي الفرعي المستنبط من أدلّته، و أمّا الحكم الولائي، فهو لمن كانت له الولاية على الأمر و النهي في الأُمور المباحة، و اللّٰه العالم.

الحكم الولائي و صدوره من غير القائل بالولاية

هل يمكن أن تصدر الأحكام من مطلق فقيه جامع للشرائط، حتّى لو لم يرَ ولاية الفقيه المطلقة؟

باسمه تعالى نعم، يُمكن أن تصدر من غير القائل بالولاية، ليعمل بها من يُقلّد الفقيه القائل بها، و اللّٰه العالم.

تنفيذ الحكم الولائي

هل يجب تنفيذ الحكم الولائي على كافة المسلمين حتى على من لم يقلّد الحاكم أو لا؟

باسمه تعالى يجب على المكلف في هذه المسألة كما في سائر المسائل أن يرجع إلى مقلّده الواجد لشرائط التقليد، و اللّٰه العالم.

الرجوع إلى غير الحاكم الشرعي

هل يفهم من (المسألة 21 من المنهاج) أنّه لو اختلف مؤمنون (أي موالون) في قضية ما، فإنّه يجوز لهم الرجوع إلى الحاكم غير الشرعي؟

باسمه تعالى لا يجوز الرجوع إلى غير الحاكم الشرعي إذا كان الرجوع للحاكم الشرعي

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 193

ممكناً، و مع عدم إمكانه يجوز الرجوع إلى غيره إذا كان الحقّ محرزاً و توقّف استنقاذه على الرجوع إلى الحاكم، و اللّٰه العالم.

استثناء قبور الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) من مكروهات الدفن

جاء في كتاب العروة الوثقى، فصل في مكروهات الدفن، ما يلي: «.. السابع: تجديد القبر بعد اندراسه إلّا قبور الأنبياء و الأوصياء و الصلحاء و العلماء .. التاسع: البناء عليه عدا قبور من ذكر، و الظاهر عدم كراهة الدفن تحت البناء و السقف .. العاشر: اتخاذ المقبرة مسجداً إلّا مقبرة الأنبياء و الأئمة و العلماء .. الحادي عشر: المقام على القبور إلّا الأنبياء و الأئمة ..»، ما هو الوجه في استثناء هذه القبور من المكروهات السابقة؟ و ما هو رأيكم في الزخارف و التزيينات الموجودة في هذه المقامات؟

باسمه تعالى وجهه أنّ قبور الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام) معالم هدى و ملاذ لأهل الأرض، و كذا ذرّياتهم الطاهرة و أصحابهم و العلماء و الرواة عنهم و المقتدون بهم، فإنّ تشييد مشاهدهم المشرّفة (عليهم السّلام) من باب تعظيم الشعائر ذٰلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ «1»، و ما ورد من المنع عن الزخارف فإنّما هو في المساجد، و اللّٰه العالم.

اختلاف متولي المسجد و إمام الجماعة

مع الأسف الشديد في بعض الأحيان نصادف في المساجد أو الحسينيات اختلافاً بين المتولي الشرعي و إمام الجماعة، و في النهاية يقع المأمومون في المحذور من حيث تكليفهم الشرعي، فما هو رأيكم الشريف في هذه المسألة؟

باسمه تعالى ينبغي للمؤمنين السعي في جلب المحبة فيما بينهم و اتفاقهم على كلمتهم،

______________________________

(1) سورة الحج: الآية 32.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 194

و ألّا يفعلوا شيئاً يصير وهناً للمذهب و أتباع أهل البيت (عليهم السّلام) و ألّا يتنازعوا في دينهم لدنياهم، بل تكون كلمتهم واحدة في قبال غيرهم. وفقهم اللّٰه لكل خير و ما فيه جمع الشمل بين المؤمنين في كل البلاد.

و أما الجواب

عن السؤال: فنقول إذا كان إمام الجماعة واجداً للشرائط و المأمومون يرضون به إماماً محرزين شرائط الإمامة فيه، فليس للولي إخراجه من المسجد، و ليس لإمام الجماعة التصرف فيما هو وظيفة الولي مثل التصرف في بعض الموقوفات مما يراه الولي صلاحاً و كان التصرف في نفسه أمراً مشروعاً، و اللّٰه المسدد.

اختلاف المتولين للمسجد

نحن مجموعة من المؤمنين و بمشاركة من العوام المؤمنين قمنا بإنشاء منزل لنوقفه مسجداً، و بعد انتهاء البناء وقع الاختلاف بيننا، ما هي نصيحتكم لنا؟

باسمه تعالى ينبغي للمؤمنين التآخي و التوادد بينهم، و إن لا يستأثر أحد منهم بأمر دون مشورة الآخرين، حتى لا يصير شقاق بينهم يستفيد منه المخالفون لهم، و يوجدون الغمز في مذهبهم خاصة فيما يتعلق بالأوقاف، و إذا أمكن أن تحل هذه المشكلة عندكم بتدخل الشخصيات المعروفة و الوجهاء المحترمين المرضيين لدى جميع الأطراف أفضل من أن تحل بطريق آخر، سواء كان حلًا قانونياً مع ما فيه من الإشكال، أو شرعياً قد لا يكون لصالح أحد منكم. وفق اللّٰه الجميع لاختيار و اتباع سبيل المؤمنين و هو الهادي إلى سواء السبيل.

استحباب إجادة الأكفان

ورد في كتاب (وسائل الشيعة، كتاب الطهارة، أبواب التكفين، باب 18 استحباب إجادة الأكفان و المغالاة في أثمانها)، فعن ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: تنوّقوا في الأكفان فإنّكم تبعثون (فإنّهم يبعثون) بها، الحديث 2. و أيضاً في الحديث 4 من نفس الباب: عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: تنوّقوا في

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 195

الأكفان فإنّكم تبعثون بها. هذا من جهة. و من جهة أُخرى فقد جاء في (الكافي، كتاب الحجّة، باب مولد أمير المؤمنين (عليه السّلام)، الحديث الثاني) حكاية عن قصة فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت: وا سوأتاه .. إلخ، ثمّ قال (صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم) بعد عدّة أسطر: .. و إنّي ذكرت القيامة، و أنّ الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها اللّٰه كاسية .. إلخ. فكيف نوفّق بين هذه الروايات على فرض صحّتها؟ و هل يمكن رفع هذا التعارض بالقول: إنّ البعث مرحلة في القيامة و الحشر مرحلة أخرى؟

باسمه تعالى استحباب إجادة الأكفان ثابت، و خطاب الحشر بالأكفان راجع إلى المؤمنين، يُنافي حشر الفسّاق و الكفّار عراة، و ما ورد في حشر الناس عراة لا يعمّ أهل الإيمان و البارّين، و التضمين بالإضافة إلى فاطمة بنت أسد (سلام اللّٰه عليها) من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كالضمان عن ضغطة القبر بالإضافة إليها، و كما أنّ ضغطته لا تصيب المؤمن البار، كذلك الأمر في الحشر عارياً، هذا مع أنّ الرواية ضعيفة سنداً، بالإرسال و غيره، فلا توجب التشكيك في الأمر بالإجادة، و لا في تعليقه بما ذكر، و اللّٰه العالم.

نصيحة للمغتربين

هل لكم من كلمة موجزة إلى المغتربين المسلمين في بلاد الكفر؟

باسمه تعالى الإخوة المؤمنون في البلاد الغربية أيدكم اللّٰه و رعاكم، من اللازم عليكم أن تحافظوا على عقائدكم الدينية بتمامها و كمالها، و إن تلتزموا بالواجبات و التكاليف الشرعية لتصونوا أنفسكم و أهلكم من موجبات الانحراف و تيارات الفساد الموجودة في تلك المناطق، و عليكم بتعليم الجيل الجديد من أبنائكم و بناتكم آداب الإسلام و أحكام الدين على طريق مذهب أهل البيت (عليهم السّلام)، حتى يكون داعياً لغير المسلمين للإسلام. بهذه الصورة

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 196

تستطيعون تبليغ الدين في تلك المناطق و جلب أفراد آخرين لاعتناق هذا الدين و التقيد بمذهب أهل البيت (عليهم السّلام)،

و اللّٰه العالم.

نصيحة لمن يختلف حول التقليد

يوجد في بعض المجتمعات الشيعية أفراد يحقدون و يعادون بعضهم بعضاً بسبب الاختلاف في مرجع التقليد، فما هي نصيحتكم المفيدة؟

باسمه تعالى يجب عليهم ترك العداء و التصدي للنصح و الإرشاد، و لا يجوز هتك عالم ديني إذا لم يخرج من زي العلماء في أعماله و أقواله في إرشاد الناس إلى الحق و الترغيب في الواجبات و نهيهم عن المنكرات، و اللّٰه العالم.

السلام على تارك الصلاة و دفنه في مقابر المسلمين

إذا كان المسلم تاركاً للصلاة مرتكباً للمحرمات، و كان ذلك على سبيل التهاون لا إنكار الوجوب أو الحرمة، فهل يجوز السلام عليه و معاملته و دفنه في مقابر المسلمين؟

باسمه تعالى يجوز ذلك، و لكن إذا كان منعه عن المنكر و بعثه إلى المعروف متوقفاً على ترك معاشرته يجب تركها، و اللّٰه العالم.

إتيان البر نيابة عن الميت غير الشيعي

هل يجوز قراءة سورة الفاتحة أو الإتيان بشي ء من البر نيابة عن ميت غير شيعي، سواء كان من الأرحام أو سواهم؟

باسمه تعالى يجوز القراءة و الإتيان بالبر نيابة عنه، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 197

مراسيم اليوم السابع أو الأربعين للميت

اعتاد المؤمنون أن يقيموا مراسيم اليوم السابع أو يوم الأربعين للميت، فهل لهذه العادة أصل في الشريعة؟

باسمه تعالى في ليلة الجمعة الأولى بما أنها ليلة رحمة و غفران يستحب الإحسان فيها إلى الميت بالبر للمؤمنين، و أما ليلة الأربعين أو يوم الأربعين فأصله زيارة جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري للإمام الحسين (عليه السّلام)، و في رواية من علامات المؤمن زيارة الأربعين، و اللّٰه العالم.

كتاب سليم بن قيس

ما رأيكم في كتاب سليم بن قيس؟

باسمه تعالى كتاب سليم بن قيس كتاب معتبر، و لكن لم يثبت أن الكتاب المتداول بين أيدينا هو نفس ذلك الكتاب، و اللّٰه العالم.

يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ

الحبال التي ألقاها السحرة أمام موسى (عليه السّلام) هل انقلبت حقيقة إلى ثعابين، أم تراءى للناس ذلك، و هل يمكن لمثل ذلك أن ينطلي على الأنبياء و الأئمة، و ما هي قصة (النفّاثات في العقد)؟

باسمه تعالى من المعلوم أنّ الحبال التي ألقاها السحرة لم تنقلب حقيقة إلى ثعابين، كما ذكر ذلك القرآن حيث ورد في ذلك يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ و لكن لا يدل ذلك على أنّ كلّ سحر يؤثّر في المسحور، و لو علم بالحال، كما في العقد على الرجل من امرأته، حيث لا يتمكّن من الدخول بها، و لو مع علمه بأنّه عقد عليه، و هذا الأمر قد يخفى على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام (عليه السّلام) إذا اقتضت المصلحة الربّانية ذلك، ثم يخبر اللّٰه بالحال، كما ورد ذلك في بعض الأخبار الواردة في تفسير المعوذتين، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 198

عمل الطلاسم لردع الظالم

هل يجوز عمل الطلاسم لردع الظالم المعتدي؟ و هل يجوز للمظلوم فعل ذلك إذا حصل الضرر من الظالم و لم يقدر عليه مع وجود الخوف؟

باسمه تعالى إذا لم يكن بالسحر و توسلًا بالشياطين فلا بأس، و اللّٰه العالم.

ضرورة أخذ الحيطة و الحذر

قد تشرفت بقراءة خطابكم الميمون الذي ورد إلينا عن طريق الانترنت بمناسبة وفاة و استشهاد الصديقة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و ذكرتم فيه ضرورة أخذ الحيطة و الحذر إلى جانب التنبيه و الإرشاد إلى ضلالة بعض من تسمى بأهل العلم و بطلان آرائه. فهل هذا التنبيه على نحو الوجوب الشرعي؟ و إذا كان، فهل هو فتوى تخص مقلدكم أو تعم المؤمنين كافة على نحو الحكم لا الفتوى؟ و هل هو أمر مولوي يترتب على مخالفته عقاب من المولى، أم هو أمر إرشادي لما في مخالفته من مفاسد؟

باسمه تعالى كل من أحرز ضلالة المضل وجب عليه شرعاً تنبيه الغافلين و المغرر بهم على ذلك، من باب أن الوظيفة الشرعية بيان الحكم الشرعي للجاهل به، و الهّٰا الهادي إلى سبيل الصواب.

مس الأسماء المباركة

ما حكم مس الأسماء المباركة التي أحد جزءيها اسم أو صفة من أسماء اللّٰه و صفاته، على غير طهارة مثل عبد اللّٰه أو عبد الرحيم ..؟

باسمه تعالى لا يجري على الأعلام الشخصية المركبة حكم مس أسماء اللّٰه و صفاته، و إن الأحوط عدم مسها بدون طهارة، و اللّٰه العالم.

الاستخارة

ما هو معنى الاستخارة؟

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 199

باسمه تعالى الاستخارة هي المشورة مع اللّٰه عند تحير الشخص و عدم تشخيصه الصلاح عن غيره، كما في الأُمور التي لا يعلم عقباها، و الاستخارة بالقرآن الكريم و بذات الرقاع مجربة و واردة في الرواية، و اللّٰه العالم.

وضع الحرز حول الرقبة

هل يجوز للشاب المسلم وضع حرز لأحد الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) حول رقبته، و هو نائم مع احتمال وقوعه في الاحتلام أثناء النوم؟

باسمه تعالى وضع الحرز على الرقبة لا بأس به مع التحرز عن لمس الأسماء المباركة من دون طهارة، و إن علم أن الحرز يمس البشرة أثناء النوم، فلا بد من نزعه أو جعله فوق الملابس، و اللّٰه العالم.

دراسة الفلسفة الإلهية

ما هو الهدف من دراسة الفلسفة الإلهية بالمعنى الأخص؟ و بالأحرى ما هو الهدف من إثبات واجب الوجود و صفاته من الناحية العقلية البرهانية المنطقية؟ و نحن نعرف أن اللّٰه ثابت للإنسان بالفطرة و الوجدان، فما الداعي و الحاجة لدراسة الفلسفة في الوسط الإسلامي الإمامي خاصة؟

باسمه تعالى تحصيل العلم بالأُمور الاعتقادية و لو بالدليل الإجمالي واجب على كل واجد لشرائط التكليف، و أما دراسته الفلسفة و علم الكلام و الأُمور الأخرى لدفع شبهات المعاندين و المبطلين فهو واجب كفائي يقوم به بعض أهل الفن، و هو غير واجب على كل أحد تعييناً، و اللّٰه العالم.

العامل مع الجائر

قد ذكر أنّ قضاء حوائج المؤمنين يسوّغ الولاية من الجائر، فما هي حدود هذا

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 200

المسوّغ، فقد لا يستطيع من يعمل مع الجائرين إلّا مساعدة القليل من المؤمنين، و قد تكون مساعدته لهم في أُمور محدودة و بمقدار محدود، فما هي حدود هذا المسوّغ؟

باسمه تعالى إذا لم يكن له عمل محرّم آخر فيكفي أن يساعد بعض المؤمنين، و اللّٰه العالم.

عدم ثبوت تحويل القبلة بعد الظهور

هل صحيح أنّ الإمام الحجّة عند ما يظهر يُحوّل القبلة من بيت اللّٰه الحرام، إلى قبر الإمام الحسين (عليهم السّلام)؟

باسمه تعالى لم يثبت ذلك، و اللّٰه العالم.

الناصبي

هناك بعض الفرق الإسلامية يظهرون العداء بشكل جلي للشيعة الإمامية، و يتّهمونهم بالغلو، و يفترون عليهم أموراً لم ينزل اللّٰه بها من سلطان، و الشيعة براء من هذه الافتراءات، و في نفس الوقت تُظهر هذه الفرقة حبّها لأهل البيت (عليهم السّلام)، فهل يحكم عليهم بأنّهم نواصب أم لا؟

باسمه تعالى لا نصب إلّا مع إظهار العداء لأهل البيت (عليهم السّلام)، و اللّٰه العالم.

المسلم الضال

ما حكم من انتقل من مذهب التشيع إلى مذهب آخر؟

باسمه تعالى يدخل في عنوان المسلم الضال، و اللّٰه العالم.

رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، ص: 201

الفرق بين المعجزة و الكرامة

ما الفرق بين المعجزة و الكرامة؟

باسمه تعالى الفرق بين المعجزة و الكرامة: ان المعجزة هي خرق العادة الذي يقترن بدعوى النبوة، و يأتي بها النبي لإثبات نبوته، و أما الكرامة فلا تكون مقترنة بدعوى النبوة. و أيضاً المعجزة عمل يعجز عنه غير النبي، و أما الكرامة فلها مراتب ربما يصدر بعضها من غير النبي بل من غير الإمام المعصوم أيضاً، و اللّٰه العالم.

طهارة دم المعصوم و ..

باسمه تعالى هل اعتقاد المرء بطهارة المعصوم من الرجس يشمل ضرورة الاعتقاد بطهارة دمه و مدفوعاته؟ و ما رأيكم الشريف في ذلك؟ هل دم المعصوم و مدفوعاته طاهرين أم لا؟

باسمه تعالى الجواب عن هذه المسألة يتّضح بذكر أمرين:

أ) إنّ جسد المسلم فضلًا عن المعصوم (عليه السّلام) لا يكون خبثاً، و أمّا تنجّس بدن الإنسان بملاقاة القذر كالبول و الدم فهو أمر اعتباري و ليس أمراً واقعياً، كما أنّ النجاسة الثابتة لبعض الأشياء كالدم و المني أمر اعتباري أيضاً لا واقعي، و إنّما اعتبرها الشارع لمصلحة تقتضي ذلك أو دفع مفسدة عن العباد، لا لنقص في مورد الاعتبار و لا لكمال في غيره؛ فمثلًا تنجّس بدن الإنسان عند إصابة القذر كالبول و الدم له لا يعني الخبث الذاتي فيه و لا يدلّ على النقص في شخصه، و إنّما هو حكم تعبّدي لملاك معيّن، كما أنّ طهارة مدفوع و بول مأكول اللحم لا يدلّ على فضيلة له. و بالجملة فلا يحتمل أن يكون حكم الشارع بطهارة ميتة ما ليس له نفس سائلة كالسمك و البق و نجاسة ميتة الإنسان تفضيلًا لميتة البق على الإنسان!.

ب) من المسلّمات التي لا ريب فيها أنّ المعصومين الأربعة عشر (عليهم السّلام) في أعلى

رسالة في لبس السواد - الأنوار

الإلهية، ص: 202

درجات الكمال و أسمى مراتب العصمة، غير أنّ الأحكام الشرعية و منها وجوب غسل الجنابة أو اعتبار طهارة البدن و اللباس من الخبث في صحّة الصلاة شاملة للمعصوم و غيره، إذ لم يرد دليل على استثناء المعصوم من هذه الأحكام، و لقد كان النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يغتسل من الجنابة و يغسل بدنه ممّا أصابه من القذر و كذلك المعصومون (عليهم السّلام). و ما اشتهر من قول علي عليه السّلام لا أدري أصابني بول أم ماء و ما أُبالي إذا لم أعلم ظاهر في عدم استثنائه عليه السّلام من هذه الأحكام. و بالجملة فثبوت أحكام الطهارة و النجاسة في حقّهم عليهم السّلام لا ينافي طهارتهم الذاتية و كمال عصمتهم بصريح النصوص، و اللّٰه الهادي للصواب.

و كيف ما كان فإنّ الاعتقاد بطهارة دم الإمام أو المعصوم عليه السّلام ليس من أُصول الدين و لا من ضروريات المذهب، فيكون الأُولى لمن تردّد في ذلك إيكاله إلى الإمام عليه السّلام، و اللّٰه العالم.

تخصيص قول صلّى اللّٰه عليه و آله

هل يجوز أن نقول لأحد الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم؟ و ما الدليل في حالة الجواز؟

باسمه تعالى هذا خلاف ما قرّر في الشرع من الصلاة على الأئمّة (عليهم السّلام) مقترناً بالصلاة على النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و لا يذكر هذا إلّا إذا كان النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم مضافاً إليه آله صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين، و اللّٰه العالم.

سم الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله

هل مات رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم مسموماً؟ و ما الدليل على ذلك؟

باسمه تعالى ورد في رواية معتبرة أنّه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أعطي السم، و اللّٰه العالم.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، رسالة في لبس السواد - الأنوار الإلهية، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.